أكبر القصور الرئاسية في مصر يصعد الى واجهة الأحداث

«قصر القبة» أنشأه الخديو إسماعيل وسجي فيه جثمان عبد الناصر

«قصر القبة» الرئاسي بمنطقة سراي القبة بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

صعد «قصر القبة»، أكبر القصور الرئاسية في مصر، إلى واجهة الأحداث السياسية والمظاهرات المشتعلة في البلاد والتي تطالب برحيل الرئيس محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ووسط عشرات الخيام التي نصبها المتظاهرون منذ أول من أمس أمام الباب الرئيس للقصر، وزينوها بالهتافات واللافتات الحماسية الغاضبة، استعاد القصر تاريخه العريق وشريط ذكرياته الخصب، حيث ولد بين جدرانه أغلب ولاة مصر من الأسرة العلوية في العصر الحديث، وكان مسرحا لحفلاتهم وأسمارهم، وديوانا للحكم وإدارة دفة البلاد.

وبينما يعلو هتاف النساء المتظاهرات «ثورة ثورة.. صوت المرأة مش (ليس) عورة». يتذكر القصر الخديو إسماعيل (1830 - 1895)، فهو الذي بناه وخصصه لزوجته شوق نور هانم، وفيه أنجبت فيه أكبر أنجاله الخديو توفيق، والذي صار القصر في فترة حكمه مسرحا لأفخم الاحتفالات الخاصة وحفلات الزفاف الملكية، وسط فضائه الرحب وحدائقه الغناء التي تضم مجموعة نادرة من النباتات والأشجار الآسيوية، إضافة للحقول النضرة والبيوت الريفية التي كانت تحيط فضاءه الخارجي آنذاك.

يقع القصر بمنطقة سراي القبة بالقاهرة، ويمتد منها حتى محطة كوبري القبة، على مساحة مترامية تبلع نحو 80 فدانا، ويستخدم حاليا كمقر لنزول الضيوف الأجانب الرسميين من رؤساء وملوك وغيرهم. وبعد ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، أصبح ثالث القصور الرئاسية مع قصر عابدين وقصر رأس التين بالإسكندرية.

ومع ارتفاع هتافات عدد من المتظاهرين وهم يحملون صورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر «عبد الناصر قالها زمان.. الإخوان ملهمش (ليس لهم) أمان». يتذكر القصر أن عبد الناصر كان يستقبل أهم الزوار الرسميين في كنفه، وكان من أشد المعجبين بالطراز المعماري للقصر، وبعد وفاته سجي جثمانه فيه، وخرج منه في جنازة شعبية غير مسبوقة في التاريخ، في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 1970.

وعلى مدار تاريخه شهد القصر إضافات معمارية تزيده رونقا وتحصينا. فعندما اعتلى فؤاد الأول عرش مصر عام 1917 صار القصر مقر الإقامة الملكية الرسمي، وخلال فترة إقامته تم تشييد سور بارتفاع 6 أمتار حول القصر، وكذلك بوابة جديدة وحديقة خارجية، كما أضيفت محطة سكة حديد خاصة بالقطار الملكي، حيث كان الزوار يأتون مباشرة للقصر، سواء من الإسكندرية أو من المحطة الرئيسة للقطارات بالقاهرة. وتوفي فؤاد الأول في هذا القصر.. ولا تزال توجد بمحطة سراي القبة استراحة فخيمة كانت مخصصة للضيوف وكبار الزوار الذين يفدون بالقطار.

ومن قصر القبة ألقى الملك فاروق أول خطبة عبر الإذاعة المصرية في 8 مايو (أيار) 1936، وذلك إثر وفاة والده فؤاد الأول. واحتفظ الملك فاروق بالكثير من مقتنياته الخاصة في هذا القصر، ومن بين ما ضمت: مجموعات نادرة من الطوابع والساعات والجواهر، والتحف، ومعظم هذه الأشياء بيعت في مزاد علني في عام 1954 حضره الكثير من المهتمين بينهم مندوبون عن الملكة إليزابيث الثانية وأمير موناكو.

وبينما يتأهب القصر لاستقبال المزيد من مسيرات المتظاهرين لحصاره، وإسقاط الرئيس المصري محمد مرسي، خاصة بعد تداول معلومات عن انتقاله إلى قصر القبة هربا من المتظاهرين الذين يحاصرون قصر الاتحادية، ووسط هذا المشهد يتأمل القصر بأسى قطرات العرق والتعب في وجوه قوات الحرس الجمهوري وهم يتمركزون بأسلحتهم ومدرعاتهم خلف الباب الرئيس للقصر، ويشددون الحراسة والحواجز الحديدية على البوابات الأخرى، خوفا من اقتحام المتظاهرين.