الأسد يصدر مرسوما بزيادة الرواتب رغم تدهور سعر صرف الليرة

خبير اقتصادي: تعادل قيمة ما ينفقه النظام بمعاركه العسكرية خلال يومين

TT

مع اقتراب شهر رمضان وتزايد التوقعات بشح توفر المواد الأساسية في الأسواق المحلية واستمرار الأسعار بالارتفاع، أصدر الرئيس بشار الأسد أمس مرسوما يقضي بزيادة الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة للعاملين المدنيين والعسكريين، شمل مؤسسات القطاع المشترك التي تزيد مساهمة الدولة فيها على 75 في المائة، في وقت شهدت فيه الليرة السورية تدهورا سريعا خلال الأيام الأخيرة مع تخطي سعر صرف الدولار الواحد 225 ليرة سوريا.

ونص المرسوم، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية «سانا» على «زيادة الرواتب بالنسبة للعاملين 40 على الـ10 آلاف الأولى و20 في المائة على الـ10 آلاف الثانية و10 في المائة على الـ10 آلاف الثالثة، و5 في المائة على ما يزيد على الـ10 آلاف الثالثة من الراتب أو الأجر الشهري».

ويأتي مرسوم زيادة الرواتب في ظل تدهور مختلف القطاعات الاقتصادية داخل سوريا بسبب الأزمة المندلعة منذ 15 مارس (آذار) 2011، وفقدان المصرف المركزي قدرته في الدفاع عن الليرة وتأمين العملات الصعبة في السوق المحلية. ويشير الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي اللبناني، الدكتور سامي نادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لا معنى لهذه الزيادة بالمنطق الاقتصادي، إذ إنه على النظام السوري في ظل الظروف التي يعيشها أن يقلص النفقات لا أن يزيدها». ويوضح أن «هذه الخطوة تفهم من الناحية السياسية بأنها رد من قبل السلطات السورية على الأنباء التي تتحدث عن تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار، فالنظام يريد أن يقول للعالم الذي يراهن على سقوطه الاقتصادي إنه لا يزال قويا».

وكانت الليرة السورية قد بلغت نحو 205 للدولارات الواحد، وهو ما يعني فقدان العملة السورية 20 في المائة من قيمتها في أربعة أيام و77 في المائة من قيمتها منذ اندلاع الثورة السورية في مارس (آذار) 2011، حين كان سعر الصرف 47 ليرة للدولار الواحد. وانعكس ذلك على الأسواق المحلية حيث شهدت السلع والخدمات ارتفاعا جنونيا في الأسعار.

وعلى الرغم من وعد نائب رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد ووزير التجارة قدري جميل، خلال حديث للتلفزيون الرسمي أول من أمس، بأن «الأيام القادمة ستحمل مفاجآت سعيدة للسوريين في ما يتعلق بتحسين الوضع المعيشي لهم»، إلا أن السوريين الذين استيقظوا أمس على مرسوم زيادة الرواتب للعاملين في الدولة من المدنيين والعسكريين نكبوا قبل يومين بقرار الحكومة رفع سعر لتر المازوت من 35 ليرة إلى 60 ليرة، الأمر الذي سيصب زيتا على نار الأسعار لتلتهب أكثر وتأكل الدخل والزيادة على الرواتب. مع الإشارة إلى أن تلك الزيادة لا تشكل العاملين في القطاع الخاص الذين يعانون كغيرهم من الارتفاع الجنوني للأسعار.

وكان الرئيس بشار الأسد أصدر أواخر مارس (آذار) 2011، المرسوم التشريعي رقم 40 للعام 2011، القاضي بزيادة الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة بمبلغ قدره 1500 ليرة سورية للراتب المقطوع، يضاف إليها زيادة قدرها 30 في المائة من الرواتب والأجور المقطوعة دون الـ10000 ليرة شهريا، وزيادة قدرها 20 في المائة من الراتب أو الأجر الشهري المقطوع والبالغ 10000 ليرة سوريا فما فوق.

