قتلى وجرحى من الجيش اللبناني إثر اشتباك مع مناصري أحمد الأسير بصيدا

قيادته قالت إن الاستهداف تم بدم بارد وبنية إشعال فتيل التفجير

فريق طبي يسعف جنديا لبنانيا مصابا جراء الاشتباكات في صيدا أمس (أ.ب)
TT

أكد الجيش اللبناني أمس أنه لن يسكت عن «التعرض له سياسيا وعسكريا»، وذلك بعد مقتل 4 من عناصره على أيدي مسلحين من أنصار رجل الدين السني المتشدد أحمد الأسير في مدينة صيدا، كبرى مدن الجنوب اللبناني. وقالت قيادة الجيش في بيان لها: «حاول الجيش منذ أشهر إبعاد لبنان عن الحوادث السورية، وألا يرد على المطالب السياسية المتكررة بضرورة قمع المجموعة التابعة للشيخ أحمد الأسير في صيدا، حرصا منه على احتواء الفتنة والرغبة بالسماح لأي طرف سياسي بالتحرك والعمل تحت سقف القانون». وأضافت: «لكن ما حصل في صيدا اليوم فاق كل التوقعات»، معتبرة أن «الجيش استهدف بدم بارد وبنية مقصودة لإشعال فتيل التفجير في صيدا».

ويأتي الانفلات الأمني غير مسبوق بعد اعتداء على حاجز للجيش اللبناني في المدينة أدى إلى مقتل ضابطين و4 جنود، أعقبته مواجهات مسلحة بين الجيش ومسلحون موالون للأسير.

واتهم الجيش اللبناني الأسير والمسلحين الموالين له بالاعتداء على الحاجز العسكري «من دون أي سبب». وبدا أن الجيش يتجه إلى خطوات حازمة مع تمكنه من حصر الأسير ومسلحيه في محيط معقله الرئيسي شرق المدينة، وتوجيه رسالة «سياسية - عسكرية» دعا فيها فعاليات المدينة إلى عدم استخدام «اللغة المزدوجة» وإعلان موقف محدد، فإما «أن يكونوا إلى جانب الجيش اللبناني أو إلى جانب مروجي الفتنة وقاتلي العسكريين».

وسرعان ما توالت ردود الفعل المؤيدة للجيش من قبل فعاليات المدينة والقيادات السياسية والمسؤولين، فيما ظهرت محاولات لنقل التوتر إلى مناطق أخرى في بيروت والشمال، من دون أن تتوسع هذه المظاهر بشكل كبير. وصعد الأسير من خطابه ضد الجيش، عبر مقطع فيديو بث على الإنترنت، داعيا عناصر السنة في المؤسسة العسكرية إلى الانشقاق، متهما الجيش بأنه «يعتدي علينا»، وأنه «إيراني مذهبي وطائفي»، مطالبا مناصريه بالالتحاق به.

لكن المسؤولين اللبنانيين منحوا الجيش اللبناني الغطاء السياسي الكامل، حيث أكد الرئيس اللبناني ميشال سليمان أن «لدى الجيش التكليف الكامل لضرب المعتدين وتوقيف المنفذين والمحرضين وسوقهم إلى العدالة»، داعيا إلى «اجتماع وزاري أمني في بعبدا» اليوم.

وتابع سليمان مع وزير الداخلية مروان شربل وقائد الجيش العماد جان قهوجي تطورات الاشتباكات في صيدا، مشيرا إلى أن الدعوات إلى العسكريين للانشقاق عن وحداتهم والجهاد ضد الجيش تصب في خانة مصلحة أعداء لبنان، ولن تجد آذانا صاغية لدى المواطنين اللبنانيين والفلسطينيين، ولدى أفراد الجيش. ورأى أن الجيش اللبناني يحوز ثقة الشعب وتأييده والتفافه حوله، كما يحظى بالغطاء السياسي الكامل والشامل كي يقمع المعتدين على أمن المواطنين والعسكريين والمحرضين على النيل من وحدته وتوقيف الفاعلين وإحالتهم إلى القضاء المختص.

