الجيش المصري يمهل الفرقاء السياسيين حتى يوم غد لحل الأزمة

تأهب في القوات المسلحة واستقالات في الحكومة وانسداد الحل السياسي * أوباما: مرسي هو الرئيس المنتخب

مصريون يلوحون بالأعلام لسرب مروحي تابع للقوات المسلحة يحلق فوق ميدان التحرير عقب بيان الجيش أمس (رويترز)
TT

أمهل الجيش المصري أمس القوى السياسية 48 ساعة للاتفاق على مخرج من الأزمة التي تعصف بالبلاد، وقال الجيش في بيان وصفه المراقبون بـ«الحازم» إنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب سيعلن خارطة طريق للمستقبل وإجراءات يشرف على تنفيذها بمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية.

وصدر البيان، بعد مظاهرات لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر، بدأت يوم أول من أمس، للمطالبة باستقالة الرئيس محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. واستقبل ملايين المصريين المحتشدين في الميادين خطاب الجيش باعتباره «انتصارا لمطالب الشعب»، وسط هتافات «الجيش والشعب يد واحدة».

لكن، وفي مؤشرات تنذر بالخطر، أبدت قيادات من جماعة الإخوان التي ينتمي إليها الرئيس، تحديها لبيان القوات المسلحة، محذرة مما أسمته محاولة انقلاب من الجيش على سلطة الرئيس المنتخب محمد مرسي.

من جانبه، شدد الرئيس الأميركي باراك أوباما على أن الرئيس المصري هو الرئيس المنتخب بشكل ديمقراطي في مصر. مبديا مخاوفه من أن تشهد الاحتجاجات عنفا بين المتظاهرين.. مشددا على التزام الولايات المتحدة بمساندة الديمقراطية في مصر وليس مساندة زعيم محدد، رافضا دعوة الرئيس المصري للتنحي عن منصبه.

ولم يظهر الرئيس علنا منذ اندلاع المظاهرات المطالبة برحليه، وقال أحد المصادر المقربة من الرئاسة إن مرسي جرى نقله إلى قصر من قصور الرئاسة في مدينة برج العرب الواقعة على البحر المتوسط (نحو 220 كيلومترا شمال غربي القاهرة).

واستقال أربعة وزراء واثنان من المحافظين، على الأقل، حتى مساء أمس، بينما أفادت المصادر العسكرية أن أحد مساعدي الرئيس الشرفيين، ومن كبار القادة السابقين في الجيش، وهو الفريق سامي عنان، استقال أيضا من منصبه قبل ساعات من إذاعة الجيش لبيانه. وبعد البيان مباشرة حلقت طائرات هليكوبتر عسكرية فوق الميادين التي يتظاهر فيها المصريون الذين ردوا عليها بالتحية، بينما تضاعفت أعداد من خرجوا للشوارع ملوحين بالأعلام الوطنية، وتدفق الألوف من المطالبين بتنحي الرئيس إلى محيط قصر الاتحادية.

وقالت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» أمس إن الجيش بدأ في اتخاذ إجراءات عملية لحماية البلاد منذ يوم الأربعاء الماضي، بعد أن «استشعر خطورة تحركات من جانب بعض الجماعات الموالية للرئيس.. وكانت تسعى لقمع إرادة الشعب»، مشيرة إلى أن السلطات برئاسة مرسي «كانت تسعى أيضا لاتخاذ إجراءات قمعية ضد معارضي الإخوان ورموز من العمل السياسي والإعلامي».

وقال بيان الجيش الذي أذاعه التلفزيون الرسمي إن القوات المسلحة لن تكون طرفا في دائرة السياسة أو الحكم، لكنه شدد على أن ضياع مزيد من الوقت لن يحقق إلا مزيدا من الانقسام والتصارع الذي حذرنا وما زلنا نحذر منه، وذلك في إشارة إلى دعوة أطلقها الأسبوع الماضي وطالبت فيها الفرقاء السياسيين بوضع حل لخلافاتهم خلال أسبوع.

