عمرو موسى في «منتدى أصيلة»: لا أستحسن تعبير «الربيع العربي» وأنفر من لفظ «الحراك»

محمود جبريل يدعو إلى التوقف عن وصف «الربيع العربي» بالمؤامرة الغربية

جانب من حديث عمرو موسى في شريط فيديو بعثه لـ«منتدى أصيلة»
TT

قال عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ووزير خارجية مصر الأسبق، إنه لا يستحسن تعبير «الربيع العربي» المنقول أصلا عن تطورات شرق أوروبا، التي جرت في العقود الأخيرة للقرن العشرين، وأضاف موسى «هو ليس بعد ربيعا في عالم العرب»، كما كشف عن نفوره من لفظ «الحراك» وتفضيله لفظ «الحركة»، مشيرا إلى أن ما حدث في العالم العربي ليس مجرد حركة وإنما حركة تغيير ثورية كاملة، فيها حركة مؤكدة من مرحلة إلى أخرى، وفيها تغيير عميق من حال إلى حال، وفيها ثورية وشباب وعنفوان.

وجاءت تصريحات موسى، مساء أول من أمس، عبر شريط فيديو بث في الجلسة الافتتاحية لندوة «فصول الربيع العربي من منظورنا ورؤية الآخر»، وهي ثالث ندوات جامعة ابن عباد المنظمة ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ35.

ولم يتمكن موسى من المجيء إلى أصيلة التي سبق له أن شارك في فعالياتها أيام كان وزيرا لخارجية مصر والأمين العام لجامعة الدول العربية، جراء الأوضاع الحالية التي تعرفها مصر.

وتحدث موسى في خطابه عن عناصر حركة التغيير الثورية التي يراها تشكل مفصلا تاريخيا يفصل بين عصرين، أوجزها في أنها رفض بليغ وحاسم للنظم الأوتوقراطية العربية، وتوجه واضح نحو الديمقراطية التي يأتي عن طريقها الحكام ويذهبون. وقال إنها حركة انتقال من جيل إلى جيل، عدها حركة شاملة عابرة للشعوب العربية، وتبرئ المجتمع العربي من تهمة الجمود واللاتطور أو أنه منقسم، وأن دوله لن تتفق أبدا أو هي غير قادرة على الاتفاق لهشاشتها وتبعيتها لغيرها، إلى آخر الاتهامات المعروفة.

وقال موسى إن بعض تلك الاتهامات صحيحة إذا وضعناها في زاويتها الضيقة، أي الخلافات بين الحكام الأوتوقراطيين. وأضاف أن «هناك عالما عربيا مفعما كله بالرغبة بل بالعزم الأكيد على التغيير، أي تغيير نمط حياته والالتحاق بالقرن الحادي والعشرين»، مضيفا أنها حركة أثبتت صحة ما كان يتحدث به الحكام «الأوتوقراطيون» من أن الخيار يقع بينهم وبين حكم الإخوان المسلمين، يا هذا يا ذاك، وأن سقوطهم يعني بدء الحكم الذي يخلط الدين بالسياسة بكل ما يؤدي إليه ذلك من تداعيات.

وبشأن الوضع في مصر، أبرز موسى أنه إذا كان هناك اتفاق على سيادة مبادئ الشريعة الإسلامية، وعلى احترام شرائع الأديان الأخرى فإن الزاوية الخاصة التي ينظر منها الحكم لا تتيح له إلا رؤية ضيقة لا تتمكن من الإلمام بأبعاد المواقف التي هي أكثر تعقيدا مما كان يظن، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب ائتلافا وتجمعا وطنيا بين كل الفصائل وكل الاتجاهات حتى يتمكن من التعامل معها، مضيفا أن ذلك لا يكفي أهل الثقة من الموظفين للقيام بالمسؤوليات المطلوبة في مرحلة غاية في الدقة، وهي مرحلة وصفها بمرحلة «أن نكون أو لا نكون»، مؤكدا أن المصريين مصممون على إنقاذ بلادهم من الفشل.

من جهته، برر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة «منتدى أصيلة»، ووزير خارجية المغرب الأسبق، العودة إلى ذات القضية في منتدى أصيلة إلى كون جزء كبير من العالم العربي ومناطق أفريقيا، بات يعتقد أن حجم الانتظارات كان أكبر بكثير إذا ما قورن بالإنجازات المحققة، وعبر عن حرصه كي لا تكون التحليلات والمقاربات تدور حول نفسها، وأن تجري النظرة إلى الموضوع وتفريعاته بالتعددية والتنوع لإخصاب الأفكار المتبادلة، وقال بن عيسى إن ندوتنا الراهنة هي محطة ضمن تناول منهجي جديد يتسم بشكل من أشكال «التشاركية المعرفية» يمنع علينا تناول القضايا الكبرى من وجهة نظر منفردة.

