قطر من خاصرة الخليج إلى قلب العالم

عشية الذكرى الـ18 لتولي أميرها السلطة

جانب من العاصمة القطرية الدوحة
TT

عشية الذكرى الـ18 لتسلم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد السلطة في قطر، التي صادفت 27 يونيو (حزيران) 1995، تبدو الإمارة الخليجية أكبر بكثير من مساحتها التي لا تتعدى 11850 كيلومترا مربعا، لتصبح واحدة من أهم اللاعبين على المسرح الإقليمي والدولي، مستفيدة من توظيف قيادتها للثروات الضخمة التي حظيت بها، وللمرونة السياسية التي تمتعت بها. كما أنها حليف استراتيجي للولايات المتحدة وتضم فوق أراضيها قاعدة العيديد الجوية الأميركية.

شهدت قطر منذ استلام الأمير الشيخ حمد بن خليفة للسلطة نهضة واسعة، فقد تحولت البلاد التي لم يكن يزيد دخلها من صادرات النفط عن أكثر من 3 مليارات دولار وتعاني من عجز كبير في ميزانيتها إلى بلد يمتلك واحدا من أكبر الاقتصاديات في المنطقة وتعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، كما تمتلك ذراعا استثماريا في الخارج هو جهاز قطر للاستثمار، الذي تتراوح أصوله بين 100 و200 مليار دولار.

هذه الثروة كرّست قطر لاعبا أساسيا في الساحة العربية والأفريقية والدولية، وخاصة فيما يتعلق بالنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، مستفيدة من علاقتها الوطيدة مع حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، والصراع السياسي في لبنان، الذي أسفر عن توقيع اتفاق الدوحة، والدخول على خط الوساطة للمصالحة في النزاعات في القرن الأفريقي وبين الحكومة السودانية ومعارضيها في دارفور وغيرها.

فقد رعت قطر حوارات بين مختلف الفرقاء السياسيين مثل اتفاق الدوحة 2008 بين الفرقاء اللبنانيين الذي وضع حدا للأزمة السياسية التي استمرت سنة ونصف السنة، كما رعى وثيقة الدوحة لسلام دارفور في 2011 بين الحكومة السودانية ومتمردي الإقليم، وإعلان الدوحة 2012 لإنهاء الانقسام الفلسطيني.

وعرفت السياسة القطرية بقدر كبير من «البراغماتية» فقد مدت الدولة الخليجية علاقتها نحو جارتها إيران أكثر من بقية دول الخليج الأخرى، وفي 24 فبراير (شباط) 2010، وقعت قطر وإيران اتفاقا للتعاون الدفاعي بين البلدين.

كما فتحت مكتبا إسرائيليا في الدوحة. وفي ذات الوقت مضت أكثر من شركائها الخليجيين في احتضان حركة حماس المقاومة لإسرائيل.

لكن الدور القطري المتنامي عربيا شهد زخما كبيرا بعد أحداث الربيع العربي، حيث ألقت الدوحة سواء عبر الذراع الإعلامي لها «قناة الجزيرة» أو عبر سياستها المباشرة بالثقل في دعم الثورات في تونس وليبيا ومصر وعلى نحو ما في دعم المبادرة الخليجية في اليمن، أما في سوريا فقد اعتبرت قطر اللاعب الرئيس في دعم الثورة والعمل لإسقاط نظام بشار الأسد.

وتقع قطر في منتصف الساحل الغربي للخليج العربي. ولديها حدود برية وبحرية مع السعودية وحدود بحرية مع كل من البحرين والإمارات وإيران، وتمتد قطر ذات المناخ الصحراوي الجاف على شبه جزيرة بطول 200 كيلومتر وعرض 100 كيلومتر، ومساحة كلية مقدارها 11.850 ألف كيلومتر مربع متضمنة عددا من الجزر.

