وزير الإعلام السوداني لـ «الشرق الأوسط»: زوبعة «سد الألفية» تفتقد «النظرة الثاقبة»

أحمد بلال عثمان : مصر بحاجة إلينا.. والإساءة والتجريح مرفوضان

أحمد بلال عثمان
TT

قطع وزير الإعلام المتحدث باسم الحكومة السودانية أحمد بلال عثمان، بأن حكومته لن تفاوض الجبهة الثورية، وتصر على موقفها بعدم الاعتراف بالحركة الشعبية - قطاع الشمال، وتتمسك بما أقرته اتفاقية السلام الشامل السودانية بشأن المنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق).

وقال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن قرار حكومة الخرطوم بوقف تصدير بترول جنوب السودان لا رجعة فيه، إلا إذا أوقف الجنوب تماما دعمه لحركات التمرد ضد الحكومة السودانية.

وحمل الوزير السوداني على الحملة الإعلامية التي شنها سياسيون وإعلاميون مصريون ضد موقف حكومته من «سد الألفية» الإثيوبي، وقال إن السد ليس جزءا من «حرب المياه»، وإن مصر بحاجة للسودان في مواجهة حرب المياه، منتقدا ما سماه حملات التجريح والإهانة التي شنها هؤلاء ضد بلاده، مشيرا إلى أن زوبعة «سد الألفية» تفتقد النظرة الثاقبة.

وإلى أبرز ما جاء في الحوار:

* لأول مرة يتمايز الموقف السوداني عن المصري في «سد الألفية».

- موقفنا من مصر ثابت. وللسودان مصالحه التي يجب مراعاتها من أي دولة كانت. ما أثير حول سد الألفية «زوبعة تفتقد النظرة الثاقبة الواعية»، وخلقت الكثير من «التشويش»، فما الضرر إن قلنا إنه مفيد لنا، هل نحن ممنوعون تماما عن الحديث عن مصالحنا كسودانيين؟! قدمنا تضحيات جساما دون مقابل للشعب المصري، وسنواصل.. ولولا وقفة السودان مع مصر لما قام السد العالي.

وعبركم أقول للغافلين الذين يغفلون الدور السوداني: أي دولة تلك التي تقبل تهجير 22 قرية، وطمر 100 مليون نخلة و350 ألف شجرة مثمرة، (إضافة إلى) حضارة وتاريخ وتهجير لمناخ مختلف لبناء السد العالي؟ أيعقل أن يلعب المنتخب المصري الكرة في الخرطوم ويخسر من الجزائر؛ وليس إسرائيل، فيسب السودانيين؟! سد الألفية فيه فوائد للسودان، وندعو العقل المصري الواعي لينتبه لأن ضررا كبيرا يلحق بعلاقاتنا، وأن ينتبه إلى أن الهجرة من الشمال للجنوب بدأت تتعاظم. فلأول مرة منذ عام 1821 هناك زهاء 350 إلى 400 ألف مواطن مصري في السودان. صحيح أن السودانيين في مصر أكثر من مليونين، لكن الهجرة العكسية بدأت، إضافة إلى أننا نفتتح لأول مرة 3 طرق برية تربط البلدين.

وسد الألفية ليس جزءا من «حرب المياه» وهي لن تتوقف، ومصر بحاجة للسودان مثلما هو بحاجة لها في هذه الحرب، فالإساءة والتجريح مرفوضان، مصر الرسمية لم تجرحنا أو تسئ لنا.

* هل طلب منكم وزير الخارجية المصري تبني موقف جديد من سد الألفية يتطابق مع موقف دولته؟

- القضية ليست تبعية، بل تعاون مشترك بين دول حوض النيل، بما يزيد مواردها من المياه، فتستفيد مصر والسودان والدول الأخرى. القضية تحتاج إلى تعاون وتقارب وتفاهم، و«اللغة الاستعلائية والتهديد» لا يفيدان فيها.

