وزير العدل البحريني لـ «الشرق الأوسط»: «الإصلاح» اختار إرساء مشروع ديمقراطي يحتضن الجميع

الشيخ خالد بن علي آل خليفة يؤكد أن التعددية المجتمعية واقع يثري البحرين وهو مصدر قوتها وغناها

وزير العدل البحريني الشيخ خالد بن علي آل خليفة
TT

قال الشيخ خالد بن علي آل خليفة، وزير العدل البحريني، إن المشروع الإصلاحي في البحرين اختار إرساء مشروع ديمقراطي يحتضن الجميع لوضع أسس الإصلاح والديمقراطية والمشاركة على أساس بناء التوازنات في مجتمع متنوع التكوين، لا تستقيم فيه الأمور إلا في سياق التوافق الوطني بين الأطراف الاجتماعية ـ السياسية.

والشيخ خالد بن علي آل خليفة، وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بمملكة البحرين، هو أحد الوزراء الممثلين لحكومة مملكة البحرين في حوار التوافق الوطني في جولته الثانية، وهو المكلف برفع مخرجات هذا الحوار إلى الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، وقد التقته «الشرق الأوسط» في مكتبه بالمنامة، استكمالا لما بدأته الخميس الماضي مع وزير التربية والتعليم البحريني الدكتور ماجد النعيمي، في ما يتعلق بالحوار الوطني الذي خرج في إجازة بدءا من الخميس الموافق 26 يونيو (حزيران) 2013، ولمدة شهرين كاملين، بمناسبة شهر رمضان، على أن يعاود هذا الحوار جلساته في نهاية شهر أغسطس (آب) 2013. وأجرت الصحيفة معه حوارا إليكم نصه..

* يصنف البعض مملكة البحرين ضمن البلدان العربية التي تشهد استمرار الاحتجاجات السياسية، خاصة في ضوء مطالبات الجمعيات المعارضة بما تسميه «ديمقراطية حقيقية».. فما ردكم على هذا النوع من المطالبات.. وهل ما شهدته البحرين قبل نحو 12 سنة من إصلاحات سياسية ودستورية لا يعتبر ديمقراطية؟

- التطور الديمقراطي بالأساس عملية داخلية يتم إنجازها عبر صيرورة تاريخية يتم خلالها إرساء قيم الديمقراطية وخلق مؤسسات فاعلة ورأي عام جمعي، ولا يمكن أن تكون في شكل قفزات في الهواء، وهذا التطور لا يمكن أن يتم إلا بعد تحقق عدد من الأسس التي لا تقوم الديمقراطية بدونها، من ضمنها وجود ثقافة ديمقراطية وفكر سياسي ديمقراطي، بما في ذلك إرساء مبادئ التعددية في الفكر والتنظيم، والتخلي عن الآيديولوجيا الانقلابية، والاهتمام ببناء دولة المواطنة والرفاه والاستقرار الاقتصادي.

والمشكلة أن البعض قد انحرف بالعمل السياسي وقام بتبني مفاهيم تثويرية تخالف مفهوم التطوير والعمل المشترك، وغالبا ما تقوم هذه المفاهيم على فكر أحادي مبني على الإقصاء، مما يؤدي حتما إلى الدخول في نفق التقسيم والانشقاقات وبالتالي عدم الاستقرار. ومن المسلم به أن لكل دولة تجربتها الخاصة، كما أنه من المفترض أن يكون لكل بلد عربي تجربته الخاصة أيضا، لكن هذه الخصوصية لا يجب أن تؤدي إلى إلغاء الفكرة الديمقراطية أو تشويهها، أو الحد مما هو جوهري فيها، وهو الحريات العامة والخاصة والمشاركة السياسية والمواطنة المتساوية ودولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان، المهم أن يبقى لكل مجتمع طريقه الخاص في التطور بالشكل الذي يناسب ظروفه واحتياجاته ويحفظ توازناته.

