في قلب الأناضول.. أردوغان يحافظ على شعبيته

مواطنون في قونية يشيدون بإنجازات حكومة حزب العدالة والتنمية

TT

في قلب قونية، هذه المدينة المحافظة بوسط تركيا، حمل حشد من أنصار رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الأعلام وصوره وقد كتب عليها «هذه الأمة تقف معك». وتبدو إسطنبول وشوارع أنقرة التي شهدت احتجاجات مناهضة للحكومة طيلة أسابيع في عالم آخر غير قونية وهي مدينة صناعية في قلب الأناضول، حيث لا يتزعزع على ما يبدو التأييد لرئيس الوزراء التركي.

موجة الاحتجاجات الأخيرة أبرزت التوتر الكامن في المجتمع التركي بين الطبقة المتوسطة العلمانية العصرية ويقطن عدد كبير منها في إسطنبول أو على سواحل البحر المتوسط وبحر إيجة وبين مواطنين أكثر تدينا ومحافظة يشكلون حجر الزاوية في دعم حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية.

وحسب تقرير لوكالة «رويترز»، تجسد قونية التي يقطنها 1.1 مليون نسمة واقتصادها النشط المتسق مع التعاليم الإسلامية رؤية أردوغان الإصلاحية. فلا تقدم سوى قلة من المطاعم الخمور والحجاب منتشر أكثر منه في مدن رئيسة أخرى وحتى السياح الذين يتوافدون على المدينة يزورون ضريح الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي الذي عاش في القرن الثالث عشر بدلا من البحث عن حياة الليل الماجنة.

والمدينة تتطور سريعا وهي واحدة من نمور الأناضول التي تزدهر صناعاتها الصغيرة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية القائم منذ عشرة أعوام وتم توسيع الطرق السريعة في قونية ومد خط سكك حديدية سريع يقطع المسافة إلى أنقرة في أقل من ساعتين.

ولا يوجد هنا أي تعاطف تقريبا مع المتظاهرين في إسطنبول وأزمير وأنقرة وهم أكبر ثلاث مدن في البلاد، حيث نظمت أضخم الاحتجاجات. وقال ياسر بيلين الذي يبيع أجهزة تدفئة مركزية وانتعشت تجارته خلال السنوات العشر الماضية: «لن نعطي أصواتنا إلا لحزب العدالة والتنمية ويشاركني في الرأي ثمانون في المائة من سكان قونية. اذهب واسألهم».

لقد تحسنت أحوال بيلين العصامي المتدين وهو في الستينات من عمره مثل آخرين من أنصار أردوغان.

ويقول وقد علق خلفه صورة له مع أردوغان في شبابه عام 1974: «غيرت سيارتي وانتقلت لمنزل آخر وتغير أسلوب حياتي وغيرت المدارس التي يتعلم فيها أولادي وغيرت ملابسي وحذائي». وتابع: «عمل حزب العدالة والتنمية جاهدا وانتشلنا من المستنقع».

حتى أردوغان نفسه يعجز عن قول مثل هذا الكلام. وبفضل أسلوبه المقنع والمفعم بالحماس وبساطته كسب أردوغان شعبية في هذه المنطقة المحافظة وهيمن على الساحة السياسية في تركيا بشكل لم يسبقه له أي زعيم سوى كمال الدين أتاتورك الذي أسس الجمهورية الحديثة قبل تسعين عاما. وأجرى أردوغان الكثير من الإصلاحات الديمقراطية ونزع مخالب الجيش الذي أطاح بأربع حكومات في أربعة عقود وشرع في محادثات الانضمام للاتحاد الأوروبي وبدء محادثات السلام مع المتمردين الأكراد لإنهاء الحرب الدائرة منذ 30 عاما.

وارتفع دخل الفرد لثلاثة أمثاله من حيث القيمة الاسمية وانتعشت الأعمال وجنت نمور الأناضول معظم الثمار.

وعلى الخريطة الانتخابية يحظى حزب العدالة والتنمية بشعبية في كل تركيا باستثناء ساحل بحر إيجة والركن الشمالي الشرقي الذي تقطنه أغلبية كردية ومنطقة صغيرة في القارة الأوروبية.

لذا يعتبر أردوغان الاحتجاجات إهانة شخصية. لكن حتى في معقل حزب العدالة والتنمية بدأ أسلوبه التحكمي في الزعامة وما يعتبر تدخلا في الحياة الخاصة - مثل إعلانه اللبن الخالي من الكحول مشروبا وطنيا واقتراحه أن تنجب المرأة ثلاث مرات - يثير ضيقا.

وفي الأيام الأولى للاحتجاجات شهدت قونية مظاهرتين أو ثلاثة احتجاجات محدودة ولكن على عكس الاحتجاجات التي شهدتها مدن أخرى تدخلت الشرطة لتفرقة المتظاهرين لحمايتهم من عصابات مسلحة بالعصي.

ويقول سيناسي جيليك (46 سنة) وهو نادل في مدينة نوشهر على بعد نحو 120 كيلومترا شرق قونية: «هل أنا راض كليا عن أردوغان.. بالطبع لا. لا يعجبني أسلوبه (أفعل ما أريد)... فهو يتدخل كثيرا في الأمور الشخصية مثل عدد الأطفال الذين سننجبهم. لكن دعني أقل لك نتيجة الانتخابات هنا لن تتغير لأنه لم تكن هناك طرق أو مستشفيات لائقة من قبل. الأوضاع تغيرت والناس أفضل حالا».

وقال ناجي (77 سنة)، الموظف العام السابق وهو من سكان نوشهر: «يريدون إعادة البلاد لعصور الظلام. أريد أن أسال المحتجين.. لنقل إن أردوغان رحل من سيحل محله. (كمال) كيليجدار أوغلو؟ لا يمكنه أن يدير مبنى واحدا ناهيك بحكم دولة»، في إشارة لزعيم الحزب الجمهوري المعارض.

ولم يجد المتظاهرون في إسطنبول إجابة لنفس السؤال وترجع هيمنة حزب العدالة والتنمية في جزء منها لغياب معارضة قوية وابتعد الحزب الجمهوري الذي ينتمي ليسار الوسط عن الحكم منذ السبعينات وهو يشغل حاليا 134 مقعدا في البرلمان المؤلف من 550 مقعدا. ويرى المتظاهرون في إسطنبول وأنقرة وأزمير أن هذا الوضع يترك لحزب العدالة والتنمية حرية فرض إرادته ويخشى كثيرون أن تكون لديه أجندة إسلامية.

وفي قونية لا يستشعر أحد هذا التهديد، بل يعتبر كثيرون أردوغان من حررهم من الحكم العلماني المتشدد في دولة يقطنها 76 مليون نسمة أغلبيتهم مسلمون. وقال بيلين، نصير أردوغان: «إذا كان هناك تدخل في حياة أي إنسان فإن المسلمين هم من عانوا.. لم يسمح للمحجبات بدخول الجامعة وحرم الملتحون من العمل في مؤسسات الدولة. على الجانب الآخر لا يتحدث أحد مع من ترتدي تنورة قصيرة جدا وحذاء عالي الكعب. من يتحدثون عن القمع يكذبون».