وحول المطبات التي وقعت في أحابيلها دول عربية في الغرب والشرق، قال بن عيسى إن المغرب تجاوزها بفضل حكمة وتبصر الملك محمد السادس الذي أدرك نبض الشعب وما يعتمل في أعماق المجتمع والأجيال الشابة من توق إلى إصلاحه وتمنيعه بجرعات من مصل التغيير، مشيرا إلى أن العاهل المغربي فاجأ المغاربة والعالم بما أعلنه بشجاعة وثقة في النفس وفي شعبه من إجراءات، وصفها بن عيسى بـ«الثورية وغير المسبوقة في سجل التاريخ العربي».

وذكرت سامية يابا نيكروما، وهي زعيمة قومية ثورية من غانا، أن أفريقيا السوداء ما بعد الصحراء لم تخضع حتى اليوم لموجة العصيان أو الموجة الثورية التي مرت بالعالم العربي، بيد أنها لم تستبعد وجود بعض الشروط التي أدت إلى حدوث هذه الثورات، وقالت نيكروما إن «الظروف التي دفعت إلى الربيع العربي متوفرة أيضا في غانا, مشيرة إلى معاناة من عجز الدولة عن تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب. وأضافت: «كلنا نساءل وكلنا معرضون لخطر العصيان الشعبي».

وأفادت نيكروما أن أفريقيا السوداء تنظر بكل اهتمام إلى شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مشيرة إلى أنها ترنو إلى وحدة أفريقية. وشددت على القول إن على أفريقيا أن تتقدم كتلة واحدة، وأن تجمع على تحقيق الاقتصاد والتعليم وتنظيم كل القطاعات.

من جهة أخرى، اعتبر جيم غاما، رئيس التجمع الجمهوري سابقا، ووزير خارجية البرتغال الأسبق، أن مواسم الربيع العربي كانت حراكات مضادة للأنظمة السلطوية، وأنه كان على الشعب المطالبة بالمزيد من المشاركة والانخراط في الحياة بجميع ميادينها بطريقة انتخابية تعبر عن الرغبة في المشاركة في الحياة الجماعية والوطنية والسياسية، وقال غاما إن «شعار هذه اللحظة هو المشاركة وهذا إعمال للفكر والتحليل والفهم»، مشيرا إلى أن هذه العمليات شهدت إما إصلاحات مسبقة وإما صراعات حظيت بدعم من الخارج وإما الاستمرار في أوضاع مأساوية كتلك التي تشهدها سوريا.

ويرى غاما أنه بعد مرور سنتين من الحراك، هناك قوة سياسية وفاعلون سياسيون جدد لكن الاستقرار لا يزال بعيدا، مشيرا إلى أن هناك مشاكل وعراقيل دولية تزيد العملية تعقيدا ولا تسهل الوصول إلى حلول مستقرة.

من جهته، قال محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي السابق للمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، إن ظاهرة ما اصطلح على تسميته «الربيع العربي» ما زالت في التشكل، وبالتالي سيكون من التسرع الحكم عليها. وأضاف أن الحكم على ظاهرة الربيع العربي يقتضي وضعها في إطار استحقاق الزمن واستحقاق المكان، موضحا أنها مرحلة فاصلة إما سيجري عبورها في حالة استقرار دول الربيع العربي، وتلمسها للمسار الصحيح، وإما ترتد إلى الوراء إلى مئات السنين.

ونفى جبريل ما ذهبت إليه أصوات كثيرة باتهامها للربيع العربي بأنه مؤامرة غربية، موضحا أن أميركا حاولت معرفة هؤلاء، وأن بريطانيا أنزلت مظليين في الأسبوع الأول للثورة الليبية في محاولة لتجميع بعض المعلومات، وقال إن «هذه ليست سلوكيات دول خططت وتآمرت لتنفذ ربيعا عربيا». ويرى جبريل أن الشارع العربي والشباب العربي قادر اليوم على خلق الثورة وتغيير أفضل، داعيا إلى التوقف عن وصف الربيع العربي بأنه مؤامرة، مشيرا إلى أن أطرافا كثيرة تريد أن تستغل هذه الحالة لمصلحتها سواء الدول العربية أو الغربية، وتحاول أن تستغل الفراغ الأمني والسياسي لتحقيق أهداف لمصلحتها. وخلص إلى القول إن «الديمقراطية ثقافة لن تترسخ ولن تستمر إلا بتغيير مؤسسات التنشئة الاجتماعية في الوطن العربي».