وفي الحالة البحرينية جاء المشروع الإصلاحي لجلالة الملك في عام 2001 في إطار حركة عميقة الجذور، لوضع أسس الإصلاح والديمقراطية والمشاركة على أساس بناء التوازنات في مجتمع متنوع التكوين، لا تستقيم فيه الأمور إلا في سياق التوافق الوطني بين الأطراف الاجتماعية–السياسية، بما يحقق القدر المشترك من الأولويات ضمن أجندة وطنية توافقية، كما تقوم على التدرج في بناء هذه التجربة، بما يضمن عدم تحول التجربة الديمقراطية الوليدة إلى حالة من الفوضى أو الإقصاء. فالتعددية السياسية عاودت انطلاقتها الحقيقية مع مطلع المشروع الإصلاحي الذي اعتمدها كتأكيد على جدارة الشعب بحياة سياسية ديمقراطية تعتمد تعددية الجمعيات السياسية والتنظيمات الشعبية، كما أحاط ممارستها في الوقت ذاته بجملة من الضوابط والقواعد التي من شأنها أن تحفظها وتضمن لها أسباب النجاح والتواصل، إلا أن التحدي الذي واجه هذا التحول هو كيفية ضمان أن تكون التعددية السياسية المكرسة حزبيا حصنا منيعا يحول دون توظيفها للإساءة لحقوق وحريات الأفراد والتعدي على الدولة ومحاولة تقويض المنجزات التي تحققت أو للإساءة للوحدة الوطنية وثوابتها، حيث كان واضحا في فترة الأحداث المؤسفة أن البعض قد استغل التعددية السياسية وجعلها مدخلا ومطية لتقويض أركان الديمقراطية وأسس الدولة والإطاحة بركائز المجتمع، بل الأخطر من ذلك هو انزلاق البعض في متاهة تكريس الطائفية.. ولذلك كانت الدعوة إلى الحوار قائمة منذ اليوم الأول للأحداث وإلى يومنا هذا، في ضوء ثوابت ميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه شعب البحرين في 14 فبراير 2001، بما يقارب الإجماع، وبالفعل تعددت دعوات الحوار من خلال مبادرة صاحب السمو الملكي ولي العهد، ثم حوار التوافق الوطني في 2011، والآن ومنذ فبراير (شباط) 2013 نستكمل حوار التوافق الوطني لخلق مزيد من التوافق في مجال التطوير السياسي.

* تابعنا الجدل الدائر على مدار الأشهر الأربعة الماضية بين المتحاورين البحرينيين على طاولة الحوار الوطني، فلمسنا أن الحوار كأنما يدور في حلقة مفرغة، في الهوامش دون الدخول في صلب الموضوع وهو الإصلاح السياسي، خاصة في ظل إصرار الجمعيات المعارضة على وضع بعض الشروط الإجرائية قبل الدخول في القضايا السياسية، وإصرار جمعيات الائتلاف وممثلي السلطة التشريعية وممثلي الحكومة على تجاوز تلك المسائل المرتبطة بتمثيل الحكم والتمثيل المتكافئ والاستفتاء وغيرها من الجوانب، مما أظهر وكأن المعارضة في واد والأطراف الثلاثة الأخرى في واد آخر..

- الحقيقة أن هذا الاختلاف الذي أشرت إليه يعكس تعددا في وجهات النظر، والذي يعكس بدوره اختلافا في الرؤى والأفكار والمدارس السياسية التي تنتمي إليها كل جمعية سياسية، وهو أمر طبيعي في العرف السياسي، ولذلك فالصورة الموجودة على طاولة الحوار بتفاعلاتها وتجاذباتها السياسية والفكرية، تعكس صورة المجتمع السياسي في البحرين، بتنوعه الفكري والسياسي، ولكن بالتأكيد أن هذا الاختلاف ليس قطعيا وكاملا، فهناك دائما تقاطعات في العديد من الجوانب، خاصة في ما يتعلق بالثوابت الجامعة للمواطنين، هذا بالإضافة إلى ما يمتلكه البحرينيون من تاريخ طويل من التعايش والتوافق والتسامح، وهذه المقومات جميعها تدفع تدريجيا نحو تذليل الصعوبات والاختلافات، وأنا على قناعة تامة بأن الحوار سوف يصل في نهاية المطاف إلى التوافقات التي ترضي الجميع، وتحافظ على التوازنات في الدولة والمجتمع، حيث لا يخفى أن ميزة المجتمع البحريني أنه متنوع في تكوينه الاجتماعي والسياسي والطائفي والثقافي، بما يجعل سيطرة طرف على طرف آخر أمرا متعذرا عمليا، بل قدر الجميع هو التعايش والتوافق.

