الفريق المحيط بالرئيس أوباما يفتقد إلى الخبرة.. وأربعة مخاطر كبرى أنتجها الوضع السوري

عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة «جون هوبكنز» ولي نصر لـ «الشرق الأوسط» :

TT

وصف ولي نصر، الأكاديمي وعميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة «جون هوبكنز»، سياسة الرئيس أوباما في الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط بالخاطئة التي تنبع من فهم مغلوط للمنطقة. وانتقد نصر بحدة السياسة الخارجية الأميركية المصممة من قبل الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس أوباما. وقال نصر الذي سبق له العمل كمستشار لريتشارد هولبرك، المبعوث السابق الخاص للرئيس أوباما لأفغانستان وباكستان، إن هذه الدائرة تفتقد إلى الخبرة الكافية، ومهتمة بعناوين وسائل الإعلام. من جهة أخرى، أشار نصر في حواره مع «الشرق الأوسط» إلى المخاطر الكبرى الناتجة عن الوضع السوري المتدهور، محذرا من تداعياته على المنطقة. وهنا مقتطفات من الحوار:

* في كتابك الأخير المعنون بـ«الأمة غير الضرورية.. السياسة الخارجية الأميركية في تراجع» تنتقد السياسة الخارجية للرئيس أوباما التي تسببت في إرباك منطقة الشرق الأوسط. هناك كثيرون يتفقون معك في وجهة نظرك هذه، وبالفعل يشهدون غيابا أميركيا شبه كامل عن المنطقة. ما التداعيات المحتملة لهذا الغياب؟

- في الشرق الأوسط هناك انتقادات صحيحة ومبررة توجه إلى الولايات المتحدة. بالفعل أميركا قامت بممارسات خاطئة في بعض الأوقات. لكن من ناحية أخرى، الولايات المتحدة كانت عاملا مهما لاستقرار المنطقة. من دونها، كنا سنشهد عددا أكبر من الحروب والنزاعات والقلاقل. لذا فإن الانسحاب أو الانفصال من المنطقة يعني تغيرا استراتيجيا كبيرا. ولا أظن بصراحة أن أميركا قادرة على دفع ثمن مثل هذا الانسحاب الذي أعتبره ناتجا عن تصور وفهم مغلوط. هذا الافتراض المغلوط دفع بالكثير من الدول في المنطقة إلى تغيير سياساتها وطريقة تفكيرها. لا تنسَ أن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة مليئة بالأزمات، ليس فقط في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل هناك الصراع الإيراني مع الدول العربية، وكذلك الأزمات المشتعلة في العراق وسوريا. هناك أيضا الصراعات الآيديولوجية وحضور الجماعات الإسلامية. يغيب في المنطقة التجانس الذي نراه في مناطق كثيرة مثل شرق آسيا وأوروبا. أيضا لا يوجد هناك دساتير قوية وفعالة، وتغيب أيضا المؤسسات أو المنظمات السياسية مثلما نجد في أماكن أخرى في العالم. لهذه الأسباب فإن الدور الأميركي هام وضروري للحفاظ على استقرار المنطقة، والانسحاب المفاجئ يخلق حالة كبيرة من الاضطراب التي لم تظهر نتائجه بعد. أعتقد أن إصرار الإدارة الأميركية الحالية على هذا الانسحاب سيثبت دون شك أنه مدمر للمنطقة ككل. ولكن دعني أضِف هذه النقطة الهامة وهي أن المنطقة تعاني بالأساس من مشكلات اقتصادية كبيرة. هناك غياب لأنظمة اقتصادية قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الشبان الباحثين عن الوظيفة. من جهة أخرى، هناك أيضا فشل في التخطيط العائلي مما أفضى إلى زيادة كبيرة في عدد السكان. وضع في الاعتبار أيضا وجود مشكلات كبيرة متعلقة بالثروة المائية. منطقة الشرق الأوسط تعاني من كل هذا، ومن المهم أن يكون للولايات المتحدة حضور داعم ومساعد، ولكنها في نهاية المطاف غير قادرة على تغيير الاقتصاد أو طريقة إدارة الثروات.

