وثائق أميركية تكشف لغز النووي الإسرائيلي وكيفية إنشاء «ديمونة»

مصدر في تل أبيب: التقرير يهدف لإقناع تل أبيب باحتمال انضمام إيران للنادي

TT

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية تقريرا مفصلا عن «لغز النووي الإسرائيلي»، وكيفية إنشاء مفاعل ديمونة، وكيف استطاعت إسرائيل تحويل برنامجها النووي إلى عسكري، وذلك ضمن 42 وثيقة سرية تم كشفها من قبل أرشيف الأمن القومي الأميركي.

وأثار التقرير، الذي يتحدث عن خداع تل أبيب لعواصم غربية في مقدمتها واشنطن وأوتاوا ولندن بادعائها أن مفاعل ديمونة هو مصنع للنسيج، غضب الإسرائيليين، معتبرين ذلك محاولة للتأثير على الموقف الذي يتبناه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضد التسلح الإيراني حتى «يستوعب (نتنياهو) ويقبل واقع تحول إيران لدولة نووية»، و«تخريبا على تهديدات إسرائيل لإيران بضربها عسكريا في حال واصلت مشروعها النووي».

وقالت مصادر إسرائيلية إن هذا النشر جاء «في إطار ما يخشى نتنياهو أن تكون سياسة جديدة في واشنطن، تجاه الموضوع النووي الإيراني»، مضيفا أن «الأميركيين والغربيين عموما أصيبوا باللوث الاستراتيجي بعد انتخاب حسن روحاني رئيسا جديدا لإيران. فهم ينظرون لهذا الانتخاب بسطحية مذهلة، فيعتقدون أن السياسة الإيرانية ستتغير. وهناك من يفكر في التجاوب مع طلب روحاني تخفيف العقوبات الاقتصادية، من دون أن يقدم من طرفه على أي خطوة تدل على استعداده للتراجع عن التسلح النووي. وبدلا من تشديد الضغوط عليه، يمارسون الضغوط على إسرائيل، حتى تسقط تهديدها لضرب المفاعل النووي الإيراني».

ويصف تقرير الـ«فورين بوليسي» أجواء التوتر الذي أصاب دول الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، عندما علمت بالمشروع الفرنسي لبناء المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة، سنة 1958، وكيف حاولت معرفة الحقيقة بشأنه، لكن إسرائيل خدعتها وادعت أن هذا هو مصنع للنسيج فحسب. ويقر التقرير بنجاح إسرائيل في سنوات ستينات القرن الماضي في امتلاك 80 - 100 طن مما يسمى بـ«الكعكة الصفراء - اليورانيا» (وهي إحدى خامات اليورانيوم، وعبارة عن مسحوق يستخدم لإنتاج وقود نووي أو يخصب لإنتاج سلاح نووي) من الأرجنتين، التي زودت اليابان وألمانيا أيضا بهذه المادة.

وبحسب المجلة فإن أحد جوانب المشروع النووي الإسرائيلي الذي لا يزال غامضا هو كيف تمكنت إسرائيل من الحصول على مركبات تحول برنامجها النووي إلى عسكري. وقال التقرير إن إسرائيل في هذه المرحلة حاولت استخلاص اليورانيوم من الفوسفات، إلا أنه تبين أنه يجب البحث عن مصدر آخر بسبب الكلفة العالية لذلك. بيد أن وكالة الاستخبارات الكندية اكتشفت في عام 1964 أن حكومة الأرجنتين نفذت عمليات تمهيد لنقل 80 - 100 طن من «الكعكة الصفراء» إلى إسرائيل. وأشركت كندا كلا من بريطانيا والولايات المتحدة بهذه المعلومات.

