أصوات في «منتدى أصيلة» تدعو إلى التوافق السلمي لتجاوز اختبار «الربيع العربي»

أجمعت على أن ثوراته ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ العرب الحديث.. فاجأت الجميع

حسن ويراجودا مستشار الرئيس الإندونيسي ووزير الخارجية الأسبق في حديث مع جيم غاما وزير خارجية البرتغال الأسبق ولويس أمادو وزير خارجية البرتغال السابق خلال فعاليات منتدى أصيلة أمس (تصوير: أسامة محمد)
TT

أجمع كثير من المشاركين في ندوة «فصول الربيع العربي من منظورنا ورؤية الآخر» المنظمة ضمن فعاليات منتدى أصيلة الثقافي الدولي الـ35، على أن ظاهرة «الربيع العربي» تبقى ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ العرب الحديث، وأن الربيع العربي فاجأهم وفاجأ غيرهم من الشعوب، ودعا المشاركون الذين كانوا يتحدثون، مساء أول من أمس، في مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية في أصيلة، إلى ضرورة التوافق السلمي لتجاوز اختبار الربيع العربي.

يذكر أن المشاركين ناقشوا طيلة يومين أربعة محاور، هي: «الحراك وإشكالية الديمقراطية»، و«تعاطي القيادات مع الحراك العربي»، و«الحراك العربي والتجاذبات الدولية»، و«الحراك العربي.. المآل والبدائل».

وأشارت أمينة بوعياش نائبة رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في المغرب، ورئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان سابقا، إلى أن الدول التي عرفت «الربيع لعربي» شهدت تفاوتا في التعامل مع هذا الحراك من طرف الرؤساء والقادة، فمنها من فرض نمطا معينا في حين كانت بعض الدول مغلقة، وأوضحت بوعياش ذلك عبر ذكر مجموعة من النماذج. وارتبط النموذج الأول بالتفاوض العلني الذي ظهر في تونس وليبيا ومصر، ذلك أنه على الرغم من تهديد قادة هذه الدول باستعمال العنف، فإنهم حافظوا على التفاوض، ويكمن النموذج الثاني في التفاعل، وقرار متابعة الإصلاحات، مثلما حدث في المغرب الذي سعى إلى التدرج في كثير من المبادرات الإصلاحية، كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. أما النموذج الثالث، فيكمن في التفاوض الإقليمي والدولي من أجل المغادرة مثلما وقع في اليمن، أما الرابع، فهو نموذج الجرائم ضد الإنسانية، مثلما يحدث في سوريا أمام انعدام قدرة المنتظم الدولي على التدخل.

واعتبرت بهية جواد الجشي النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى في البحرين، أن الحركة الإصلاحية التي شهدتها البحرين، وشاركت فيها جميع فئات الشعب انحرفت فيما بعد لتصبح حركة طائفية تطعن في شرعية النظام، مشيرة إلى الدور الإيراني في المنطقة، وقالت إن السلطة شكلت لجنة دولية لتقصي الحقائق كمبادرة للتجاوب مع مطالب الشعب. وقالت الجشي: «هناك فهم خاطئ للدور الإيراني في المنطقة، فهي لا تسعى إلى حماية شيعة سوريا، وإنما لإحياء إمبراطورية فارسية».

ودعا السياسي المغربي والسفير السابق لدى سوريا محمد الاخصاصي، الفاعلين السياسيين والمثقفين والحقوقيين، إلى قراءة متأنية في ظاهرة الاحتجاجات، واستشراف مستقبلها، معتبرا أن الربيع العربي كان منعطفا حاسما في الحرية والعدالة.