* يقال إنكم تحاولون ابتزاز مصر بهذا الموقف للحصول على تنازلات في حلايب وشلاتين؟

- النزاع على حلايب ليس وليد اللحظة بل منذ عام 1956. هؤلاء مثل من باتوا ليلتهم، وأفاقوا فوجدوا «سد الألفية» الذي بدأ الحديث عنه قبل أربعة سنوات، نحن أكثر وعيا من دعاة الفتنة بين الشعبين ولن يكون بيننا إلا الخير، لو لدينا حق فسنأخذه وإن كان لديهم حق فسيأخذونه.

* هل يعني هذا تخلي السودان عن حقوقه التاريخية في المثلث الحدودي؟

- مصر لم تطلب منا، وبدورنا لم نطلب منها إلا إعادة الوضع في حلايب إلى ما قبل 1995، لتكون منطقة تكامل وتوحد، وليس منطقة تنازع.

* قال مساعد الرئيس السوداني موسى محمد أحمد إن الرئيس مرسي وعد بإعادة الوضع في حلايب إلى ما قبل 1995، ونفت الرئاسة المصرية قوله.

- تمر مصر بمرحلة انتقالية، وعدم توازن، لو قال فيها مرسي أي شيء فهناك من يخالفه، وإن رفض شيئا، فهناك من «يرفض» رفضه، هذه مشكلة داخلية لن نتدخل فيها. مصلحتنا تقتضي استقرار مصر.

* كأنك تؤكد أن مرسي وعد مساعد البشير بـ«تصحيح وضع حلايب» وأن الضغوط السياسية دفعته لنفي وعده؟

- لن تقوم المصالح بيننا وبين مصر أو تنقطع بسبب حلايب، وليس من الحكمة الحديث عنها في الوقت الراهن.

* الاعتداءات على حرية الصحافة متواصلة: صودرت صحف، وأوقفت أخرى، ومنع صحافيون من الكتابة، رغم قرار رفع الرقابة.

- استخدام كلمة «اعتداء» غير صحيح، مساحة حرية الصحافة في السودان كبيرة جدا، ورفع الرقابة - قبلية وبعدية - أعلنه النائب الأول علي عثمان محمد طه وترك الأمر للضمير الوطني، بالتزامن مع اعتداءات المتمردين على الأهالي والتنكيل بهم. وسمع الصحافيون وقتها أن تناول أمر القوات المسلحة «خط أحمر»، خصوصا «القدح»، فإن كان كاذبا فهو «كذب ضار»، وإن أفشى معلومة فيرقى لحد «الخيانة».

أوقفت صحيفتان لخرقهما الاتفاق فيما يتعلق بالقوات المسلحة، أما من أوقفوا بصفة شخصية، فلأنهم قدحوا في الجيش وأساءوا له. الحكومات والشعوب الراشدة تحترم جيوشها. وإذا التزمت الصحافة بهذا «الخط الأحمر الوحيد»، فلن تكون هناك رقابة.

* لماذا تمت الإيقافات خارج سلطة القضاء والقانون؟

- نحارب متمردين يعلنون أنهم إذا وصلوا للسلطة فسيحلون القوات المسلحة والقضاء. ويقيمون ولايات بأساس إثني لها حق «تقرير المصير». لن نسمح بالقول إن «الجيش لا يحارب وغير مقتنع وضعيف».. ومن يقول به فهو «جزء من المخطط»، يجب الالتزام بـ«قدسية» الحديث عن الجيش. أما اللجوء للمحاكم، فهناك أكثر من قضية سنرفعها ضد الصحف التي تنشر الأكاذيب.

