كلمة مرسي قبل عزله تثير أزمة جديدة مع الشارع والجيش وتدفع البلاد نحو المجهول

«الإخوان» دعت للموت دفاعا عن شرعية الرئيس.. والمعارضة حذرت من اقتتال داخلي

TT

في خطاب غير مسبوق تسبب في إثارة ردود فعل متضاربة وخطيرة، تحدى الرئيس المصري محمد مرسي الجيش قبل ليلة من عزله، الذي يعد أقوى مؤسسة في البلاد، وتحدى أيضا ملايين المتظاهرين في المدن المصرية المطالبين برحيله عن السلطة. وقال مراقبون إن كلمة الرئيس للشعب، التي بثها التلفزيون الرسمي الليلة قبل الماضية، أثارت أزمة جديدة مع الشارع والجيش ودفعت البلاد نحو المجهول، في وقت دعت فيه جماعة الإخوان للموت دفاعا عن شرعية الرئيس، وسط تحذير من المعارضة من مغبة الانزلاق إلى الاقتتال الداخلي.

وجاء خطاب مرسي، الذي استمر 45 دقيقة، وبدا فيه أكثر نحافة وأقل ثقة، قبل ساعات من مهلة حددها الجيش، وانتهت مساء أمس، لوضع حل للأزمة التي تمر بها مصر، بعد خروج ملايين المواطنين الداعين لرحيله عن السلطة لـ«فشله في إدارة البلاد سياسيا واقتصاديا وأمنيا». وقال الرئيس في كلمته إنه متمسك بموقعه كـ«رئيس منتخب» حتى الموت، ودعا عدة ألوف من أنصاره المحتشدين في أحد ميادين القاهرة، إلى الدفاع عما سماه «الشرعية الديمقراطية» التي أتت به للحكم، متجاهلا على ما يبدو خطورة المرحلة التي تمر بها البلاد.

وتضمن خطاب الرئيس إشارات غير مباشرة إلى أنه وأنصاره سيتحدون أي محاولة من الجيش لإزاحته من موقعه. وقال إن ثمن الحفاظ على الشرعية هو حياته «وإذا كان ثمن الحفاظ على الشرعية حياتي ودمي فهي فداء هذا الوطن للحفاظ على الشرعية». وشدد على أنه «لا يملك كائن من كان أن يستخدم القوة، لا قدر الله، ليوجد شرعية أخرى»، في إشارة على ما يبدو لقول الجيش إن «الشرعية للشعب».

وتابع مرسي في كلمات غلبت عليها العصبية ولغة التهديد: «أقول للجميع، من يريد غير الشرعية سيرتد عليه بغيه، وربما يجر الوطن إلى اتجاه سيئ جدا، وأشياء أخرى لا نحبها لمصر». وأضاف أن «التخلي عن الشرعية سيضيع المؤسسات وإرادة الشعب»، و«إرادتنا ومؤسساتنا لا يجب أن نضعها في نفق مظلم، بالتخلي عن الشرعية». وقال: «لا أسمح ولا أرضى من يخرج علينا ليقول كلاما يهز الشرعية».

وقال الرئيس، الذي تتزايد عزلته عن شعبه وعن مساعديه ومستشاريه ووزرائه، إنه رئيس منتخب ديمقراطيا وشدد على أنه سيبقى في منصبه، قائلا إنه مستعد لدفع حياته ثمنا لـ«الشرعية». وشدد مرسي على أنه «لا بديل عن الشرعية الدستورية القانونية الانتخابية.. التي أفرزت رئيسا مدنيا منتخبا لمصر لأول مرة في تاريخها، مع بقاء الأبواب مفتوحة للحوار»، مضيفا أن «البعض يعارض والبعض يؤيد، لكن لا بديل عن الشرعية وشرعية الانتخابات التي كلفت الرئيس بالقيام بواجبه الدستوري القانوني».

وأضاف مرسي أنه ليس حريصا على كرسي الرئاسة، لكنه أضاف أن «الشعب اختارني في انتخابات حرة نزيهة وألزمني بتحمل مسؤولية مصر، والدستور كلفني بذلك وكنت وما زلت وسأبقى أتحملها».

واتهم مرسي بقايا نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وعددا من الأسر المصرية الثرية بالوقوف وراء المظاهرات قائلا إن تلك الأسر، التي لم يسمها، «كانت من أعمدة الفساد»، و«تسعى لاستعادة الامتيازات التي فقدتها بقيام ثورة 25 يناير 2011 ودفع البلاد إلى نفق مظلم»، مشيرا إلى أن بقايا النظام السابق يحاولون جاهدين لإبقاء الحال على ما كان عليه لعودتهم إلى السلطة.

