بوتين يؤكد وجود سنودن في قاعة ترانزيت بموسكو ويرفض تسليمه

واشنطن تطالب بتسلم الشاب المتهم بتسريب معلومات «من دون رغبة في المواجهة» مع روسيا

صحافيون يسألون عضوا في طاقم رحلة لطائرة «إيرفلوت» آتية من موسكو عن وجود سنودن ضمن الركاب في مطار هافانا مساء أول من أمس.. واتضح أنه لم يكن ضمن المسافرين (رويترز)
TT

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس أن الأميركي الهارب إدوارد سنودن لا يزال في قاعة الترانزيت في مطار موسكو وكلما أسرع في اختيار وجهته النهائية كان ذلك أفضل. وصرح بوتين في مؤتمر صحافي في فنلندا أن سنودن «هو مسافر ترانزيت في قاعة الترانزيت، ولا يزال هناك الآن. سنودن شخص حر، وكلما أسرع في اختيار وجهته النهائية كان ذلك أفضل لنا وله». وأضاف بوتين في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره الفنلندي ساولي نينيستي بمدينة توركو الفنلندية أمس أن سنودن لا يزال موجودا بمنطقة الترانزيت في مطار «شيريميتيفو» الدولي بموسكو. وقال: «سنودن وصل بالفعل إلى موسكو. كانت هذه مفاجأة تامة. لكنه بصفته راكب ترانزيت ليس في حاجة إلى تأشيرة دخول ولا لأية وثائق أخرى. إنه بصفته راكب ترانزيت يملك حق شراء بطاقة سفر والانطلاق إلى أي مكان يريده. إنه لا يعبر حدود الدولة، ولذا فإنه ليس في حاجة إلى تأشيرة».

ووصف بوتين الاتهامات الأميركية لبلاده بأنها «هراء». وقال بوتين أيضا إن سنودن لم يخالف أيا من القوانين الروسية حتى يمكن القبض عليه وتسليمه، مؤكدا أن «بلاده لا تنوي تسليم سنودن إلى الولايات المتحدة، لأنه ليست هناك اتفاقية مع واشنطن بهذا الخصوص»، فيما أعرب عن أمله في أن لا يؤثر هذا الحادث على علاقة بلاده مع الولايات المتحدة الأميركية. وأشار إلى أن سنودن يمكن أن يتوجه إلى أي مكان، بوصفه مسافرا يعبر منطقة الترانزيت، ولا يحتاج إلى تأشيرة دخول روسية، لأنه لا يعبر الحدود الروسية». وكشف الرئيس الروسي أن «الأجهزة الخاصة الروسية لم تعمل أبدا مع سنودن، ولا تعمل معه حاليا».

وجاءت تصريحات بوتين بعدما دعا وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس روسيا إلى تسليم سنودن المتهم بتسريب معلومات، مؤكدا أن واشنطن لا تريد «المواجهة». وقال كيري خلال مؤتمر صحافي في جدة إن تسليم المتعاقد السابق مع الحكومة الأميركية الذي يشتبه في وجوده بموسكو مسألة تتعلق بتطبيق القانون. وأضاف: «أدعو بكل بساطة إلى الهدوء والتعقل في وقت لا نريد فيه أن نرفع مستوى المواجهة بالنسبة لأمر أساسي وعادي مثل هذا بكل صراحة». وتابع كيري: «لا نبحث عن مواجهة. لا نعطي أوامر لأحد. نحن بكل بساطة نطلب إجراء عاديا جدا». وأوضح أن الولايات المتحدة سلمت سبعة أشخاص بناء على طلب من روسيا خلال العامين الماضيين «من دون أي ضغينة أو ذريعة». وأقر وزير الخارجية الأميركي بأن نظيره الروسي سيرغي لافروف كان محقا «تقنيا» بحديثه عن عدم وجود معاهدة تسليم مطلوبين بين البلدين، لكننا «نأمل أن لا تعتبر روسيا، الأمة ذات السيادة، أن مصالحها تمكن في الوقوف مع شخص متهم بانتهاك القانون في بلد آخر».

وكان لافروف نفى في وقت سابق أمس وجود أي علاقة بين موسكو وسنودن، مؤكدا أن الشاب «لم يعبر الحدود الروسية». وقال وزير الخارجية الروسي في ختام مباحثاته مع نظيره الجزائري مراد مدلسي في موسكو: «أريد أن أقول إنه لا صلة لنا بسنودن وبعلاقاته بوزارة العدل الأميركية وبتنقلاته حول العالم. إنه اختار مساره بنفسه، وعلمنا به من وسائل الإعلام. لم يعبر سنودن حدود روسيا». وأضاف: «إننا نعتبر أن محاولات إدانة الجانب الروسي بانتهاك القوانين الأميركية والتآمر غير مقبولة ولا سند لها على الإطلاق».