وعلى خطى سليمان، أكد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام: «ضرورة قيام الجيش اللبناني والقوى الأمنية لمعالجة الوضع على الأرض بالسرعة الممكنة واعتقال الفاعلين وإنهاء حالة الاستنفار المسلح الذي يهدد المواطنين والسلم الأهلي في عاصمة الجنوب»، داعيا جميع القوى السياسية إلى «مؤازرة الجيش والقوى الأمنية لوضع حد للصدامات المفتعلة التي باتت عبئا على الجميع من دون استثناء».

وحذر الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري من أي محاولة لاستدراج مدينة صيدا إلى مواجهة مع الدولة والجيش اللبناني، مشددا على وجوب اتخاذ كل الإجراءات التي تحمي المدينة وأهلها ووقف مسلسل الفتن المتنقلة التي تتهدد لبنان. وقال في بيان أصدره أمس: «إن الخطيئة الكبرى التي يتحمل مسؤوليتها حزب الله من خلال استفزاز المواطنين في عاصمة الجنوب ونشر البؤر الأمنية في الأحياء، لا يصح أن تشكل مبررا للخروج على القانون واللجوء إلى استخدام السلاح ضد مراكز الجيش اللبناني أو أي قوى أمنية شرعية». وناشد جميع «المواطنين عدم الانجرار إلى أي ردود فعل سلبية من شأنها أن تغطي على ارتكابات حزب الله، وتعطي المتضررين من بسط سلطة الدولة الفرصة لتحقيق مآربهم السياسية والأمنية».

وكان انفجر الوضع الأمني في صيدا، أمس، فجأة. وأعلنت قيادة الجيش في بيان أول أن مجموعة مسلحة تابعة للأسير «أقدمت، ومن دون أي سبب، على مهاجمة حاجز الجيش اللبناني في بلدة عبرا - صيدا، ما أدى إلى استشهاد ضابطين وأحد العسكريين وإصابة عدد آخر بجروح، بالإضافة إلى تضرر عدد من الآليات العسكرية». ولفتت القيادة إلى أن قوى الجيش اتخذت التدابير اللازمة لضبط الوضع وتوقيف المسلحين. وتطور الوضع الأمني مع استمرار الاشتباكات، حيث وسع المسلحون من انتشارهم باتجاه الخط البحري في صيدا، ورموا، بحسب تقارير إعلامية، مادة المازوت في الشارع، في محاولة لمنع العابرين من المرور، قبل أن يتدخل الجيش اللبناني لملاحقتهم، ويفتح الطريق البحري الذي يشهد أيام الآحاد زحمة على طريق الجنوب - بيروت، كون معظم أبناء الجنوب يعودون إلى العاصمة بعد قضاء عطلة نهاية الأسبوع.

وبعد اشتباكات دامت نحو ساعتين، تخللها إطلاق نار وقذائف صاروخية، نجح الجيش اللبناني في السيطرة على محيط المسجد، وفرض طوقا أمنيا في المنطقة.

وأفادت الوكالة الوطنية بنزوح أهالي عبرا باتجاه قرى وبلدات شرق صيدا وجزين وإلى مدينة صيدا. وذكرت أن عددا من سيارات الإسعاف التي كانت متوقفة بالقرب من مسجد بلال بن رباح، نقلت جرحى بينهم أشخاص من جنسيات غير لبنانية، إلى مستشفيات صيدا.

ومع توسع رقعة الاشتباكات، شهدت مناطق لبنانية تحركات داعمة للأسير، وتحديدا في محيط المدينة الرياضية في بيروت والشمال، فيما تحرك مؤيدون للجيش ليقطعوا طرقا أخرى في منطقة البقاع، وسط تحذيرات من تحركات داخل المخيمات الفلسطينية في صيدا. وأفيد مساء باستهداف جماعة «فتح الإسلام» حاجزا للجيش في مخيم عين الحلوة، بإطلاق النار عليه، ما دفع عناصر الجيش إلى الرد على مصادر النيران بالمثل.