* قرر الرئيس البشير إيقاف نفط الجنوب، ثم قبلت الحكومة مقترحات الآلية الأفريقية.. هل تراجعتم؟

- نسعى لحسن الجوار مع جيراننا السبعة، حدودنا مع الجنوب هي الأكبر ومأهولة بـ8 ملايين نسمة، وتشهد حراكا وتداخلا. وما زلنا على ما قاله البشير يوم انفصال الجنوب: «نريد علاقة متميزة مع الجنوب ترقى إلى مستوى الاتحاد السوداني».

نحن لا نصدر الأذى لأحد، ونود من الطرف الثاني وقف أذاه، أقفلنا أنابيب البترول وعلقنا الاتفاقات مع الجنوب مجبرين.. بعدها حدث حراك كبير، وقدم «أمبيكي» مبادرته، وتصلح قاعدة لحلحة المشاكل الأمنية، قبلها الجنوب وقبلناها.

* أليست هي نفسها مفردات المصفوفة التي سبق الاتفاق عليها من قبل؟

- الجديد أنها مرتبطة بمواعيد محددة، وجداول زمنية ورقابة من المجتمع الأفريقي.

* قرار بهذه الخطورة أما كان الأجدر أن تتخذه المؤسسات المختصة؟

- هذا كلام مقصود به الهجوم على البشير وليس شيئا آخر. عرض الأمر على مجلس الوزراء. ناقشه ووافق عليه. إذا كانت هناك مؤسسات أو أشخاص مثل مؤسسات الحزب الحاكم، فلا دخل لنا. اتخذنا القرار كمجلس وزراء.

* القرار قال ببدء التنفيذ فورا، وأنت قلت بمهلة الـ60 يوما.

- لا يوجد تناقض، هناك اتفاقيات تلزمنا، والبترول تتشارك فيه دول وشركات، وليس قفل حنفية (صنبور) ماء. بعد 60 يوما سيتم إيقاف النفط «تماما» إذا لم نتوصل لحل.

* إجراءات وقف الضخ متواصلة أم أجلت بعد مبادرة أمبيكي؟

- «احسبوا معنا الأيام»، ليست مناورة ولا «تهويش»، أخطرنا الجهات المعنية لنصل إلى ما يرضي الجنوب وما يرضي الشمال.

* هل ستحاور الحكومة الحركة الشعبية قطاع الشمال أم لا؟

- لا نعترف بما يسمى قطاع الشمال، ونعترف بمشكلة أمنية في جنوب النيل الأزرق، جنوب كردفان، ومرجعيتها اتفاقية «نيفاشا»، وملتزمون بما أعطته من استحقاقات. فإذا لبسوا «طاقية» تمثيل كل أهل السودان كما يقول «ياسر عرمان»، فلن نجلس معهم. أما «ما يسمى» الجبهة الثورية، فهم أقليات تدعي تمثيل كل السودان وحل مشاكله، فلو توصلنا معها لحلول، فستنشأ جبهة أخرى ضد الاتفاق.. لن نفتح نوافذ للريح.

* لكن قرار مجلس الأمن رقم 2046 لم يقل إطار نيفاشا، بل قال الاتفاق الإطاري بين مالك عقار ونافع علي نافع.

- هذه الاتفاقية رفضت ونحن غير ملزمين بها ولم نوقعها، ملتزمون بما وقعناه في نيفاشا حول استحقاقات المنطقتين «جنوب كردفان، النيل الأزرق» وأبيي. وفي التفاوض أصر «ياسر عرمان» على بند واحد وهو وقف إطلاق النار والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، ما يعني رفض الحوار وتبييت النية لأخذ فترة استجمام وتجميع قوى والاستعداد للحرب، وقبل أن يعود الناس من أديس أبابا هاجموا «أم روابة» و«أبو كرشولا».

* لكنهم قوة حقيقية على الأرض لا يمكن إنكارها.

- هل سنناقش هذه «القوة الحقيقية» على كل مشاكل السودان، ومن يضمن إذا توصلنا لاتفاق معهم ألا ينهض آخرون؟

* حسب رأي البعض، فإن سياسات الحكومة هي السبب.