وأضاف التقرير أن وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» شككت في صحة هذه المعلومات، في البداية. لكن في شهر يونيو (حزيران) من عام 1964 قررت الخارجية الأميركية والـ«سي آي إيه» إجراء فحص حول الموضوع. وأكد مسؤولون في السفارة الأميركية في الأرجنتين في ذلك الوقت أن إسرائيل قد أبرمت صفقة قبل سنة مع الأرجنتين لامتلاك 80 طنا من الكعكة الصفراء. وعندما واجهت واشنطن الأرجنتين بهذه المعلومات مطالبة بإلغاء الصفقة، أكدت الأخيرة أن الطلب جاء متأخرا، لأن الصفقة قد أخرجت إلى حيز التنفيذ.

وقد ردت إسرائيل على هذا النشر الجديد بموقفها الضبابي الثابت، الذي يقول إن «إسرائيل لن تكون أول من يدخل السلاح النووي إلى الشرق الأوسط».

يذكر أن مفاعل ديمونة هو أهم وأقدم منشأة نووية إسرائيلية، ولا تخضعه إسرائيل حتى الآن للرقابة الدولية. وقد كان الرئيس الإسرائيلي الحالي، شيمعون بيريس، هو الرجل الذي كلفه رئيس الوزراء الأول، ديفيد بن غوريون، بإقامة المفاعل في ديمونة، وذلك في أوساط الخمسينات من القرن الماضي. وتوجه بيريس إلى فرنسا، بصفته نائبا لوزير الدفاع، وطرح مشروعه. وفي سنة 1958 بوشر العمل في بنائه. وقد تم اختيار ديمونة بوصفها بلدة بعدية في صحراء النقب. وأقامه خبراء فرنسيون، عندما وافقت الحكومة الفرنسية على تزويد إسرائيل بالوقود النووي وبالمعدات والأدوات اللازمة.

ولكن، وقبل إنجاز البناء، تغيرت السياسة الفرنسية بعد وصول شارك ديغول إلى السلطة عام 1963، وبعدما تسرب الخبر إلى بريطانيا. ومع أن الخبراء كانوا على وشك استكمال بناء المفاعل، فقد فرضت فرنسا قيودا صارمة على تزويد المفاعل باليورانيوم. لكن الخبراء الإسرائيليين، الذين كانوا يرافقون الفرنسيين في كل خطوة، أكملوا المشروع وحصلوا على الكعكة الصفراء من الأرجنتين. وفي البداية أنتجت 8 كيلوغرامات من البلوتونيوم، تكفي لصنع قنبلة نووية واحدة بقوة 20 كيلو/طنا. ولكن في السبعينات، ووفقا لمصادر أجنبية، رفعت إسرائيل طاقة الإنتاج القصوى لمفاعل ديمونة إلى نحو 70 ميغاوات، بزيادة قدرها 44 ميغاوات.

وفي سنة 1999، كشف عن خطر كبير من هذا المفاعل، وذلك لأنه أصبح قديما. وحذر خبراء من تصدعه وتحوله إلى مصدر محتمل لكارثة إنسانية تحصد أرواح مئات الآلاف من الضحايا في إسرائيل والأردن (على الحدود). وحسب التقارير العلمية وصور الأقمار الصناعية لديمونة المنشورة بمجلة «جينز إنتلجنس ريفيو» المتخصصة في المسائل الدفاعية الصادرة في لندن عام 1999 والتي استندت في معلوماتها إلى صور التقطتها الأقمار الصناعية التجارية الفرنسية والروسية، فإن المفاعل النووي يعاني من أضرار جسيمة بسبب الإشعاع النيتروني.

ويحدث هذا الإشعاع أضرارا بمبنى المفاعل، فالنيترونات تنتج فقاعات غازية صغيرة داخل الدعامات الخرسانية للمبنى مما يجعله هشًا وقابلا للتصدع. كما أن جدرانه العازلة قد تآكلت. وأساساته قد تتشقق وتنهار بسبب قدمها محدثة كارثة نووية ضخمة. وعلى الرغم من استبدال بعض الأجزاء من المفاعل فإن هناك خلافا جديا يدور حول ما إذا كان من الأفضل وقف العمل في المفاعل تماما قبل وقوع كارثة.