مقاتلون سابقون في الحرب الأهلية اللبنانية للشباب: العنف لن يغير أي شيء في المعادلة

تخوفوا من تكرار الجيل الجديد لتجربتهم بحمل السلاح والمساهمة في الاقتتال

TT

أعربت مجموعة من المقاتلين اللبنانيين خلال سنوات الحرب الأهلية، التي عرفها لبنان منذ منتصف السبعينات حتى بداية التسعينات، عن ألمها لـ«رؤية بعض شباب اليوم ينساقون إلى حمل السلاح وإلى اختيار العنف بدل الحوار، مثلما فعلنا نحن في أوائل وخلال الحرب الأهلية حيث حملنا السلاح وساهمنا في الاقتتال، معتبرين أننا وحدنا على حق».

وأشارت المجموعة إلى «أننا ألحقنا الأذى بإنسانيتنا قبل كل شيء، وقتلنا أرواحنا مع كل روح سقطت بسببنا. خطفنا من خطفناه، شاركنا بمعارك على جبهات عدة، واستخدمنا القنص والقصف، ودمرنا وأحرقنا أبنية وأحياء سكنية من دون أن يحقق ذلك أي تغيير في المعادلة».

وتوجه المقاتلون السابقون الذين قاتلوا في أحزاب لبنانية مختلفة، إلى الشباب الذين يحملون اليوم السلاح ويشاركون في اشتباكات متنقلة يشهدها لبنان في الفترة الأخيرة بالقول: «صدقونا عندما نقول: إنكم وللأسف ستحملون خطاياكم معكم مدى الحياة والندم لا ينفع عندها». ودعوا «المقاتلين الحاليين إلى أن يدركوا، كما فعلنا نحن متأخرين، أن هناك أيادي عدة، تستفيد من الشحن السياسي والمذهبي وتعمل على تفرقتنا وعلى اقتتالنا. لا تقعوا في المغالط التي وقعنا فيها. الحروب الأهلية يخسرها الجميع، حتى من يظن نفسه ربح، ولا ينتج عنها سوى الموت والدمار».

وحمل النداء الموقع من 8 مقاتلين في صفوف أحزاب لبنانية مختلفة شاركت في الحرب الأهلية، ينضوون في إطار مجموعة «محاربون من أجل السلام»، وهم كل من نسيم عبد الله وفؤاد الديراني وبدري أبو دياب وزياد صعب ومحيي الدين شهاب وحيدر عماشا وأسعد شفتري وكابي بجاني، عنوان: «نداء من مقاتلي الأمس إلى مقاتلي اليوم: تعالوا نبني الجسور، تعالوا نهدم الجدران». وعرف الموقعون عن أنفسهم بالقول: «نحن مقاتلون سابقون من كل الأطياف، دهمتنا الحرب الأهلية اللبنانية ونحن ورثة ثقافة قرون من المواجهات الطائفية التي كانت تحمل في جوفها حملات الاقتلاع والفرز والتهجير، ورثنا ثقافة تنكر حق الآخر في الاختلاف وتتوسل التعامل بالعنف لفض المنازعات، ثقافة أنتجت حروبا دامية كانت تنتهي دوما بتسويات هشة تغلّب حصة طائفة من هنا، أو تقتطع بعض حصة طائفة أخرى من هناك، وهي حروب لطالما غلّبت الانتماءات العشائرية والقبلية والطائفية والمناطقية، وذلك على حساب الانتماء للوطن».

وتابعوا: «نحن مقاتلون سابقون توافقنا على أن ندحض ثقافة القتل هذه، التي كانت مع كل محطة انفجار تطيح بما راكمه الوطن من عناصر الوحدة، وأن نؤسس لثقافة أخرى تحترم التعدد، وتعمل على ضبطه ورعايته تحت الآليات السلمية الديمقراطية. نحن مقاتلون سابقون، قررنا أن نصبح محاربين من أجل السلام».

وقال زياد صعب، أحد المقاتلين القدامى الموقعين على النداء لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقارنة الوضع القائم في لبنان مع بدايات الحرب الأهلية عام 1975 تظهر أن مقدمات الحرب اليوم أقوى وأكبر بكثير، مع فارق أن الجيل الذي عايش الحرب الأهلية لا يزال حيا، كما أن جزءا كبيرا من المقاتلين لا يزال موجودا ويعرف جيدا ويلات الحرب ومعاناتها».

