لاجئون سوريون يعودون إلى بلادهم للقتال ضد نظام الأسد وحزب الله

إحدى العائدات: نفضل الموت في وطننا بدلا من التجول في الأرض مشردين

TT

حالة من اليأس تسيطر على اللاجئين السوريين وهم في طريقهم إلى الحافلات المتجهة نحو الحدود. نسوة بحالة ذعر يستصرخن طلبا للمساعدة، وأطفال يمررون عبر النوافذ المفتوحة، ورجال يصافحون آخرين ويلقون نظرات الوداع، وشرطة مكافحة الشغب تندفع نحو الأمام بالهراوات والغاز المسيل للدموع لتفريق الشباب الذين يبادرونهم برمي الحجارة.

والشيء الغريب هو أن هؤلاء اللاجئين لم يكونوا يفرون من سوريا، ولكنهم كانوا في طريق العودة إليها، تاركين مخيم الزعتري المكتظ للرياح التي تعصف به.

مع وصول عدد اللاجئين إلى نحو 500 ألف لاجئ منذ اندلاع الصراع في سوريا، بات موسم الهجرة العكسية واضحا خلال الأشهر الأخيرة؛ إذ تجاوز عدد اللاجئين السوريين العائدين من الأردن إلى قراهم في بعض الأيام من الأشهر الماضية عدد الفارين من سوريا. وفي مخيم الزعتري، الذي يضم 140 ألف سوريا، يقول العديد من اللاجئين إنهم يخشون من أن تسيطر القوات الموالية للرئيس بشار الأسد على آخر المناطق الآمنة على طول الحدود السورية - الأردنية، وبالتالي يفقدون فرصة الحماية من قبل قوات المعارضة خلال عودتهم ويتركون عالقين بعيدا عن وطنهم.

ويأتي هذا النزوح العكسي في ظل شعور المقاتلين واللاجئين السوريين في شمال الأردن بحالة من الذعر بسبب شعورهم بأن قوات الأسد قد بدأت تحقق مكاسب ملموسة. وخلال مقابلات في مخيم الزعتري، قال كثير من اللاجئين والمقاتلين المعارضين للنظام إن قوات الأسد التي يساعدها مقاتلون أجانب، من إيران ولبنان والعراق، بدأت تحقق مكاسب في الحرب.

وقال قادة الثوار إن رجالهم يعيشون على الماء ولقيمات صغيرة وكل ما يمكن تسوله من الأسواق أو الحقول، في الوقت الذي يقتات فيه البعض على ورق العنب، مشيرين إلى أن الطرق التي كانوا يسيطرون عليها في السابق باتت تحت سيطرة قوات الأسد الآن.

وتحدث بعض اللاجئين عن الحياة البائسة التي يعيشونها في المخيمات، ولا سيما في ضوء حرارة الصيف الشديدة.

وقال محمد الغانم، الذي من المقرر أن يعود إلى قرية الشجرة في درعا (جنوب) مع أبنائه الخمسة بعدما أنفق كل مدخراته التي كانت تبلغ ألفي دولار خلال 4 أشهر في المخيم: «نفضل الموت بكرامة في وطننا بدلا من التسول في الأردن».

وقال أندرو هاربر، وهو ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأردن: «نرى أن عددا كبيرا من السوريون يعودون إلى وطنهم خلال الأيام الأخيرة»، مضيفا أن الشهر الماضي قد شهد دخول 500 سوريا إلى الأردن كل يوم، مقابل عودة 250 لاجئا إلى بلادهم، مضيفا: «نحن لا نوصي بذلك. صحيح أن الوضع في المخيمات سيئ، ولكن الوضع في سوريا أسوأ».

وأضاف هاربر أن عدد العائدين إلى سوريا قد تجاوز في بعض الأيام عدد اللاجئين الفارين من سوريا إلى الأردن، فيوم الأربعاء الماضي، على سبيل المثال، استقل أكثر من 3 آلاف سوري الحافلات في مخيم الزعتري عائدين إلى سوريا، أما يوما الثلاثاء والجمعة فلم يشهدا عودة أي سوري إلى وطنه، بسبب القصف العنيف من جانب قوات الأسد للبلدات الحدودية، وهو ما زاد من الشعور بالفزع والخوف في المخيمات وجعل اللاجئين يشعرون بصعوبة العودة.

