وزيرة الثقافة البحرينية: الأمن الثقافي جزء من «القومي» ويتعرض أيضا لهجمات وعدوان

مشاركون في «منتدى أصيلة» شددوا على ضرورة حماية الهوية والتنوع

وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي بنت محمد بن ابراهيم آل خليفة أثناء مشاركتها مساء أول من أمس بمنتدى أصيلة
TT

قالت الشيخة مي بنت محمد بن إبراهيم آل خليفة، وزيرة الثقافة البحرينية، إن المجتمعات التي تلقت العولمة وما بعد الحداثة دونما استعداد أو جاهزية فيها، جعلها ذلك تفقد الكثير من ثقافتها وحركاتها الفكرية والوطنية لصالح العالمية، وهو ما استدعى، حسب الوزيرة آل خليفة، ما اصطلح على تسميته «الأمن الثقافي»، حيث كشفت عن تفسيرين لهذا المصطلح، يقوم أولها على اختيار الأمن الثقافي مرادفا لوفرة المنتج الثقافي وغزارته لتأمين احتياج المجتمع ثقافيا وفكريا، في حين يذهب التفسير الثاني للأمن الثقافي إلى اعتباره مصطلحا ينطوي على الفعل الثقافي الذي توحي به بالفعل كلمة الأمن.

وقالت الوزيرة البحرينية التي كانت تتحدث مساء أول من أمس في ندوة بعنوان «الهوية والتنوع والأمن الثقافي» ضمن فعاليات منتدى أصيلة الـ35 إن الأمن الثقافي جزء من الأمن القومي كما العسكري والاقتصادي، يتعرض لهجمات وعدوان، وأخطار تستوجب الحماية والدفاع، مشددة على المحافظة والدفاع عن الهوية.

وأوضح محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة «منتدى أصيلة» وزير خارجية المغرب الأسبق، خلال الجلسة الافتتاحية، أن الحراك العربي فجر قضايا ظلت مغيبة عن النقاش العام، تجاوزتها النخب السياسية والفكرية نظرا لغياب تقاليد الحوار الديمقراطي عن البيئة الثقافية، مشيرا إلى أنه حصل بغتة ما سمي «انفجار الهويات» في صورها الثقافية واللغوية أو تلك التي تعلي من أرومة وأصول المنتسبين إليها، واصفا إياها بأنها مغلفة بمطالب اجتماعية وسياسية يصعب معها التمييز بين المطالب الثقافية المشروعة لمجموعات متساكنة في مجتمع ما، وبين المقاصد الغامضة والحاجات الظرفية.

وأبرز بن عيسى أن إشكالية الأمن الثقافي تولدت عن هذا «التمازج أو الخلط»، متسائلا: كيف يمكن ضمان الحد الأدنى من الأمن الثقافي والسلم المجتمعي في سياق التعدد؟ وقال: «إن التعدد هو أساس وجوهر الديمقراطية لممارسة الحق في الاختلاف». واعتبر أمين عام مؤسسة «منتدى أصيلة» أن قضية الأمن الثقافي تستحضر التهديد الخطير الذي يطال التراث الإنساني في مناطق غير آمنة، تحت ذرائع وهمية تتصل بالعقيدة والمزاعم الحضارية.

وتحدث محمود مرسي المريني، الكاتب العام (وكيل) لوزارة الثقافة المغربية، عن التحولات المتسارعة التي عرفها العالم منذ عقود بسبب التقدم العلمي والتطورات التكنولوجية في الإعلام والاتصال، مبرزا أنها أحدثت تغييرات عميقة في المنظومة التحليلية للمعاملات، سواء داخل القطر الواحد أو بين الشعوب والأمم، وأن العولمة أدت إلى احتكاك تنافسي بين الرؤى والتصورات والقيم المختلفة لدول العالم، وأوضح المريني أن ذلك سبب تراكما دفع المجتمعات وثقافاتها إلى التفاعل، والتراخي سبَّب أثرا عميقا في الحقل الرمزي المشكل للمخيال والهوية.

ويرى المريني أنه من واجب السياسات العمومية التعامل مع هذه التحولات عبر ثلاثة حقول على الأقل؛ أولها اللغة التي تعتبر عماد الثقافة، مؤكدا أن الأمن الثقافي يقتضي حماية التنوع اللغوي وتطويره وتأهيله لرفع تحديات العولمة في ظل الاتجاه التوسعي للغات الجديدة، وثانيها ضرورة العناية بالقيم الثقافية المبنية على التضامن والتسامح والوسطية، وضرورة مواجهة الفكر المتطرف الغريب عن هذه القيم، أما في الحقل الثالث فأقر المريني بوجوب نهج سياسة مدروسة للحفاظ على الممتلكات الثقافية وعلى التراث الثقافي.