وشدد صعب على أن «الآمال أو الأحلام أو التي تحركنا على أساسها، كل من وجهة نظره، من أجل التغيير، اكتشفنا فيما بعد أنها كانت وهما وأن توسل العنف للتغيير لا يؤدي إلا إلى الكوارث على الصعد كافة»، مبديا أسفه لأن «الشرخ اليوم عامودي وأفقي في آن معا وهو ما لم يكن متوفرا قبل اندلاع الحرب الأهلية».

يكرر صعب الإشارة إلى أن «العنف ليس وسيلة للوصول إلى الأهداف مهما كانت، وأن الحرب ليست دمارا فقط، وما ندفعه اليوم كلبنانيين جزء كبير منه نسدده كفاتورة الحرب الأهلية». ويعتبر أن «ثمن السلام يجب أن يدفع لكي تتوقف الحروب»، خاتما بالقول: «نحن عايشنا البلد قبل الحرب الأهلية، وتحمسنا كما يفعل الشباب اللبناني اليوم لكننا اكتشفنا أن الطريق لم تكن جميلة وأن الموضوع لم يكن نزهة».

وشهد لبنان في الفترة الأخيرة سلسلة اشتباكات وجولات اقتتال في مناطق عدة في طرابلس والبقاع وأخيرا في صيدا، جنوب لبنان، راح ضحيتها 18 عنصرا من الجيش اللبناني وأكثر من مائة جريح، مقابل 20 عنصرا من مسلحي الشيخ أحمد الأسير، وفق آخر حصيلة رسمية. وأعربت منسقة عمل مجموعة «محاربون من أجل السلام» ليال أسعد لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقادها بأنه «يمكن إصدار نداء مماثل إلى الشباب اللبناني في أي لحظة في لبنان، لكن للخطوة دلالاتها على ضوء الأحداث الأخيرة في الشمال وصيدا، والتي أثبتت أن النزاعات لم تعد نزاعات إقليمية فحسب بل اشتعل فتيلها في الداخل اللبناني».

وقالت: إن أهمية النداء «تتمثل بصدوره عن مجموعة انخرطت بصلب الحرب الأهلية في لبنان، وأعضاؤها هم أكثر من ذاقوا طعم ضياع قضية رفعوا لواءها قبل أن يجدوا أنفسهم بقلب دائرة من العنف». وأشارت إلى أنهم «بمعنى آخر يفهمون اللعبة جيدا، ومن هنا أهمية ندائهم إلى كل من يحمل السلاح أو يميل إلى حمله والمشاركة في اشتباكات متنقلة، لأنهم متى دخلوا في دوامة العنف ستضيع القضية ويتحولون إلى ماكينات في نزاع لا مصلحة لنا فيه كلبنانيين».

ويعتبر المقاتلون السابقون أن «الضرر الناجم عن إلحاق الأذى بالآمنين وترويعهم وتعريض بيوتهم وممتلكاتهم للخطر، يقتصر على الناس فقط، فيما تظل القيادات بمنأى عن كل ذلك، بل وتعمد هذه القيادات لاحقا إلى استغلال رخيص لمخاوف الناس، وإلى استثمار حصيلة المواجهات من أجل كسب المزيد من المنافع، كما تطمح لأن يلجأ إليها المواطنون، مثل رعايا، طلبا للحماية.. والنتيجة المزيد من التقوقع، والمزيد من هدم الجسور ومن إقامة الجدران». وأضافوا: «تعالوا نعيد بناء الجسور، تعالوا نهدم الجدران».

وختم المقاتلون القدامى نداءهم بالقول: «لأنه في الأوطان الغد دائما قريب، وسنجلس معا من كل الأطراف لنكمل عملية بناء الوطن والمجتمع، فلماذا نحرقها ونندم كما فعلنا نحن لأننا ابتعدنا عن فهم الآخر والاستماع إليه ومحبته»، مشددين على أن «التغيير ممكن كما نحن تغيرنا، فتعالوا نغلّب السلم على القتل والحوار بدل التقاتل والمحبة بدل الحقد».