الجيش اللبناني يسيطر على مقر الأسير بعد فراره.. والقضاء يصدر مذكرة بحث بحقه

صيدا عاشت فصولا من الرعب والنزوح وسط أصوات القذائف ورصاص القنص

جنود الجيش اللبناني خلال اتخاذ مواقف دفاعية وراء ناقلة جند مدرعة أثناء اشتباكات مع مسلحين من اتباع الشيخ أحمد الاسير في صيدا أمس (رويترز)
TT

سيطر الجيش اللبناني، أمس، على مجمع إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير ومربعه الأمني في عبرا شرق صيدا، عقب أعنف اشتباكات شهدتها المدينة مع مقاتلين تابعين للأسير الذين واصل بعضهم إطلاق رصاص القنص حتى وقت متأخر من بعد ظهر أمس، مستهدفين عناصر الجيش المنتشرين في المدينة.

وسيطرت وحدات الجيش على عبرا، ودخلت المربع الأمني حيث اعتقلت عددا من المقاتلين، لكنها لم تعثر على الأسير والمغني التائب فضل شاكر، اللذين فرا من مناطق الاشتباكات، فيما قتل شقيق شاكر أحد المسؤولين العسكريين لجماعة الأسير ويدعى أبو عبد شمندور خلال المواجهات. وذكرت الوكالة الوطنية أن الجيش سيطر على المنازل والمراكز التي كان يشغلها وصادر كميات من الأسلحة والعتاد وبزات وأعلاما «لجبهة النصرة». وعرضت تقارير تلفزيونية مشاهد لقيام الجيش اللبناني باعتقال عدد من مقاتلي الأسير بالمربع الأمني في عبرا.

وتحرك القضاء العسكري على خط المعركة، حيث سطّر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر بلاغات بحث وتحر بحق الأسير و123 شخصا بينهم شقيقه وفضل شاكر إضافة إلى باقي أفراد مجموعته الذين يتم البحث عن أسمائهم، طالبا ملاحقتهم وتوقيفهم وسوقهم مخفورين إلى دائرته.

وبينما لم يحدد عدد المعتقلين من المسلحين التابعين للأسير، أعلن الجيش اللبناني صباحا ارتفاع عدد قتلاه إلى 12 قتيلا، بينما ذكرت مواقع إلكترونية مساء أن العدد ارتفع إلى 20 قتيلا ونحو 90 جريحا في صفوف الجيش.

واتسعت رقعة إطلاق النار صباحا، بالأسلحة الرشاشة والصاروخية، لتصل إلى مكتب محافظ الجنوب، حيث أصيب نتيجتها مبنى السراي الحكومي في صيدا، وطاولت منطقة شرحبيل جنوب شرقي صيدا. كما أقدم عناصر الأسير على قطع الطريق على البولفار البحري لمدينة صيدا بالإطارات المشتعلة وعمل الجيش على فتحها.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن الجيش اللبناني نفّذ عملية تمشيط داخل المربع الأمني للأسير عقب سيطرته على عبرا، مشيرة إلى سماع أصوات رشقات نارية متقطعة، في حين خفت أصوات الأسلحة الرشاشة والصاروخية التي استخدمها أنصار الأسير في المعارك في بلدة عبرا، وسط إجراءات أمنية اتخذتها قوى الجيش من تعزيزات وتسيير دوريات مؤللة وراجلة، وملاحقة فلول أنصار الأسير الذين كانوا يحاولون الهروب والفرار من المعركة.

وأعلنت قيادة الجيش أن وحداتها واصلت عملياتها العسكرية في مدينة صيدا ومنطقة عبرا للقضاء على المظاهر المسلحة وتوقيف المعتدين على مراكز الجيش وإعادة فرض الأمن والاستقرار، مشيرة إلى أن «عددا من المسلحين عمدوا إلى القنص على عناصر الجيش باستخدام المراكز الدينية سواتر لهم، بالإضافة إلى اتخاذهم المواطنين الأبرياء دروعا لهم لتفادي المواجهة المباشرة مع قوى الجيش».