ويعود تاريخ قطر الحديث إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي عندما وصلت إلى الجزء الجنوبي من قطر أسرة آل ثاني، التي ترجع أصولها إلى قبيلة المعاضيد (فرع بني تميم) في «أشيقر» بمنطقة الوشم بنجد، وفي منتصف القرن الثامن عشر انتقلت الأسرة إلى الجزء الشمالي من قطر الذي يضم الزبارة والرويس وفويرط.

ويعتبر الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني (1826 - 1913) مؤسس دولة قطر، الذي تسلم مقاليد الحكم عام 1878.

وقبيل تسلم الأمير الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني كانت قطر تعاني من ضائقة مالية، ولا تجاري النمو الذي تشهده مناطق الخليج الأخرى، لكن منذ عام 1995 شهدت الدولة قفزة هائلة في التوسع العمراني وأصبحت تستقطب الأيدي العاملة من مختلف بقاع العالم بسبب التوسع في مشاريع البنية التحتية، وارتفعت الأبراج السكنية في العاصمة، وقفز الناتج الإجمالي للبلاد عدة أضعاف ما كان عليه. كما أن الإمارة التي انكفأت على نفسها قبل تسلم الأمير، أصبحت واحدة من أكثر الدول العربية التي تشهد إقامة المؤتمرات والندوات على مستوى عالمي.

وتشير دراسة «الإسقاطات السكانية» التي أعدها جهاز الإحصاء والأمانة العامة للتخطيط التنموي في قطر، إلى أن النمو السكاني الحالي في الدولة سيظل مرتفعا على المدى المنظور بسبب النهضة التنموية الشاملة التي تشهدها الدولة. وقد توقعت الدراسة أن عدد سكان الدولة سيبلغ ما بين 2,2 و2,8 مليون نسمة عام 2030. كما أن معدلات النمو السكاني التي شهدت ارتفاعات كبيرة خلال الأربعة أعوام الماضية سوف تتراوح ما بين 2 في المائة إلى 4.3 في المائة خلال الفترة من 2010 - 2015 وما بين 1.2 في المائة إلى 3.5 في المائة خلال الفترة من 2015 – 2020.

وانعكس المستوى الاقتصادي لدولة قطر على دخل الفرد، فبحسب تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي في واشنطن، في مارس (آذار) الماضي فقد احتلت قطر المركز الأول، في الدخل الفردي عام 2012.

وخلال العام الماضي تصدرت قطر قائمة الدول في قائمة «فوربس» لأعلى حصة للفرد من إجمالي الناتج المحلي حيث بلغ 88.222 ألف دولار، بسبب الطفرة الاقتصادية التي شهدتها الدوحة نتيجة ارتفاع أسعار النفط والاحتياطيات الضخمة للغاز الطبيعي.

وقطر هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث تحتل المركز الثالث في قائمة أكثر الدول التي تمتلك احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، ويبلغ احتياطي حقول الغاز في شمال قطر نحو (500) تريليون قدم مكعب وهي أكبر حقول للغاز الطبيعي في العالم. ونجحت قطر في عام 2010 في رفع طاقتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال إلى 77 مليون طن سنويا لتصبح بذلك أكبر دولة منتجة للغاز الطبيعي المسال في العالم.

في حين قدّر تقرير قطري في أبريل (نيسان) الماضي قيمة الاستثمارات المباشرة على المنشآت والبنيات المتعلقة بالتحضير لاستضافة نهائيات كأس العالم 2022 تصل إلى 80 مليار دولار تقريبا، بالإضافة إلى مبلغ 20 مليار دولار لتنمية القطاع السياحي في قطر.

وتخطط الحكومة القطرية لإنفاق 130 مليار دولار للإعداد لكأس العالم، منها 35 مليارا لإنشاء شبكة مترو وسكك حديدية، وميناء جديد، وطرق سريعة متعددة الحارات وتسعة ملاعب جديدة، ستكون مكيفة الهواء باستخدام الطاقة الشمسية. وقد نجحت قطر في ديسمبر (كانون الأول) 2010، في الفوز باستضافة كأس العالم 2022 لتكون بذلك أول دولة عربية وإسلامية تنظم المونديال الكروي.