إلا أن الرئيس مرسي رد بمزيد من التهديد لمعارضيه، في خطاب أثار غضبا واسعا في عموم البلاد، يوم الأربعاء الماضي، أعقبه حشد جماعة الإخوان لأنصارها للتظاهر في منطقة رابعة العدوية «دفاعا عن الشرعية»، منذ يوم الجمعة الماضية. وأطلقت قيادات من الإخوان ومن حليفها «الجماعة الإسلامية»، تهديدات بـ«رش من يقترب من الرئيس بالدم».

وقالت المصادر العسكرية التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» شريطة عدم تعريفها إنه مع تزايد الغضب الشعبي ضد حكم الرئيس مرسي وجماعة الإخوان، بدأ الجيش في اتخاذ إجراءات احترازية، على الأرض، لحماية الشعب ومعارضي الرئيس، بعد أن تلقى معلومات من أجهزة أمنية بهذا الشأن.

وأضافت المصادر، ومن بينها عضو سابق في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إن أجهزة أمنية أبلغت الجيش بوجود أوامر من الرئيس بتوقيف عدد من قادة المعارضة، من بينهم محمود بدر (مؤسس حركة تمرد) والدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى، وأوامر أخرى بغلق قنوات تلفزيونية خاصة، والقبض على إعلاميين وصحافيين، كانوا ينتقدون حكم الرئيس ويتبنون وجهة نظر الحركات المناوئة له.

وأضافت المصادر أن التقارير الأمنية رصدت أيضا، وبالتزامن مع نشاط المعارضة وسط الجماهير، تحركات لعناصر إسلامية متشددة ومسلحة موالية لجماعة الإخوان، في كل من الإسكندرية والقاهرة وسيناء بينهم عناصر من حركة حماس الفلسطينية ومن الجماعة الإسلامية المصرية. وتابعت المصادر قائلة إن «هذه المعلومات جرى بحثها على أعلى المستويات، بما في ذلك مناقشة قيادات عليا للرئيس مرسي فيها، وأن الرئيس رد قائلا إن كل من يثبت أنه يخالف القانون يحاسب، سواء كان من المعارضين أو المؤيدين».

وتابعت المصادر قائلة إن «وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي ظهر في خطاب الرئيس يوم الأربعاء الماضي، لكنه كان قد حسم أمر الجيش في الانحياز لمطالب الشعب في الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة»، و«لهذا توجهت قواته لحماية مدينة الإنتاج الإعلامي (غرب القاهرة)، قبل الموعد المقرر لذلك بعشرين ساعة، ونشر قوات أخرى على مداخل المدن قبل الموعد المقرر لذلك أيضا، لأن الجيش كان قد تلقى معلومات عن تحركات عناصر إسلامية مسلحة، بالتزامن مع توجه أنصار الرئيس إلى الاحتشاد في ميدان رابعة العدوية.

وقالت المصادر إن هذه التطورات تواكب معها «وصول بلاغات جديدة لم يكن من الممكن الصمت حيالها، وهي قيام عدد من قادة جماعة الإخوان المقربين من الرئيس بالاتصال مع قادة كبار في الجيش، دون علم وزير الدفاع»، وتابعت أن هؤلاء القادة «أبلغوا الفريق أول عبد الفتاح السيسي، عن هذه الاتصالات» التي لم تكشف المصادر عن تفاصيلها لكنها قالت إن «مجرد اتصال مستشار للرئيس ليملي ما يريده على أحد كبار قادة الجيش، من وراء ظهر وزير الدفاع، أمر غير مقبول على الإطلاق».

ورفض المتحدث باسم الرئاسة عمر عامر، في رده على أسئلة «الشرق الأوسط» إعطاء أي تفاصيل عن مكان وجود الرئيس في الوقت الحالي، ورغم قول مصادر أخرى إن الرئيس في «عهدة قوات الحرس الجمهوري في مقرها الرئيس في شمال شرقي القاهرة»، إلا أن مصادر أخرى أفادت بنقل الرئيس إلى القصر الرئاسي في منطقة برج العرب، وهو منطقة شبه عسكرية على البحر المتوسط يوجد فيها مطار دولي.