* ما رأيك في الوضع السوري المتدهور؟

- الوضع السوري يشكل أربعة مخاطر. الخطر الأول: الدولة منهارة مما سيجعل سوريا بقعة مشجعة لتجار الحرب أو المخدرات أو المنظمات الإرهابية مثلما حدث في أفغانستان، وهذا خطر على الجميع. تعلمنا من تجربة أفغانستان والعراق والصومال أنه في غياب الدولة والأمن تقوم المنظمات الإرهابية أو عصابات المخدرات بالسيطرة على المكان. الخطر الثاني: المأساة الإنسانية. عدد اللاجئين الآن أصبح من الضخامة بحيث بات يهدد استقرار دول مثل الأردن ولبنان. الخطر الثالث: الخطر الطائفي. الوضع السوري ساهم في خلق وتعميق الخطوط الطائفية في المنطقة. كل دولة في المنطقة ترى في الصراع مصدر تهديد لها. الحرب زادت من حدة الخطاب المتطرف في المنطقة. الخطر الرابع هو خطر السمعة. أعني بذلك أنه عندما ترى الدول الأخرى أميركا صامتة ولا تفعل شيئا لوقف الصراع، وتترك المكان مفتوحا لروسيا لدعم الأسد ولتفعل ما تريد، ستفكر أن بإمكانها أيضا التدخل وفعل ما يحلو لها. مؤخرا نشرت مقالا أشرت فيه إلى أن أكبر خطر من الممكن أن ينتج عن الوضع السوري والغياب الأميركي التام هو صعود حلف إيراني روسي في المنطقة. الدور الروسي في سوريا لم يكن ليتحقق لولا الدعم الإيراني. الروس يستطيعون توفير السلاح، ولكن إيران لديها المقاتلون على الأرض والمعرفة بالمنطقة. وبالطبع هذا لن يتوقف عند سوريا، بل سيمتد إلى مناطق أخرى من كازاخستان وأذربيجان وحتى دول الخليج ومناطق أخرى.

* تدهور الوضع السوري وامتناع إدارة أوباما عن دعم القوى المعتدلة، أدى إلى تقوية القوى المتطرفة، ليس فقط في سوريا، ولكن في المنطقة كلها. هذا خطر إضافي أيضا.

- هذا صحيح. في أوقات الحروب والصراعات، يزيد زخم الخطاب المتطرف لأنهم الأقدر على إطلاق النار والقتال. المعتدلون لا يجيدون الحروب. هذه مشكلة كبيرة. سوريا لن تقوم بالإضرار بالمعتدلين على مستوى الثقافة والفكر، ولكنها ستمنح المتطرفين والمجموعات الجهادية الذريعة والقوة الرمزية لفرض آرائهم على عدد أكبر من السكان. كما تعلمنا من أفغانستان، الأفكار تنتقل من مكان إلى آخر، وسنرى ذلك في أماكن أخرى. كما ذكرت سابقا، سوريا تشكل في وضعها الحالي خطرا كبيرا.