يذكر أن سنودن فر إلى هونغ كونغ بعدما كشف عمليات مراقبة واسعة النطاق تقوم بها الولايات المتحدة، ثم توجه إلى روسيا، في طريقه إلى إحدى دول أميركا اللاتينية، لكنه اختفى في موسكو. وأفيد بأن سنودن قد طلب اللجوء السياسي إلى الإكوادور التي ينوي التوجه إليها ربما عن طريق كوبا أو فنزويلا. وقبل التأكيد الرسمي الروسي حول مكان وجود سنودن، سافر عدد من الصحافيين الروس والأجانب على متن طائرة «إيرفلوت» ظهر أول من أمس على أمل لقاء الشاب الأميركي المطلوب، على متن الطائرة التي كانت متجهة إلى هافانا، لكنهم تأكدوا من عدم وجوده معهم على الرحلة نفسها، وهو ما عاد ليؤكده لهم قائد الطائرة عند وصول الطائرة إلى عاصمة كوبا في وقت مبكر من صباح أمس.

كذلك، اعتبرت الصين أمس أن الاتهامات الأميركية لها بأنها سهلت رحيل سنودن من هونغ كونغ «لا أساس لها» بعدما قالت واشنطن إن بكين عمدت إلى الإفراج عنه. وقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية هوا شونيينغ للصحافيين في بكين: «من غير المعقول أن تطرح الولايات المتحدة تساؤلات حول طريقة معالجة هونغ كونغ لشؤون بشكل يتوافق مع القانون، والاتهامات ضد الحكومة المركزية الصينية لا أساس لها»، مضيفة: «لا يمكن للصين قبول ذلك». وفي واشنطن، اتهم المتحدثان باسم الرئاسة والخارجية جاي كارني وباتريك فنتريل الصين بأنها «تعمدت مساعدة فار من وجه العدالة رغم صدور مذكرة توقيف بحقه» وإلغاء جواز سفر سنودن المتهم بالتجسس.

إلى ذلك، كشف محام في هونغ كونغ أمس بعض التفاصيل المتعلقة بالإقامة السرية لسنودن وخوفه من أن يعتقل لأشهر من دون أجهزة الكومبيوتر المحمولة التي يملكها. وحتى قبل أن تصدر واشنطن مذكرة التوقيف بحقه الجمعة، كان سنودن مقتنعا بأن سلطات هونغ كونغ ستقوم بتوقيفه في نهاية المطاف.

وقال ألبرتو هو، النائب الديمقراطي وأحد ثلاثة من المحامين عن سنودن خلال إقامته في هونغ كونغ، لوكالة الصحافة الفرنسية إن اعتقال موكله كان سيحرمه من أجهزة الكومبيوتر المحمولة التي يملكها «وهو أمر لا يمكن أن يحتمله». وأضاف أن «النقطة الأساسية في هذه القضية كانت معرفة ما إذا كان سيتم إطلاق سراحه بكفالة».

من جهته، روى محاميه أن سنودن الذي توجه إلى هونغ كونغ في 20 مايو (أيار) قادما من هاواي حيث كان يعمل بعقد ثانوي مع وكالة الأمن القومي «وصل بمفرده إلى هونغ كونغ بعدما شعر أنه تم التخلي عنه واتصل بمنظمات للدفاع عن حقوق الإنسان على علاقة بمحامين». وقد أقام عدة أيام في فندق حيث رصدته وسائل الإعلام، فغادره في 10 يونيو (حزيران). وقال المحامي إنه «بدل مكان إقامته مرة أو مرتين» ليلا وبتكتم شديد قبل أن يلجأ إلى أحد مؤيدي قضيته. وتابع ألبرتو هو، أن مجال حياة سنودن في مختلف هذه المخابئ كان «ضيقا» لكنه كان سعيدا «طالما أن جهاز الكومبيوتر معه ليتصل بمن يشاء. وقبل أسبوع أقام مستشاروه القانونيون عشاء في هذه الشقة تناولوا فيه البيتزا والدجاج والبيبسي كولا. وقد فرض سنودن الذي التزم حذرا شديدا، على هؤلاء المحامين أن يضعوا هواتفهم الجوالة في البراد».

وقد أوضح له المحامون عندها أن شرطة هونغ كونغ يمكن أن تعتقله وتضعه قيد التوقيف المؤقت وأن ظروف إقامته قاسية.

وبعد ذلك اتصل وسيط غامض بالشاب الأميركي الذي احتفل ببلوغه الثلاثين من العمر الجمعة الماضي، باسم حكومة هونغ كونغ ليبلغه بأنه قد لا ينجو من إجراءات دراسة طلب التسليم الأميركي، مؤكدا أن السلطات لن تحاول اعتقاله إذا غادر الأراضي قبل ذلك. وبناء على هذه الضمانات وخوفا من فكرة أن يمضي الصيف في السجن في هونغ كونغ، اتخذ سنودن قرارا نهائيا بتغيير المكان. وقال «هو» إن سنودن اتخذ قراره مساء الجمعة. والأحد، رافقه محام آخر يدعى جوناثان مان إلى المطار خوفا من أن يقوم شرطيون أو عناصر في إدارة الهجرة بتنفيذ مذكرة التوقيف الأميركية. لكن سنودن تمكن من الصعود إلى الطائرة. وقال موقع «ويكيليكس» الذي عبر مؤسسه جوليان أسانج عن دعمه للأميركي، إن الإكوادور منحته وثيقة لجوء.