سنودن طلب اللجوء السياسي في روسيا

بعد أيام من الاختباء في منطقة الترانزيت بمطار موسكو

TT

في تطور لافت للأنظار بعد عدد من التصريحات التي صدرت عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، أعلن القنصل الروسي المناوب في مطار شيريميتيفو في موسكو أن إدوارد سنودن تقدم رسميا بطلب منحه حق اللجوء السياسي في روسيا. ونقلت وكالة أنباء «إنترفاكس» عن كيم شيفتشينكو رئيس القسم القنصلي المناوب في مطار شيفتشينكو، أن المواطنة البريطانية سارة هاريسون تقدمت بوصفها الممثل القانوني والوكيل الرسمي للمواطن الأميركي إدوارد سنودن بطلب منحه حق اللجوء السياسي في روسيا. وكان الرئيس فلاديمير بوتين أعلن أمس في مؤتمر صحافي عقده بالكرملين في إطار أعمال قمة رؤساء البلدان المصدرة للغاز، أن سنودن ليس عميلا للمخابرات الروسية، بينما أكد على أن «سنودن يرى نفسه مناضلا من أجل الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان». وقال بوتين إن «سنودن إذا كان يريد البقاء في روسيا، فيجب عليه الكف عن نشاطه المناوئ للمصالح الأميركية، مهما كان هذا غريبا. لكن لا يبدو أنه سيكف عن هذا العمل، إذ إنه، كما قلت، يرى نفسه مناضلا من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان».

وكانت الجمعية الاجتماعية الروسية وهي التنظيم الشعبي الموازي للبرلمان بحثت أمس في موسكو مسألة منح سنودن حق اللجوء السياسي، على وقع مخاوف من احتمالات تغير الظروف التي قد تدفع سنودن إلى التقدم بمثل هذا الطلب وهو ما لا بد أن يضع موسكو في موقف بالغ الحرج وينال من علاقاتها مع الولايات المتحدة.

وقد شارك في الجدل الذي احتدم حول هذه القضية ميخائيل فيدوتوف رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للرئيس الروسي من موقف المؤيد لمنح سنودن هذا الحق منطلقا في دعوته من حقوق الإنسان التي تبرر ما قام به سنودن من خطوات لفضح أساليب المخابرات المركزية وتجسسها على خصومها وشركائها في الاتحاد الأوروبي وعدم احترام أبسط بديهيات حقوق الإنسان في الحفاظ على خصوصياته وسرية اتصالاته ومكاتباته. ودعا فيدوتوف القيادة السياسية للدولة الروسية إلى عدم تسليمه، على الأقل إلى حين البت في طلبه حول اللجوء إلى بلدان لم يشر إلى أي منها.

وبهذا الصدد أعاد بعض المتحدثين إلى الأذهان أن وزير خارجية الإكوادور أعلن عن رفض بلاده الاستجابة لطلب منح سنودن حق اللجوء السياسي، مشيرين إلى إمكانية مخاطبة آخرين بهذا الشأن في إشارة مباشرة إلى نيكولاس مادورو رئيس فنزويلا الذي وصل إلى موسكو للمشاركة في قمة رؤساء البلدان المصدرة للغاز التي بدأت أعمالها أمس لمدة يومين. وكانت الجمعية الاجتماعية دعت ممثلي سفارتي فنزويلا والإكوادور لحضور اجتماع أمس ربما في محاولة لتقصي الحقائق حول مواقف البلدين من مسألة منح سنودن حق اللجوء السياسي واستيضاح مختلف الاحتمالات بشأن الخروج من المأزق الراهن الذي يتواصل للأسبوع الثاني على التوالي. وفي معرض تبريره لضرورة التخلي عن القيود الشكلية التي تحد من حركة العاصمة الروسية لدى تناولها لهذه المشكلة طالب سيرجي ماركوف عضو الجمعية ومدير معهد الدراسات الاستراتيجية والمعروف بعلاقاته القريبة من الكرملين، صراحة بمنح سنودن أي وثيقة يمكن له أن يتحرك على أساسها داخل الأراضي الروسية إلى حين البت في أمره. وبرر ماركوف ذلك بقوله إنه قد يصاب بأي مرض يتطلب نقله على وجه السرعة إلى أحد مستشفيات العاصمة وهو ما قد يضع السلطات المعنية في مأزق يجب التفكير في محاذيره في أسرع وقت ممكن. وقد توقف البعض في موسكو عند ما قاله الرئيس بوتين حول هذه المسألة في الأسبوع الماضي في إطار حاول أن يتسم بالحيادية في إطار إشارته إلى أن سنودن «إنسان حر»، وأن المخابرات الروسية ليست معنية به ولم تعمل عليه أو معه. وكان بوتين قال أيضا بضرورة أن يحاول سنودن تقرير أمره في أسرع وقت ممكن، ما وصفه بأنه سيكون من الأحسن له ولروسيا.

وأشار فيدور لوكيانوف رئيس تحرير مجلة «روسيا في السياسة العالمية» إلى أن روسيا أضحت في موقف بالغ الحرج لأنها إذا رفضت منح سنودن حق اللجوء وإنقاذه من وضعيته العالقة الآن في مطار موسكو فإن ذلك سوف يعني التضحية بالكثير من شعبية سياساتها ووضعيتها كمناهض لكل السياسات غير الإنسانية للولايات المتحدة، كما أن الاستجابة لطلب سنودن لا بد أن تعني في الوقت ذاته المواجهة مع واشنطن والتضحية بالكثير من مصالحها مع دولة يتوقف عليها الكثير من ثوابت السياسة العالمية ومتغيراتها.

وكان جوليان أسانج مؤسس موقع «ويكيليكس» الذي يتبنى قضية سنودن وأعلن نفسه مسؤولا عن حمايته وتوفير ما يكفل الحفاظ على أمنه وسرية تحركاته قد أشار إلى أن الولايات المتحدة ألقت بمواطنها «إلى جزيرة معزولة غير مأهولة بالبشر»، في إشارة إلى أن سنودن مضطر للإقامة في منطقة الترانزيت بمطار موسكو وإلى مواصلة الاختباء عن أعين ملاحقيه وخصومه من رجال المخابرات المركزية الأميركية.