* لماذا يبدو الرئيس أوباما غير مهتم بمنطقة الشرق الأوسط؟

- الرئيس أوباما يعتقد شخصيا أن المنطقة ليست بتلك الأهمية التي يعتقدها الكثيرون. هو يريد أن يثبت أن عدم تدخل الولايات المتحدة في المنطقة لن ينتج أية أضرار للولايات المتحدة. قبل شهرين تقريبا قال لمجلة «النيوربيبلك» إنه لن يتدخل في سوريا لأنه ليس بإمكانه التدخل لإيقاف المجازر في الكونغو. هو أراد أن يقول بوضوح إن أهمية سوريا بالنسبة له لا تختلف عن أهمية الكونغو. أنا أعتبر هذا افتراضا خاطئا لأن سوريا ليست الكونغو، والشرق الأوسط ليس وسط أفريقيا. ليست المسألة متعلقة بسوريا فقط، ولكن الرئيس أوباما سعى منذ البداية للانسحاب من المنطقة ككل، ورأى في ذلك استراتيجيته الأساسية. انسحب من أفغانستان ومن ثم العراق، ولا يريد التدخل في سوريا. بالنسبة له القصة غير مهمة إذا كانت جيدة أو سيئة. لم يتدخل في تونس ومصر حيث كانت هناك القصص الجيدة لسقوط بن علي ومبارك. هو لا يريد التدخل مهما كان الحال. عندما زار المنطقة مؤخرا لم يزر أيا من دول الربيع العربي، وكانت تلك إشارة واضحة إلى عدم اهتمامه بالمنطقة بشكل عام.

* في كتابك أشرت إلى أن الإدارة الأميركية الحالية تسعى لخفض أهمية الشرق الأوسط والاتجاه شرقا لمنافسة الصين. في نفس الوقت، الصين زادت من أهمية الشرق الأوسط وزادت من حضورها الاقتصادي الذي نراه واضحا في دول المنطقة. ليس هذا فحسب، فمن الواضح أن دول الشرق الأوسط عمقت من علاقاتها مع الصين. - إذا وجدت هذه الدول غيابا للحضور الأميركي فستسعى بدورها لخلق أصدقاء جدد. هذا أمر طبيعي ومتوقع. مثل هذه التحولات الكبيرة لها نتائج استراتيجية كبيرة أيضا. الصينيون يرون في منطقة الشرق الأوسط مكانا ملائما للاستثمار وإنعاش قوتهم الاقتصادية كقوة ضخمة صاعدة. أيضا يرون في المنطقة المصدر الأساسي للطاقة الذي هم في أمس الحاجة إليه. لا تنسَ أيضا أن استقرار المنطقة هو أيضا استقرار للصين نفسها التي لا تبتعد كثيرا. إذن، الصينيون يرون في المنطقة مصالح استراتيجية في غاية الأهمية، على العكس من رؤية إدارة أوباما. هذا باعتقادي تقويم خاطئ ومضر. ليس من السهل الانسحاب من منطقة حيوية، وفتح المجال لقوى كبرى لتعلب أدوارا اقتصادية وسياسية، وثم تسعى لتحجيمها وإعادة لمكانها.

* ما رأيك في الوضع المصري؟ انتقدت أيضا الدور الأميركي الذي لم يفعل أي شيء لمصر بعد سقوط مبارك وصعود الإخوان المسلمين. القوى المعتدلة تعاني في مصر الآن.

- أنا طفل الثورة الإيرانية. عندما كان الشاه في آخر أيامه والمتظاهرون يطالبون بإسقاطه، المزاج كان هو نفسه الذي رأيناه في ميدان التحرير، كل واحد يريد خروجه في الحال. هذا كان خطأ كبيرا لأن القوى الليبرالية لم تكن بالقوة الكافية التي كان تملكها القوى المحافظة. آية الله رفسنجاني قال مرة يقصد الليبراليين: «هؤلاء الأغبياء، يعتقدون أنهم سينتصرون إذا كان لدينا انتخابات». الإسلاميون كان عددهم أكبر، وعلاقتهم بالطبقات الفقيرة أقوى، في حين تنعدم صلات القوى الليبرالية بالفقراء والمعدمين. القوى الليبرالية تبدو مهمة لدى من هم في الخارج، حيث يستطيعون التحدث بالإنجليزية والفرنسية والتواصل مع الإعلام الغربي، ولكن الواقع على الأرض مختلف. أستطيع أن أرى ذلك المصير في مصر أيضا. في بلد عدد سكانه ثمانين مليون فرد. نعم، الليبراليون أقوياء ولكن ليس بما فيه الكفاية.

