«حزب الكنبة» بمصر يخرج عن صمته ويغير المعادلة

بعضهم اعتصم بها أمام القصر الرئاسي

أسرة من «حزب الكنبة» في وقفة احتجاجية بـ«الكنب» أمام نادي الصيد الراقي بحي المهندسين بالجيزة
TT

يبدو أن «حزب الكنبة» المصري (وهو مصطلح يطلق على الأغلبية السلبية من الشعب المصري، الذين يرتكنون إلى البقاء في الظل عوضا عن المعارضة الحقيقية)؛ قد طلقها بـ«الثلاثة».. فقد فاجأ المصريين ونزل في تجمعات لافتة، خاصة في المناطق الراقية كأحياء المهندسين والزمالك ومصر الجديدة، واصطحب «الكنبة» إلى الشارع.. بل وأمام قصر الاتحادية الرئاسي، إمعانا في السخرية من نفسه ومن تردي الأوضاع المتدهورة في البلاد، وتضامنا مع مظاهرات 30 يونيو (حزيران) التي انفجرت أول من أمس وتطالب برحيل الرئيس محمد مرسي ونظام جماعة الإخوان المسلمين وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وهو ما جعل حركة «تمرد» تشيد به، لافتة في أحد بياناتها أمس إلى أن «(حزب الكنبة) الذي كانت تراهن عليه جماعة الإخوان المسلمين في عدم النزول، رجح كفة الثوار ونزل إلى الميادين في جميع المحافظات حتى رحيل محمد مرسي».

لكن مشهد الحزب وكنبته الثائرة أثار مزاح الكثير من المصريين، فعلقوا على مواقع التواصل الاجتماعي قائلين: «حزب الكنبة نزل بعفش البيت»، و«حزب الكنبة بدأ ثورة الشك»، و«حزب الكنبة صحي يا رجاله»، و«حزب الكنبة خلع من الصالة».

هذا التحول «الكنباوي» يراه الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور نبيل عبد الفتاح تحولا صحيا وصحيحا، ويقول: «(حزب الكنبة) اختار الوقوف في المنطقة الرمادية، حتى يقي نفسه تناقضات وشرور لعبة الانحيازات السياسية لطرف ضد طرف آخر. وهذا الموقف يتسق مع مصالحه وتكوينه الطبقي والنفسي. كما أن دخول المجتمع في حلقات ودوائر لا تنتهي من عدم الاستقرار، لا يشجع هذا الحزب على كسر هذه الأيقونة التي تشكل له نوعا من الملاذ».

ويؤكد عبد الفتاح أنه «مع تعقد الحالة السياسية في البلاد ودخولها في نفق معتم، لم يعد يصلح - بل ولم يعد ممتعا - أن يقف (حزب الكنبة) في هذه المنطقة، فكان طبيعيا أن ينزل إلى الشارع، وينضم لصفوف المتظاهرين. لقد ترك (حزب الكنبة) الهامش البارد إلى المتن المتفجر الساخن، محاولا أن يستعيد دوره كطرف فاعل في تصحيح المسار السياسي».

ومع إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية قدر «حزب الكنبة» بنحو عشرين مليون مصري، لاذوا بالصمت طيلة عامين ونصف العام منذ قيام ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، واكتفوا بمتابعة المشهد المضطرب على أرض الواقع من شاشة التلفاز وهم جالسون على الأرائك الوثيرة في البيوت، وكأنهم في نزهة يومية لشغل وقت الفراغ.

البعض قال إنهم يمثلون «الكتلة الحرجة» أو المرجحة، التي لو تحركت ستقلب المعادلة السياسية في البلاد رأسا على عقب. لكنهم آثروا مصطلح «حزب الكنبة» الشعبي، ووجدوا فيه ضالتهم في الابتعاد عن المعترك السياسي أو الانتماء الحزبي، الذي يرون أنه اختلط فيه الحابل بالنابل.

ورغم تنوع مشاربهم الاجتماعية، فإن الكثير من الباحثين يعدونهم القوس الخفي للطبقة الوسطى، التي تمزقت وتهلهلت بفعل عوامل ومتغيرات كثيرة طرأت على المجتمع، ويرجعون لا مبالاتهم وإحجامهم عن المشاركة في الحراك السياسي في المجتمع إلى عقدة الخوف التي ترسخت لديهم على مدار عقود طويلة من أنظمة الحكم الأحادي لمصر، ووسعت من فجوة عدم الثقة والشك بينهم، وكل ما يحدث على أرض الواقع.. الأمر الذي جعلهم بمثابة ورقة سياسية راكدة تحت عباءة «الكتلة الصامتة».

ولم يسلم «حزب الكنبة» من سخرية الشارع المصري، فقد أصبح مدعاة للسخرية واللامبالاة في نظر الكثيرين، خاصة السياسيين المعارضين للنظام، حيث يرون أنه كان بإمكان «حزب الكنبة» حسم معركة الانتخابات الرئاسية - لو نزل للتصويت في جولة الإعادة - لصالح المرشح أحمد شفيق، الأقرب إلى نسيجهم الطبقي.. كما كان يمكنهم حسمها في الجولة الأولى بالتصويت لصالح مرشح من التيار المدني.

لكن المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم خفف عن «حزب الكنبة» وطأة الشعور باللامبالاة، وانحاز إليهم في أغنيته التي يقول فيها: «لا تقول إخوانجي.. ولا سلفاوي.. أنا ح أفضل كده.. واحد كنباوي»! أغنية عبد الرحيم التي تدرأ عن «حزب الكنبة» تهم الانتماء العقائدي والسياسي تظل مجرد دعابة عاطفية، فمثل كل المصريين، هناك من بين «حزب الكنبة» من هم مع الثورة ومن هم ضدها، وهو موقف قابل للتغير. مثلما ما تعبر عنه السيدة «لطيفة» التي لفتت إليها الأنظار بقوة في حي الكربة بمنطقة مصر الجديدة، حيث اصطحبت الكنبة على الرصيف أمام البناية التي تقطن بها، وعلقت على صدرها لافتة يتداولها المتظاهرون ضد الرئيس مرسي كتب عليها «ارحل»، وبجوارها علم مصر.

مشهد السيدة لطيفة تكرر في مناطق عدة، ففي حي المهندسين وفي محيط نادي الصيد تداول النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورة عائلة مصرية من «حزب الكنبة» نزلت بـ«الكنب» على الرصيف للتعبير عن مشاركتهم في مظاهرات 30 يونيو ومساندة مطالب المتظاهرين برحيل الرئيس. وتؤكد ربة الأسرة أنها أحد المنتمين لـ«حزب الكنبة»، وأنهم يعبرون عن الغالبية من الشعب المصري، بعيدا عن الانتماء للأحزاب السياسية أو الدينية.. تقول: «نحن نعبر عن جميع طبقات الأسر المصرية التي تريد العيش الكريم والأمان الذي يليق بشعب مصر وتاريخه».