وتحدث مرسي عن المبادرات التي سبق تقديمها في الأسابيع الماضية لحل الأزمة، وقال إن رئيس الوزراء هشام قنديل ووزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، قدما له مبادرة من الأحزاب والقوى السياسية. وأضاف أن هذه المبادرة كانت تتضمن تشكيل حكومة من الطيف الوطني وإجراء تعديلات دستورية عن طريق لجنة تقدمها للبرلمان القادم، ووضع ضمانات للانتخابات النيابية، وحل مشكلة النائب العام (الذي عينه مرسي وأبعده القضاء يوم أول من أمس)، بالإضافة إلى تمكين الشباب والمصالحة الوطنية، ووضع ضوابط للإعلام، إلا أن الرئيس مرسي قال إن «ردود الفعل التي وصلتني عبر القنوات المختلفة سواء من الحكومة أو من الأحزاب أو القوات المسلحة، قالت إن المعارضين غير موافقين على المبادرة».

وأضاف: «أمام ما أراه من تحركات وما أعرفه من حقائق على الساحة قررت أن أعلن أنه لا بديل عن الشرعية والتمسك بها مع بقاء الأبواب مفتوحة للحوار».

وفتحت كلمة الرئيس الطريق نحو المجهول، بتزايد الشقة بين الفرقاء السياسيين الذين لجأ عدد من أنصارهم للسلاح وسفك الدماء في شوارع القاهرة وعدة محافظات أخرى، بالتزامن مع لغة تصعيدية من جانب جماعة الإخوان عقب خطاب مرسي. وأعلن أيمن علي، وهو مساعد للرئيس وقيادي في الإخوان، أن الرئيس يفضل أن يموت كالأشجار واقفا دفاعا عن الشرعية التي منحته منصبه، عن أن يلومه التاريخ لأنه ضيع آمال المصريين في الديمقراطية.

وميدانيا قالت مصادر في جماعة الإخوان لـ«الشرق الأوسط» إنها أصدرت تعليمات لأنصارها ومؤيديها المعتصمين بميدان رابعة العدوية بالقاهرة وبعض المناطق الأخرى، (ومن بينهم إسلاميون متشددون وجهاديون) بالاستنفار وإظهار أقصى درجات الاستعداد لأي مواجهة، وأن يقوم كل منهم بكتابة وصيته استعدادا للدفاع عن الرئيس في حال صدور أي قرار من الجيش بعزله، وأشارت المصادر إلى أن جماعة الإخوان كانت «منذ أشهر تتحسب لمحاولة انقلاب الجيش على الشرعية، ولهذا وضعت خطة للمواجهة، وستنفذها».

ومن جانبها، قالت المعارضة في أعقاب كلمة الرئيس إن مرسي «يرفض الانحناء لإرادة الشعب»، وإن خطابه «تحريضي» ويشجع على الاقتتال الداخلي. ورفض ملايين المتظاهرين المناوئين للرئيس، كلمته، رافعين شعار «ارحل»، بينما تزايدت أمس حشود المعارضين للرئيس بالملايين في عشرات الميادين وحول عدد من قصور الرئاسة. وشدد بيان مشترك من جبهة الإنقاذ الوطني وحركة تمرد، على أن شرعية الرئيس مرسي «انتهت»، بعد أن «تنكر لأهداف ثورة 25 يناير، واعتدى على القانون والدستور والسلطة القضائية وحرية الإعلام، وتأكد سقوط شرعيته بتحريض أنصاره وأعوانه على الاعتداء على المتظاهرين السلميين في ميادين مصر».

وطالب حزب الدستور، الذي يقوده الدكتور محمد البرادعي، الجيش بحماية أرواح المصريين «بعد أن فقد مرسي صوابه وحرض على هدر دماء المصريين»، على حد قوله، مشيرا إلى أن الرئيس مرسي «تحدى الشرعية الحقيقية التي أتت من غالبية الشعب المصري والذي خرج بالملايين على مدى الأيام الماضية متمسكا بمطلب واحد وهو ضرورة رحيله الفوري لفشله التام في إدارة شؤون البلاد»، وأن مرسي أصر على الانحياز الكامل للفصيل السياسي الذي ينتمي له، وهو ما دأب عليه منذ أن تولى منصبه، وحرض أنصاره على قتال أبناء نفس الوطن بزعم حماية شرعية سقطت عنه».

وأكد حزب البرادعي على أن «أية مزاعم تصف ممارسة الجيش لمسؤولياته، في حماية أرواح المواطنين، بأنه انقلاب عسكري، ليس إلا لغوا فارغا يتجاهل حقيقة المشهد على الأرض بخروج الملايين للشوارع للإصرار على رحيل مرسي، واستهتارا بدماء المصريين». بينما علق الدكتور علي السلمي، نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية قائلا إن حزبه يرفض بشكل كامل خطاب مرسي.

وأصدر المثقفون والفنانون المعتصمون في وزارة الثقافة، في ضاحية الزمالك بالقاهرة، بيانا دعوا فيه الجيش والشرطة للتحفظ على الرئيس مرسي وجماعته وإزاحة نظامه.