وقد استقبلت الأنباء حول وعود الرئيس الأميركي باراك أوباما بتسليح المعارضة، بحالة من التشكك من قبل اللاجئين ومقاتلي المعارضة.

وقال أبو محمد النعيمي، وهو قائد لواء سابق انشق عن الجيش السوري ويقود اليوم كتيبة تابعة للجيش السوري الحر: «لماذا ينتظرون حتى الآن؟ هل ينتظرون إلى أن نخسر المعركة؟».

وبالإضافة إلى المساعدات الأميركية الجديدة التي وعد بتقديمها للمعارضة، تقوم إدارة أوباما منذ فترة طويلة بتقديم الدعم اللوجيستي والاستخباراتي للمعارضة، فضلا عن التدريب. ويعمل ضباط وكالة الاستخبارات المركزية مع حلفاء في الأردن وتركيا منذ أكثر من 6 أشهر للمساعدة في العديد من المجالات، بدءا من تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وحتى استخدام الأسلحة المتقدمة المضادة للدبابات، حسب تصريحات مسؤول حكومي بارز في إحدى بلدان الشرق الأوسط.

ويتسلل الثوار بانتظام عبر الحدود لحضور التدريبات التي تتراوح مدتها بين بضعة أيام إلى أسبوعين، قبل أن يعودوا مرة أخرى إلى سوريا للاشتراك في القتال، حسب تصريحات المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته أو جنسيته بسبب السرية التي تكتنف العملية. ويشمل دور الأميركيين في البرنامج الإشراف على الموظفين والرعايا الأجانب الذين يقومون بتعليم الجزء الأكبر من التعليمات، فضلا عن بعض التدريبات العملية، حسبما ذكر المسؤول.

وقال أحمد سعيد، وهو شاب في الثامنة عشرة من عمره من قرية جاسم في درعا (جنوب)، إنه قرر الانضمام للجيش السوري الحر ومعه 3 من أبناء عمومته بعد سماع تقارير عن وصول مقاتلين من حزب الله الشيعي اللبناني إلى مشارف مدينة درعا الجنوبية في وقت سابق من الشهر الجاري.

وأضاف السعيد: «المقاتلون الأجانب يقومون بغزو منازلنا ويحاولون وأد الثورة. والآن، حان الوقت للدفاع عن أراضينا وشرفنا».

ويقول بعض اللاجئين السوريين إنهم يعودون لبلادهم استجابة لدعوة الجهاد التي أطلقها علماء السنة في بعض الدول العربية أخيرا. وقال أحمد الزعبي، وهو أحد اللاجئين الذين قالوا إنهم يعتزمون الانضمام للمقاتلين الإسلاميين عقب عودتهم: «يقوم مقاتلو حزب الله والمقاتلون الإيرانيون بدخول المنازل واحدا تلو الآخر، ويغتصبون النساء ويقتلون الأطفال ويدمرون المساجد. من واجبنا كسوريين وكمسلمين أن ندافع عن وطننا».

ويأمل الشباب العائدون إلى سوريا أن يتمكنوا من دحر قوات الأسد والمقاتلين الأجانب، مشيرين إلى أنهم يخشون من الانتقام إذا ما انتصرت قوات الأسد في نهاية المطاف، وأنهم سيشعرون بالخجل من أنفسهم إذا لم يعودوا إلى وطنهم في الوقت الذي يقاتل فيه الأجانب على أراضيهم.

وفي ضوء الخسائر الكثيرة التي تكبدها الثوار على يد قوات الأسد وحزب الله اللبناني، يقول الكثير من اللاجئين إنهم حريصون على العودة إلى وطنهم في الوقت الذي لا تزال فيه المعارضة قادرة على حماية عودتهم قبل أن يحقق نظام الأسد مزيدا من المكاسب.

ويعود كثير من اللاجئين إلى وطنهم وهم لا يعلمون ما إذا كانت منازلهم وقراهم لا تزال موجودة أم لا.

وقالت أم سامر الحريري، وهي سيدة في الـ42 من عمرها، قبل أن تستقل إحدى الحافلات العائدة إلى سوريا مع أطفالها الستة: «نحن نفضل الموت في وطننا بدلا من التجول في الأرض مشردين».

* خدمة «واشنطن بوست»