ورغم تحسن سعر الليرة السورية بعد حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة وتدخل المصرف المركزي إلا أن الأسعار لم تتراجع وواصلت ارتفاعها، وعلى سبيل المثال بلغ سعر كيلو البندورة (طماطم) 160 ليرة، وسعر طبق البيض 450 ليرة، أي بسعر 15 ليرة للبيضة الواحدة، كما بلغ سعر كيلو حليب البقر 90 ليرة، بينما سعر لتر الحليب المبستر 120 ليرة، وسعر كيلو لحم الدجاج 800 ليرة، وكيلو لحم العجل 1200 ليرة. وهي أسعار تعتبر باهظة جدا لغالبية السوريين من ذوي الدخل المحدود أما أصحاب الدخل المعدوم من الذين فقدوا كل شيء وباتوا في عداد نازحين فهؤلاء يعيشون على المساعدات.

ويعتبر نادر أن «نسبة الرواتب والأجور في ميزانية النظام السوري لا تتعدى 20 في المائة، ما يعني أن المبالغ التي سينفقها النظام نتيجة هذا المرسوم لا تتجاوز قيمة ما ينفقه خلال يومين في المعارك العسكرية».

كما أصدر الأسد أمس مرسوما تشريعيا آخر يقضي بـ«منح أصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين في مؤسسات الدولة زيادة 25 في المائة على العشرة آلاف ليرة الأولى من المعاش التقاعدي، و20 في المائة على العشرة آلاف الثانية و10 في المائة على ما يزيد على العشرة آلاف ليرة سورية الثالثة من المعاش التقاعدي».

ويتأثر الاقتصاد السوري بالأحداث التي تتعرض لها سوريا والعقوبات الاقتصادية الغربية والعربية التي فرضت عليها جراء الأحداث، ما أثر على الاحتياطي لدى المصرف المركزي، كما أغلقت الكثير من المعامل أبوابها، إثر صعوبة تأمين المواد الأولية وانقطاع الطرقات، والأضرار الكبيرة في البنية التحتية في بعض المناطق، إضافة إلى مغادرة الكثير من رجال الأعمال البلاد وسحب استثماراتهم من السوق السورية.

وقال وزير المالية السوري إسماعيل إسماعيل إن «تطبيق هذه الزيادات على الرواتب والمعاشات التقاعدية سيبدأ اعتبارا من مطلع يوليو (تموز) المقبل». وأشار، في تصريح لوكالة «سانا»، إلى أن «وزارة المالية أعدت بلاغا عاما لجميع محاسبي الإدارة والجهات المعنية يتضمن احتساب هذه الزيادة ومصادر تمويلها ولتحضير ما يلزم والبدء الفعلي بتنفيذها».

وأكد وزير المالية أن «الأجهزة الحكومية المختصة ستقوم بمراقبة الأسواق وضبط الأسعار وعدم السماح لأي زيادات في أسعار السلع والخدمات بامتصاص هذه الزيادة التي ستسهم بما تتضمنه من ضخ لسيولة كبيرة في الاقتصاد السوري في زيادة النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة».

وتزامن إصدار مرسوم زيادة الرواتب مع مطالبة «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير»، التي تضم كلا من حزب الإرادة الشعبية الذي يرأسه النائب قدري جميل، والحزب السوري القومي الاجتماعي جناح وزير المصالحة الوطنية علي حيدر، بمحاسبة المسؤول الأول والأساسي عن تدهور سعر صرف الليرة السورية، والإدارات المالية وعلى رأسها حاكم مصرف سوريا المركزي، ووضعها تحت سلطة الحكومة. كما طالبت الجبهة بحسب بيان نشرته أمس صحيفة «الوطن» المقربة من السلطة تفعيل دور مجلس النقد والتسليف في البنك المركزي باتخاذ عدة إجراءات سريعة وحاسمة، تستند إلى «برنامج حكومي» جديد يأخذ التغيرات والتطورات الحاصلة، وتسمح بمعالجة «وضع سعر الصرف»، وضبط ومحاسبة «سلوك الإدارة المالية وحاكم مصرف سوريا المركزي»، بهدف منع تدهور المستوى المعيشي للسوريين.

ويحمل التجار السوريون مسؤولية الهبوط الحاد لليرة إلى عدم وفاء محافظ البنك المركزي السوري أديب ميالة بوعوده بدعم الليرة إذ لم تفلح خطوة البنك المركزي بضخ 100 مليون يورو (134 مليون دولار) في وقف نزيف الليرة.