وردا على متهمي الجيش اللبناني باستهداف المساجد، في إشارة إلى المعارك التي دارت في محيط مسجد بلال بن رباح الذي يؤم فيه الأسير المصلين، أكدت قيادة الجيش حرصها التام على دور العبادة وحياة المواطنين، داعية «المسلحين الذين قاموا بالاعتداء على مراكز الجيش والمواطنين، وهم معروفون بالنسبة إليها فردا فردا، إلى إلقاء السلاح وتسليم أنفسهم فورا إلى قوى الجيش حرصا على عدم إراقة المزيد من الدماء». وأكدت أن «الجيش ماض في اجتثاث الفتنة من جذورها، ولن تتوقف عملياته العسكرية حتى إعادة الأمن إلى المدينة وجوارها بصورة كاملة وانضواء الجميع تحت سقف القانون والنظام».

وبدت مدينة صيدا أمس، ساحة قتال متواصل، حيث عاش سكانها فصولا من الرعب والخوف، وشهدت أحياؤها نزوحا باتجاه أحياء بعيدة عن مواقع الاشتباكات، هربا من رصاص القنص الذي وصل إلى مداخل صيدا الجنوبية. وحدها آليات الجيش اللبناني تعبر الطريق، وينتشر عناصره في كل الأزقة وعلى الشوارع الرئيسة، وبين الحين والآخر، كانت تصل التعزيزات، مما يبدد في الخوف لبرهة، قبل أن يصل الرصاص من الشرق.

في الصباح، بدت شوارع المدينة خاوية إلا من عناصر الجيش اللبناني. عدد قليل من المواطنين، يسرع خطاه للعبور من شارع إلى آخر. «المدينة مسمومة»، يقول أحدهم لـ«الشرق الأوسط»، لافتا إلى أن التوتر انسحب على جميع الصيداويين. وفي ساحة النجمة، بدت الطرق مقفرة. لا أثر للسكان. هذا الشارع الذي عُرف بحيويته، كان صدى لأصوات القذائف، ومرمى لنيران متقطعة تنطلق من عبرا. يقول ياسر (أحد سكان المدينة) إنه نقل الدفعة الأولى من عائلته إلى مكان آمن جنوب المدينة، وجاء مسرعا لنقل أفراد العائلة الآخرين، قبل أن يوقفه حاجز الجيش، محذرا من أن الرصاص يطال جميع الأحياء. نزح معظم السكان من أحيائهم شرق المدينة في منطقة البوليفار الشرقي وعبرا والهلالية، على الرغم من أن قلة من الأحياء الغربية كانت آمنة.

على المدخل الجنوبي لصيدا، صف طويل من السيارات، يسأل سائقوها عناصر الجيش إذا كانت الطريق آمنة، قبل أن تجيب أصوات القذائف والطلقات النارية على السؤال. الجيش أجرى تفتيشا دقيقا للسيارات العابرة، ودقق بالهويات، لكن حركة المرور بدت شبه معدومة. رصاص القنص أقفل الطريق، وبات الجيش اللبناني، هدفا لرصاص القنص، كما المواطنين. ويؤكد السكان أن عناصر الأسير لجأت خلال الليل إلى مناطق مأهولة بالسكان، واستترت خلف الأبنية والأحياء، حيث كان الجيش اللبناني يلاحقها. وشرعت مخيلة العامة إلى نسخ أخبار كثيرة، منها أن مسلحي الأسير يستخدمون قناصات حديثة تطلق النار عن بعد باستخدام أجهزة كومبيوتر.

فصول الحرب، لم تنحصر بمناطق الاشتباكات. تمددت إلى عين الحلوة، وتعميرها. يتناقل الناس من هناك أنباء عن استهداف الجيش. اشتباكات كثيرة اندلعت في الليل، أسفرت، نهارا، عن مقتل مسلحين استهدفوا المراكز العسكرية، كان أبرزهم ابن شقيق فضل شاكر الذي يتزعم مجموعة مسلحة. وأفادت تقارير إعلامية بأن المواجهات التي دارت في منطقة التعمير بين الجيش ومسلحي «جند الشام» و«فتح الإسلام»، أدت إلى احتراق عدد من المنازل والسيارات وتضرر شبكات المياه والكهرباء، فضلا عن جرح الكثير من المدنيين من أبناء المنطقة.

وعلى تخوم المخيم، وتحديدا في منطقة حارة صيدا التي تسكنها غالبية شيعية مؤيدة لحزب الله وحركة أمل، فينقل السكان أنباء عن انتشار واسع لعناصر الحزبين الشيعيين. انتشار نفذ بعيد سقوط قذائف صاروخية في الحارة، وتعرض أحيائها للقنص.