ومن جهته، عزا إياد أبو شقرا، الكاتب الصحافي ومستشار هيئة تحرير جريدة «الشرق الأوسط»، مبررات مشاركته في الجلسة الأولى بعنوان «الهوية والخصوصيات الثقافية»، إلى انتمائه لوطن صغير فيه الكثير من التعددية والكثير من الثقافة والقليل من السلام. وقال: «إن المجتمعات المغرقة في الظلامية ذات اللون الواحد هو الأسود، لا تشجع على التفاعل الإنساني والتداخل الحضاري وخلق الأمن»، موضحا أنه في منطقة الشرق الأوسط كان هناك طريقان مهمان جدا في تاريخ البشرية اقتصاديا وثقافيا؛ هما طريق البخور، وطريق الحرير، مشيرا إلى أن أراضي منطقة الشرق الأوسط شهدت تراجعا حضاريا.

وذكر أبو شقرا أن هناك حضارات كبيرة سادت ثم بادت، وزاد قائلا: «في كل كيان من كيانات منطقتنا تنوع ثقافي لعل كثيرين من أبناء المنطقة لا يعرفونه»، مبرزا أن هناك وطنا صغيرا عزيزا جدا، هو سوريا، يتمزق أمام الأعين، وتحت تسميات كبيرة.

وخلص أبو شقرا إلى أن الضمان الأساسي للأمن الثقافي والإنساني والحضاري يقوم على معطيات بسيطة تكمن في المعرفة والمؤسسات والمواطنة والتسامح والتفاعل والتنمية.

ومن جهة أخرى، تحدث سولومون باسي، وزير خارجية بلغاريا سابقا، عن التعددية والأمن الثقافي وتاريخ عائلته كدليل على هذا التنوع، مشيرا إلى أن ذلك ينطبق على الفرد كما ينطبق على الشعب البلغاري مثلا، وعلى الاتحاد الأوروبي برمته، موضحا أن بلغاريا أدرجت في الرصيد الثقافي للاتحاد الأوروبي «الكتابة الكريتية» التي كانت تستعمل في لغات إسلامية إضافة إلى اللاتينية والإغريقية، وقال باسي: «كان هذا مكلفا لك تجاهل هذا التنوع أكثر كلفة».

كما عبر باسي عن فرحته إذا انضم المغرب يوما ما إلى الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن اللغة العربية ستنضاف إلى مجموع لغات الاتحاد، وسيكون إشراكا عظيما.

وبدوره، لاحظ فيكتور بورغيس، عضو المعهد الأفريقي للحكامة، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون والجاليات سابقا في جمهورية الرأس الأخضر، أن هناك مواقف رامية إلى تسطيح البشر ومحو كل التنوع والاختلاف، داعيا إلى الوقوف في وجه هذا الاتجاه المعاكس والتعامل معه، وعزا ذلك إلى اختلاف الشعوب عن بعضها البعض، وأن التنوع موجود داخل الحكومات وفي علاقاتها وفي الدول. وقال بورغيس: «يتوجب علينا أن نغير مواقفنا وممارساتنا وطريقة عملنا»، واشترط لتحقيق ذلك بناء فردي وجماعي وسياسي.

وذكر بورغيس أنه لا يمكن الحفاظ على التنوع باستعمال مجرد للصكوك الدولية، مشيرا إلى أن الحفاظ على التنوع سيتطلب من الجميع الشجاعة والقوة والقدرة الإبداعية على نطاق شخصي ومجتمعي لكل بلد، متسائلا عن كيفية الوصول إلى كل هذا من دون التربية والتعليم والتنمية.

وفي غضون ذلك، ركز الصادق الفقيه، الأمين العام لـ«منتدى الفكر العربي» (السودان)، في مداخلته على قضية الأمن الثقافي والهويات بعد الربيع العربي؛ إذ اعتبر ذلك من الأشياء التي ظهرت بحدة، وكان لا بد من نقاش ومعالجات كثيرة لما يطرأ في سردها، بيد أن لها تداعيات تكون خطيرة أحيانا على المجتمعات المختلفة. وقال الفقيه: «إن كانت من صفة نصف بها الدولة العربية التي سبقت ثورات الربيع العربي فهي السلطة القهرية»، موضحا أنها أشعرت المجتمعات لفترة طويلة بأنها في وضع واحد وأمة واحدة لها صوت الحكومة والدولة الذي لا يعلو عليه صوت أحد.

كما اعتبر أن الحديث عن الهوية والتنوع والأمن الثقافي هو حديث عن المكونات الأساسية لكرامة الإنسان أيا كان في أي مكان، ورفض الفقيه أن تتحنط المكونات الثقافية والهويات وتصبح جزءا من التراث الذي يحافظ عليه بلا دور، مؤكدا على ضرورة أن يكون متفاعلا ومتناميا. وفي سياق ما يمر به العالم من اضطرابات وتحولات متسارعة بمواكبة تسارع التكنولوجيات، قال شريف خزندار، رئيس لجنة الثقافة والاتصال في فرنسا، ونائب رئيس اللجنة الوطنية الفرنسية لليونيسكو: «إن الإنسان بحاجة إلى مرجعيات ومنارة، وإلى حيز يتمسك به لكي يبني قوته من جديد وينعش نفسه ويفكر في وجوده».