- لن نقفل أبواب الحوار أمام من يدعو لحل مشكلة السودان، بمن فيهم حاملو السلاح.. لكن أن تأتي فئة صغيرة وتحتكر هذا الحق دون الآخرين، فهذا لن نقبله.

* هل وصلتكم دعوة من الوساطة الأفريقية للعودة للتفاوض؟

- لا، المجتمع الدولي مشغول بحل مشكلة الجنوب.

* هل صارت القوات النظامية طرفا في النزاعات القبلية بدارفور؟

- هذا ادعاء كاذب، لا الجيش ولا الشرطة تتلون بالقبلية، ما يحدث في دارفور جهويات لا علاقة لها السياسية.

* هذا تبسيط لمشكلة دارفور سعادة الوزير.

- ماذا تسمي هجوم قبيلة «بني هلبة» على «القمر»، هجوم «المعاليا» على «الرزيقات»؟ هل هو صراع على السلطة وإسقاط النظام؟

* ما المتغير الذي حل بدارفور؟ القبائل كانت تعيش بسلام منذ مئات السنين، فهل «جنت» هكذا فجأة؟! - سؤالك يدعو للتأمل، ما الذي طرأ حتى «تجن» هذا الجنون؟ هذا سؤال يجب أن يوجه لكل السودانيين.

* تقول مجالس الخرطوم إن صراعا محتدما يدور داخل أروقة الحكومة، برز للسطح في قول مساعد الرئيس د. نافع علي نافع بضعف القوات المسلحة، فردت الأخيرة على لسان المتحدث باسمها: «لو كانت القوات المسلحة ضعيفة لسقطت الحكومة»، ما رأيك؟

- ذهب الناس بحديث نافع إلى غير ما يقصده، فتقوية الجيش وتسليحه وإعادة انتشاره وتحديثه، لا تعني ضعفه، لكن القول إنه بحاجة لتقوية يمكن فهمه هكذا.. إن الجيش السوداني من أقوى الجيوش في المنطقة، فقد غيرت «التمردات» النظام في تشاد ثلاث مرات، وفي أفريقيا الوسطى وأوغندا والكونغو وإثيوبيا، وصمد جيشنا وحده.

* إذن كيف تفسر عدم قبول الجيش تلك التصريحات؟

- نافع ليس صنوا للعقيد الصوارمي (الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة).

* لكن الصوارمي ينطق باسم الجيش؟

- لا خلاف في ذلك، لكن نافع من أكثر الذين يدافعون عن الجيش السوداني.

* يتردد أن الجيش تقدم بمذكرة تطالب بإقالة وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين، ومساعد الرئيس نافع علي نافع، ما مدى صحة ذلك؟

- هذا كذب، أنفيه «جملة وتفصيلا».

* عادة يتم نفي «سيرة مذكرات الجيش»، ويعترف بها لاحقا.

- المذكرة الوحيدة التي بعث بها الجيش السوداني كانت في فبراير (شباط) 1989.. وما حذر منه الجيش، حدث في يونيو (حزيران) من العام ذاته.. الآن ليست هنالك مذكرات داخل الجيش.

* حوكم المتهمون بالمحاولة الانقلابية وأعفي بعضهم، ومنهم قادة الحركة الفعليون.. لماذا يظل مدير جهاز الأمن السابق الفريق صلاح عبد الله «قوش» رهن الاعتقال؟

- ليس إعفاء، تمت المحاكمة ثم العفو وتبرئة البعض. ثم من قال لك إن الفاعل الفعلي حوكم وأفرج عنه، هذا غير سليم، يحدث خلط كبير يعتبر «ود إبراهيم» القائد الحقيقي للانقلاب.

* إذن من هو القائد الحقيقي للانقلاب؟

- هو «صلاح»، ولن نتحدث أكثر لأن الأمر أمام المحكمة وقد وجه له الاتهام.