الاضطرابات السياسية في مصر تضع إدارة أوباما في موقف حرج

محللون: الولايات المتحدة لا تريد أن تتبنى موقفا واضحا بصورة أو بأخرى

TT

كانت مصر ما بعد الثورة على مدى العامين الماضيين أشبه بحقل ألغام سياسية بالنسبة لإدارة أوباما، التي سعت جاهدة للوصول إلى توازن بين دعمها للتحول الديمقراطي وحاجتها للحفاظ على مصالحها في المنطقة.. لكن آخر فصول التحول السياسي الهش في مصر ربما ترك الإدارة في أكثر مواقفها حرجا حتى الآن، حيث لوح الجيش المصري بالتدخل لحل الأزمة السياسية عقب أيام من المظاهرات وارتفاع حصيلة القتلى.

وفي الوقت الذي يواجه فيه الرئيس المصري محمد مرسي عاصفة الاحتجاجات التي قد تمهد الطريق أمام انقلاب عسكري، برزت واشنطن وسفيرتها في القاهرة هدفين دائمين للانتقادات، حيث يقول المطالبون برحيل مرسي إن الولايات المتحدة أصبحت أكثر حميمية مع الإخوان المسلمين، الحركة السياسية والاجتماعية التي أوصلت الرئيس الإسلامي إلى سدة الحكم. في الوقت ذاته، حذر الإخوان المسلمون من أن الولايات المتحدة ترفض الإعلان عن إدانتها الانقلاب العسكري الذي يجري الإعداد له.

بعد الإعلان عن تأييدها مرسي، سعت إدارة أوباما إلى النأي بنفسها عنه هذا الأسبوع، حيث أصدر البيت الأبيض بيانا قال فيه إن الرئيس أوباما قال للرئيس المصري المحاصر في مكالمة هاتفية إن «الولايات المتحدة لن تدعم حزبا أو جماعة بعينها».

ويرى المحللون أن «التحول بدا تدريجيا نتيجة لتنامي احتمالية أن يطاح بمرسى في الأيام المقبلة»، ويقول شادي حميد، خبير الشؤون المصرية بمركز «بروكينغز - الدوحة»، «إن الولايات المتحدة تحوط رهاناتها بالطريقة التقليدية لهذه الإدارة، فهي لا تريد أن تتبنى موقفا واضحا بصورة أو بأخرى».

وكما كانت على مدى أغلب فترات العامين الماضيين، بدأت الأحداث في التصاعد بوتيرة سريعة للغاية في القاهرة يوم الثلاثاء، حيث ساد العنف الشوارع عشية الموعد النهائي الذي وضعه الجيش المصري للرئيس والمعارضة للتوصل إلى اتفاق. وحذر قادة الجيش من أن الإخفاق في التوصل إلى اتفاق سيجبر الجيش على العودة إلى موقع حكم البلاد ومواجهة الاضطرابات السياسية واقتصاد متدهور.

يراقب المسؤولون الأميركيون الأزمة بقلق متزايد، لكنهم يبدون راغبين في أن لا ينظر إليهم على أنهم المحركون للأمور.

وقال مسؤول بالإدارة الأميركية، رفض الكشف عن هويته لحديثه عن سياسات الإدارة: «إن واشنطن تحاول أن تكون حذرة للغاية في التواصل مع القادة السياسيين والعسكريين، ولا يبدي أحد حرصا على إظهار وجود يد أميركية قوية في خضم هذه الأزمة، شديدة الميوعة».

هذا الموقف تشكل ربما جزئيا بسبب الاعتراف بمدى الاستقطاب الذي أصبحت عليه السفيرة الأميركية في الأسابيع الأخيرة، بعدما أدلت بتعليقات عدة عن الشؤون المصرية الداخلية. وكانت آن باترسون التي عملت سفيرة للولايات المتحدة لدى السلفادور وكولومبيا وباكستان خلال فترة عملها التي بلغت أربعين عاما، قد تعرضت للهجوم لدفاعها عن مرسي، حيث رفع المتظاهرون المعارضون لمرسي لافتات غير مرحبة، وفظة في بعض الأحيان، تحمل صورتها تطالبها بالرحيل عن مصر.

لقد كان الخطاب المعادي لأميركا في مصر في حالة تقلب ما بين الصعود والهبوط منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير (شباط) 2011. إلا أنه قد صعد في الأيام الأخيرة، حينما هاجم معارضو مرسي باترسون بسبب كلمتها يوم 18 يونيو (حزيران) التي اعتبرها كثيرون بمثابة دعم كامل له.