والملاحظة الثانية تتعلق بادعاء بعض الأطراف أنهم يمثلون الشعب (والإرادة الشعبية، والإرادة الجماهيرية..)، وذلك لتبرير إصرارهم على فرض أجندة سياسية محددة يتوجب الاستجابة الفورية والكاملة لها، خصوصا في مجال إدارة الدولة ونظام الحكم، وهذا أمر غير مقبول، خصوصا أن شعب البحرين قد سبق له أن حسم رأيه في القضايا الجوهرية عبر ميثاق العمل الوطني، ولذلك فالواقع على طاولة الحوار كما في المجتمع، أننا مجتمع متنوع، أن هنالك آراء متعددة ومختلفة، ودورنا كممثلي الحكومة أن ندفع لمزيد من التوافق، مع المحافظة بطبيعة الحال على الثوابت الجامعة التي لا يمكن وضعها محل تساؤل ومزايدة أو تهاون بأي شكل من الأشكال.

* ما هو السبيل إلى إخراج هذا الحوار من المأزق؟

- شخصيا لا أتفق مع القول بوجود مأزق في الحوار، هنالك صعوبات يمكن تذليلها تدريجيا بالحوار، وتجارب الأمم والشعوب في العصر الحديث تؤكد ذلك، وعلينا الصبر والمثابرة، علما بأننا خلال الأشهر الماضية حققنا بعض التقدم في العديد من النقاط التي توافقنا عليها، مثل آلية إدارة الجلسات، وأن مخرجات الحوار تكون اتفاقا نهائيا، كذلك تم وضع مشروع جدول الأعمال وكذلك آليات تنفيذ المخرجات المتوافق عليها.

* اطلعنا مؤخرا على ورقة للجمعيات المعارضة منشورة على الفضاء الإلكتروني حول ما تسميه «التمثيل المتكافئ»، وضرورة تغيير معادلة التمثيل السياسي على طاولة الحوار، باستبدال ممثلي السلطة التشريعية بما يسمونه بمستقلين حقيقيين، فكيف تنظرون لهذا الموضوع، وكيف تتعاملون معه؟

- يثير هذا الطرح مسألتين مهمتين: أولا.. أنه لا يعقل بعد 4 أشهر من انطلاق الحوار والجلسات والمناقشات المطولة أن يأتي طرف من أطراف الحوار لفرض تغيير تركيبة طاولة الحوار، من دون أي مبرر قانوني أو سياسي مقنع، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول الغاية من هذا الطرح الذي يبدو في تقديري عاملا معرقلا للتوافق ومؤخرا للتقدم نحو الأهداف من هذا الحوار. وثانيا.. أن القبول بمثل هذا الطرح الإقصائي لأحد أهم مكونات الحوار الوطني وهم ممثلو السلطة التشريعية من المستقلين، بما لهذه السلطة من أهمية ومن دور حيوي في الحاضر والمستقبل في تسهيل عملية التوافق وإثراء الحوار، سوف يعني في النهاية إهانة للمؤسسة التشريعية وللأشخاص الذين يمثلونها ولدورها في الحياة السياسية البحرينية، لا سيما أن ممثلي البرلمان على سبيل المثال هم أشخاص منتخبون، وشرعيتهم فوق أي شبهات، فالبرلمان الحالي يمثل 52 في المائة من مجموع المواطنين الذين يحق لهم التصويت، وعليه فمن الواضح أن مثل هذا الطرح بهذه الصورة الإقصائية لا يخدم التوافق الوطني.