وتحدث الاخصاصي عن ثلاثة محاور، أبرز في المحور الأول محددات السياق السياسي للانتفاضة، وهي ديناميات ركزها في الانتفاضة العربية ضد الفساد والاستبداد، وفكرة التغيير ومآله التي انتهت إلى استقطابات بعيدة عن الديمقراطية، وحضور التدخل الخارجي الغربي وتأثيره، وحاول في المحور الثاني تحليل الاستثناء في انتفاضات الربيع العربي، واتخذ المغرب والأردن نموذجا، وارتبط المحور الثالث بالتحديات الخطيرة التي تهدد مسار الربيع العربي في استقطاب حاصل بين تيار حداثي علماني وآخر إسلامي.

ومن جهته، قال توفيق بوعشرين مدير النشر ورئيس تحرير جريدة «أخبار اليوم» المغربية، أن هناك خطاطة تظهر ثلاثة نماذج تأثرت بالحراك؛ نموذج لأنظمة سقطت برياح الربيع العربي، ونموذج لأنظمة فيها بركان نائم ومطالب لكنها لم تتفاعل لأسباب عدة (كالجزائر والسودان)، ونموذج ثالث لبلدان أخرى كالمغرب والأردن، موضحا أن هذا النموذج يطرح خيارين؛ خيار الإصلاح من الداخل وهو خيار ليس سحريا وفيه ضمانات الاستقرار لكن فيه كذلك مخاطر الجمود وعدم النجاح، أو خيار الهدم وهو خيار ليس سهلا وفيه مخاطر زعزعة الاستقرار لكن فيه فرص بناء نموذج ثانٍ.

وبدوره، قال عبد الرحيم شلقم وزير خارجية ليبيا الأسبق، إن العقيد معمر القذافي منذ سنة 2005 لم يعد يركز على حكمه بقدر ما امتد لأبنائه، معطيا مثالا على ذلك بأن ابنه هانيبال سافر بطائرة خاصة من نوع «إيرباص» من أجل أن يحضر كلب زوجته اللبنانية إلى طرابلس. وقال شلقم: «إن السلطة عند هؤلاء لم تصبح عباءتهم، بل جلدهم، وكأنهم يقولون لنا: الصدارة دون العالمين أو القبر»، موضحا أن كل نظام ديكتاتوري ينتهي إلى كارثة دموية، وأن نظام القذافي لم يترك نظاما بل فوضى منظمة، مشيرا إلى اللجان الشعبية.

أما محمد تاج الدين الحسيني أستاذ القانون الدولي ونائب رئيس مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات (المغرب)، فقال: «وقع نوع من التواطؤ بين التكنولوجيا الحديثة والشباب أفرز حراكا سمي بالربيع العربي»، مشيرا أنه لا أحد توقع أن يصبح بهذه القوة أو البشاعة أو الظروف الخطيرة، داعيا إلى ضرورة إدراك ماهية ما جرى، موضحا أن استشراف الظاهرة الاجتماعية من أصعب المهمات على الباحثين.

واعتبر الحسيني أنه من واجب كل شخص رصد سيناريوهات المستقبل، وأن ذلك يتطلب حسن وصف الحاضر، وتوقف على عنصر النتائج التي يمكن التنبؤ بها مستقبلا، موضحا أنها قد تؤدي إلى عدم تفشي الاستقرار ليس فقط على المستوى السياسي حيث تفقد الدولة هيمنتها ولا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. ولاحظ الحسيني أن الحراك أفرز ظهور تيارات يمكن تسميتها بالثورة المضادة (الفلول)، محذرا من ظاهرة أكثر خطورة تتجلى في «آليات التحطيم المتبادل المضمون»، وهو ما يجري في سوريا.

ووصف فهد العربي الحارثي، رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام (السعودية)، أن شمس الربيع العربي عندما أشرقت في سوريا بدت كالحة ومكتئبة ولم تعد بذلك الوهج الذي ظهر في تونس ومصر وليبيا، مؤكدا أنه لم يكن متوقعا أن يقفز الإسلاميون من الرصيف المقابل إلى القطار المنطلق ليحتلوا المقاعد الأمامية فيه.