كان من الأفضل لو رحل مبارك بشكل أبطأ، مما كان سيعطى الفرصة للأحزاب السياسية الجديدة لتنظم نفسها، وتمنح الوقت للمعارضة للاتفاق على أسس وقواعد معينة يوافق عليها الجميع. كان بإمكان الإدارة الأميركية الدعم والمساعدة الاقتصادية، وليس التدخل في الشأن السياسي الداخلي. هذا لم يحدث، وكما نرى الآن زاد عدد العاطلين عن العمل في مصر، وبدل أن يزدهر الاقتصاد ويحقق نسب نمو، نراقب بحذر الآن ذهابه في الاتجاه المعاكس.

* ماذا عن العراق الذي يعيش هو الآخر ظروفا صعبة؟ كتبت منتقدا الانسحاب الأميركي السريع من العراق.

- أعتقد أن أميركا انسحبت سريعا من العراق. لو تمعنا المثل البوسني لرأينا أن الولايات المتحدة أبقت قوات هناك حتى يترسخ الاتفاق بين القوى على الأرض. أشبه الاتفاق السياسي بالشجرة، كلما طال الوقت غاصت جذورها عميقا في الأرض. قوات أميركية وللناتو ما زالت موجودة هناك. وهناك أيضا جيل جديد ولد واعتاد على هذا الواقع الجديد. لو انسحبت أميركا سريعا فمن المحتمل أن القتال كان سيستعر مجددا. في العراق رأينا مكافحة التمرد ومحاربة المجموعات الإرهابية وعقد الاتفاق السياسي الذي لم يعجب أحدا لكنه كان موجودا. الانسحاب الأميركي السريع قلب المعادلة وخلق فراغا كبيرا. أصبح كل طرف خائفا ومتوجسا من الطرف الآخر. كل طرف غير حريص على تحقيق الاتفاق السياسي لأن لكل طرف حساباته الخاصة، ولهذا نشهد هذا الصدام والتدهور السريع.

* انتقدت الفريق المحيط بالرئيس أوباما المسؤول عن السياسة الخارجية ووصفتهم بأنهم صغار في العمر وغير خبراء ومشغولون بالصراع الداخلي بين الجمهوريين والديمقراطيين، ومهووسون بعناوين وسائل الإعلام.

- من الجيد أن تجمع خليطا من الشخصيات المتخصصة في مختلف الجوانب. هناك شخصيات مختصة بالعمل الحكومي وماهرون في التعامل مع بيروقراطية الدوائر الحكومية. هناك آخرون أيضا مطلعون على العملية الاقتصادية وخبراء في التعاطي معها. ذات الشيء في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. من الضروري أن يعمل بها ليس فقط من لديهم اطلاع على تاريخ المنطقة، لكن أيضا من عمل فيها مثل السفراء والمستشارين. أيضا تريد شخصيات لديها خبرة اكتسبوها من خلال تعاملهم مع أزمات كبيرة مثل ما حدث في كوسوفو أو أفغانستان.

هذا التوازن كان مفقودا في إدارة الرئيس أوباما. على الرغم من أن حكومته تزخر بشخصيات ذات كفاءة، ولكن الدائرة الضيقة المؤثرة المحيطة به ليس لديها خبرة في الشؤون الخارجية، وتنظر إلى العالم من خلال عدسة التنافس الجمهوري الديمقراطي، ومن خلال العناوين الصحافية المثيرة. يريدون أن يظهروا الرئيس بصورة القوي وهو يطلب من مبارك التنحي، وبالفعل يظهره هذا الموقف بصورة الرجل القوي في عيون وسائل الإعلام، ولكن ثم ماذا؟ عليه أن يفكر في كيفية التعامل مع بلد بثمانين مليون فرد، وليس بما تكتبه الصحف في اليوم الثاني.