* قرأنا مؤخرا بعض التحليلات التي تحاول إجراء مقارنة بين تجربة الحوار في اليمن وتجربة الحوار في البحرين، فهل ترون أن مثل هذه المقارنة صحيحة.. وهل بالفعل أن الحالة البحرينية تشبه في توصيفها وتشخيصها الحالة اليمنية؟

- جاء الحديث عن التجربة اليمنية قياسا عند الحديث عن المستقلين الحقيقيين كمطلب في الورقة المقدمة من الجمعيات المعارضة، كمحاولة لمحاكاة التجربة اليمينية، وهو قياس غير سليم وغير مقبول وغير منطقي، إذ لا قياس بين غير متشابهين، فتجربة الحوار في اليمن لها خصوصيتها من حيث اختلاف وضع المجتمع ونوعية المشكلة، فالمسألة في البحرين ترتبط ببعض أطراف الحراك السياسي الذين يريدون فرض حل مسقط على الدولة والمجتمع، بالضغط أحيانا والابتزاز في احيان أخرى، واستدعاء العامل الخارجي في بعض الأحيان، ولذلك نحن نعتقد أن الحوار في البحرين هو وسيلة لتجاوز حالة الاستقطاب بخلق مزيد من التوافق السياسي وإيجاد أفضل السبل لتطوير عملية الإصلاح السياسي التي بدأتها الدولة قبل أكثر من 12 عاما.. وعليه لا يمكن الحذو حذو التجربة اليمنية المختلفة شكلا ومضمونا عن التجربة البحرينية، فالحوار في البحرين هو حوار الأخوة في الوطن الواحد بعيدا عن تأثيرات المعادلات الإقليمية والدولية.

* ما هو طموحكم كمتحاورين في النهاية من وراء هذا الحوار؟ وما هي تطلعاتكم وتوقعاتكم لمخرجات هذا الحوار في نهاية المطاف؟

- طموحنا الرئيس كمواطنين بحرينيين هو التوافق الوطني الذي يحمي كيان الدولة وشرعيتها، واستقرارها ونماء شعبها ووحدتها الوطنية، هذا بغض النظر عن التفاصيل والحيثيات والمفاهيم والآليات التي تترجم ذلك، وأعتقد أن هذا هو طموح أغلب المواطنين الذي ينشدون الاستقرار والأمن والسلام والتعايش والازدهار لهم ولأبنائهم. وأنا شخصيا سأظل متفائلا بأننا سوف نصل في النهاية إلى حل متوافق عليه، لأننا شعب واحد وفي مركب واحد، وليس لنا من بد من التوافق، وهذا سوف يتطلب المزيد من الحكمة والعقلانية والوصول إلى حلول وسط في ما يتم الاختلاف بشأنه سياسيا.

* على صعيد تطوير منظومة العدالة في مملكة البحرين في ضوء الإصلاحات الجارية بعد الجولة الأولى من حوار التوافق الوطني الذي جرى في عام 2011، وفي ضوء توصيات لجنة البروفيسور بسيوني ما هي أبرز أوجه التطوير الحاصلة في هذا الجانب؟

- بالنسبة لاستقرار السلطة القضائية في البحرين نبحث تطوير الأداء من حيث الجانب الإداري عبر استحداث نظام إدارة الدعوى للإسراع في البت في القضايا. كما نعمل على توفير بدائل جديدة لفض النزاعات مثل التحكيم والوساطة.

ومن الأشياء المهمة التي تقوم بها الوزارة أيضا هي متابعة التدريب القضائي بتطبيقات حرية التعبير وحرية التجمع, ومبادئ المحاكمة العادلة وتطوير قواعد التفتيش القضائي على المؤسسات القضائية وأماكن الاحتجاز.. والمهم أن يكون هناك نقل لمفهوم العدالة الناجزة إلى الرأي العام وتعزيز دور المجلس الأعلى للقضاء.