وقال الحارثي متعجبا: «لقد تولوا مقود القيادة بشرعية واقتدار في كل الأقطار التي زارها الربيع، وربما ظهروا أخيرا أكثر براغماتية»، مشيرا إلى أنهم مهتمون بصداقتهم مع أميركا والغرب.

من جهته، قال الكاتب والشاعر محيي الدين اللاذقاني إنه لم يجرِ تشويه أي ثورة في التاريخ بالطريقة التي شوهت بها الثورة السورية التي اتهمت بالتطرف قبل أن يدخلها المتطرفون، وأوضح أن وتيرة التشويه ظلت تتصاعد إلى أن أصبح السوريون، على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الداعم للسفاح السوري، أكلة لحوم بشر، مضيفا أنها تهمة رددها أكثر من مرة في مؤتمرات صحافية عالمية، كما رددها أثناء قمة الثماني الأخيرة في آيرلندا الشمالية.

ووصفت بديعة الراضي عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي المغربي، أن الحراك بأبعاده وفصوله وتجلياته المختلفة لم يبلور بعد جانبا من الأسئلة الموضوعية كما هي مطروحة اليوم على المجتمعات العربية، سواء تلك المرتبطة بإشكالية الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة المدنية، أو تلك التي لها علاقة بالبدائل والتحديات السياسية والآفاق المنتظرة من الحراك. وتساءلت الراضي عن طبيعة ما وقع في البلدان العربية هل حراك أو ثورة أو انفجار؟ وهل تحققت العدالة والكرامة والحرية التي رفعها الشارع أم أننا تراجعنا من حيث لا ندري؟ وكيف وصل الإسلاميون للحكم في غياب مشروع مجتمعي يساهم في بناء الدولة لمؤسساتية الحديثة؟

وفي الشأن المغربي، اعتبرت الراضي أن المغرب سجل نكسة بكل وضوح آتية من ردود التوجهات الرجعية المحافظة على الحراك المجتمعي والثورات الهادئة، التي ليست وليدة اليوم، وإنما وليدة مسار موشوم بالمعتقلات والسجون والاختفاء القسري.

ومن جهته، نفى عبد العالي حامي الدين عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المغربي، أن تكون لحزبه أي علاقة بالإخوان المسلمين، وقال: «لدينا فروق جوهرية بيننا وبين حركة الإخوان المسلمين»، مشيرا أنهم قرأوا كثيرا من الكتب والمراجع، لكنهم تجاوزا ذلك نظرا لطبيعة البيئة التي يعيشون فيها بالمغرب. وأكد حامي الدين أنه لا أحد يمكن أن يدعي أنه هو من حرك الشارع أو كان وراءه، موضحا أن حركة «20 فبراير» الشبابية الاحتجاجية هي حركة عفوية نبتت عن طريق الشارع، وبمبادرة مجموعة من الشباب من مختلف المكونات اليسارية والتقدمية والإسلامية المعتدلة والمتطرفة، مشيرا إلى أنه كان هناك وقوف ضدها من تنظيمات ضمت مختلف هذه التكوينات أيضا.

وقال حامي الدين إن الشارع في العالم العربي كان يعرف ما لا يريده في تونس وفي مصر وحتى في المغرب، لكن هل كان يعرف ما يريد بالضبط؟ مؤكدا أن الفترة الحالية يجب أن تدبر بكثير من الحوار والحكمة والعقلانية، وقال إن الحوار الذي ينتمي إلى الحروب الباردة لا يمكن أن يقدم أجوبة عن أسئلة المرحلة، كما عبر حامي الدين عن اعتزازه بالاستثناء المغربي الذي كان الجواب على الاحتجاجات مختلفا، أي خطاب الملك محمد السادس في التاسع من مارس (آذار) 2011، مشيرا إلى أنه كان جوابا مباشرا يتجاوز الكثير من الوسطاء.