وأشارت المصادر إلى أن عددا من كبار قادة جماعة الإخوان، الذين اتهموا لعدة أشهر بالسيطرة على قرارات الرئيس، وتسببوا في إثارة الرأي العام ضد مرسي وجماعته، اختفوا من القاهرة بشكل مفاجئ أمس، من بينهم المرشد العام لجماعة الإخوان، محمد بديع الذي ترددت أنباء عن سفره إلى مدينة مرسى مطروح، على البحر المتوسط (500 كيلومتر شمال غربي القاهرة)، ونائبه خيرت الشاطر، الذي قيل إنه سافر إلى الغردقة على البحر الأحمر (جنوب شرقي القاهرة). وترددت معلومات على لسان سعد، نجل خيرت الشاطر، عن تعرض منزل والده بالعاصمة أمس لإطلاق نار من بعض عناصر الشرطة، لكن الشرطة نفت ذلك.

وفي تطورات متلاحقة للأزمة زادت من عزلة حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان الحاكمة) استقال خمسة وزراء من الحكومة هم: وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية حاتم بجاتو، ووزير السياحة هشام زعزوع، ووزير الاتصالات عاطف حلمي، ووزير المياه والصرف الصحي عبد القوي خليفة، ووزير الدولة لشؤون البيئة خالد فهمي. كما استقال محافظ الإسماعيلية.

ويعيش ملايين المصريين حالة من الاحتقان العام منذ عدة أشهر بسبب التدهور الاقتصادي وتراجع الاستثمارات الأجنبية وتقلص عائدات السياحة والنقص الحاد في البنزين والسولار إضافة لانقطاع الكهرباء وتدني الخدمات العامة. وبرر الرئيس وجماعة الإخوان حالة التراجع في البلاد بالقول بأن أنصار النظام السابق وبعض القوى الخارجية ترفض نجاح تجربة «الحكم الإسلامي» في مصر، وتريد «إعادة عقارب الساعة إلى الوراء»، وأعلن الرئيس مرسي صراحة يوم الأربعاء الماضي بوجود رجال أعمال وقادة في المحافظات ومؤسسات الدولة ترفض التغيير وتحقيق أهداف ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، ودعا المحافظين والوزراء لاتخاذ إجراءات لعزلهم.

وتسبب خطاب الرئيس في تفاقم الأزمة وغضب المعارضة التي خرجت للتظاهر يوم الجمعة، أي قبل الموعد المقرر سلفا، وهو الأحد، واستمرت المظاهرات حتى أمس، في تصميم على «رحيل الرئيس»، وتزامن ذلك مع أعمال عنف وحرق لمقرات الإخوان، وسقوط قتلى في عدة محافظات. وقال الجيش في بيانه أمس إن الساحة المصرية والعالم أجمع شهدت مظاهرات وخروجا لشعب مصر العظيم ليعبر عن رأيه وإرادته بشكل سلمي وحضاري غير مسبوق، و«من المحتم أن يتلقى الشعب ردا على حركته وعلى ندائه من كل طرف يتحمل قدرا من المسؤولية في هذه الظروف الخطرة المحيطة بالوطن».

وقالت مصادر في جماعة الإخوان إنها تخشى من أن يكون بيان الجيش «انقلابا على الديمقراطية». ومن جانبه قال الدكتور علي السلمي نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، إن بيان الجيش يعكس أنه ليس طالبا للسلطة أو لمغنم ولا ينحاز لأي فصيل سوى الشعب. واستقبلت حركة تمرد وجبهة الإنقاذ المعارضة والملايين من المتظاهرين في الميادين بيان الجيش أمس بالترحاب والتلويح بالأعلام وإطلاق الأبواق. وقال أحمد ماهر، المنسق العام لحركة 6 أبريل: «لا مجال للتفاوض ولا بديل عن إسقاط الرئيس مرسي، بعد أن أعطيناه الفرصة كاملة».