في تعليقاتها المفصلة حول علاقة الولايات المتحدة بجماعة الإخوان المسلمين، التي لها ماض من التطرف والعنف ويتبنى أعضاؤها آراء اجتماعية محافظة، ذكرت باترسون أن واشنطن قد سعت لإقامة علاقة بناءة مع قادتها المنتخبين شرعيا. وقالت: «يعتقد البعض أن الاحتجاجات في الشوارع سوف تثمر عن نتائج أفضل من الانتخابات. ولأكون صادقة معكم، فإنني وحكومتي تحدونا شكوك هائلة. مصر بحاجة للاستقرار لترتيب أمورها الاقتصادية، وزيادة العنف في الشوارع لن تفعل شيئا أكثر من إضافة أسماء جديدة إلى قوائم الشهداء».

وسط أيام من المظاهرات وارتفاع عدد الضحايا، هدد الجيش بالتدخل لحل الأزمة السياسية. وفي أبريل (نيسان) الماضي، تراجعت باترسون عن فكرة أنه ينبغي على الجيش - وهو مؤسسة علمانية تحظى بالتقدير من قبل السواد الأعظم من المصريين - أن يلعب مجددا دورا أكثر فاعلية في إدارة شؤون البلاد. لقد تولى الجنرالات إدارة شؤون البلاد في مصر حتى انتخاب مرسي الصيف الماضي.

«دعوني أوضح: تدخل الجيش ليس الحل، مثلما يزعم البعض»، هذا ما قالته باترسون، بحسب نسخة من خطابها يوم 28 أبريل الماضي نشرت على الموقع الإلكتروني للسفارة الأميركية في القاهرة. وأضافت: «لن يقبل الجيش أو الشعب المصري هذا كنتيجة».

وقالت ميشيل دان، مديرة مركز «رفيق الحريري للشرق الأوسط» التابع لـ«المجلس الأطلسي»، إن باترسون ربما تكون قد أخطأت بحديثها بهذه الصراحة المبالغ فيها. وقالت دان، التي كانت مسؤولة رفيعة المستوى بوزارة الخارجية والبيت الأبيض: «ربما كان خطأ من جانبها أن تعلق بهذا القدر من التفصيل على سياسات مصرية داخلية في فترة احتقان». وأضافت: «لكن لم يكن هدفها التأثير على السياسات المصرية».

وبحسب دان، تتمثل المشكلة الأكبر في أن واشنطن فشلت في إعادة علاقتها مع مصر بشكل جوهري. لقد استمرت في تقديم مساعدة عسكرية سنوية قيمتها 1.3 مليار دولار، لكنها لم تعد ترتيب حزمة مساعداتها المدنية أو تساعد في دفع اقتصاد البلاد بتسهيل حصولها على قرض من صندوق النقد الدولي. «لقد كرروا نموذج علاقة الولايات المتحدة بمبارك»، هذا ما قالته دان، مشيرة إلى أن مسؤولين أميركيين قد ركزوا جهودهم على التأثير على مرسى وحلقة مستشاريه الضيقة.

تتضمن مصالح الولايات المتحدة في مصر التزامها بمعاهدة سلام مع إسرائيل، وإمكانية استخدامها قناة السويس، والتعاون في جهود مكافحة الإرهاب.

يوم الثلاثاء، أصدر المسؤولون في واشنطن تصريحات مرتبة بعناية. وبعد يوم من حث أوباما مرسي على الاستجابة لمطالب حشود المتظاهرين في القاهرة، وجه وزير الخارجية جون كيري رسالة مماثلة في اتصال هاتفي أجراه بنظيره المصري محمد كامل عمرو. نصح كيري عمرو بـ«الاستماع إلى الشعب المصري»، حسبما أشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جنيفر بساكي. وبعد استقالة عمرو مساء الاثنين الماضي، لم يكن واضحا ما إذا كان للطلب ثقله بالدرجة الكافية أم لا.

وطالب الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، نظيره في القاهرة يوم الاثنين الماضي بمناقشة الوضع. ولم يُدلِ متحدث باسم ديمبسي بأي معلومات تتعلق بالحوار، ورفض قول ما إذا كان البنتاغون قد نصح الجيش المصري بعدم القيام بانقلاب أم لا.

* ساهم جوبي واريك في إعداد هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»