مناهضو الفساد يتحولون إلى سياسيين في الهند

«حزب الرجل العادي» أبرز إفرازات النسخة الهندية من الاحتجاجات العالمية

شازيا إلمي مذيعة سابقة تحولت إلى سياسية مرشحة لانتخابات نيودلهي في نوفمبر المقبل
TT

كانوا يرتدون قبعات بيضاء صغيرة ويطلقون على أنفسهم «الرجال العاديون» ويضربون عن الطعام لعدة أيام ويرددون هتافات غاضبة ضد السياسيين في مظاهرات حاشدة مناهضة للفساد قبل عامين. إنهم الناشطون الذين يشمرون عن سواعدهم الآن ويغوصون فيما كانوا يحطون من قدره في الماضي ويصفونه بأنه بالوعة السياسة الهندية.

تعد الانتفاضة ضد الفساد التي هزت البلاد في عام 2011 النسخة الهندية من احتجاجات «الربيع العربي» وحركة «احتلوا وول ستريت» معا، ولكن على عكس المتظاهرين في الحركات الاحتجاجية الأخرى التي يؤججها غضب الطبقة المتوسطة، بما في ذلك الاضطرابات الأخيرة في تركيا والبرازيل، يقول المحتجون الهنود إنه لا يمكنهم أن يظلوا بلا انتماء لكيان سياسي، ولذا أقدموا العام الماضي على تأسيس حزب سياسي يحمل اسم «حزب الرجل العادي»، وهو الحزب الذي سيخوض الانتخابات التشريعية لمدينة نيودلهي للمرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وخلال الشهر الماضي، أعلن الحزب عن قائمة لمرشحيه في تلك الانتخابات تضم 11 مرشحا، من بينهم مهندس وعامل بشركة للتأمين على السيارات ومالك محل حلوى ومحام في مجال حقوق الإنسان ومدرب للياقة البدنية وصحافي سابق بالتلفزيون. وخلال الأسابيع القادمة، سوف يعلن الحزب عن أسماء 59 مرشحا لخوض الانتخابات التشريعية على 70 مقعدا.

وحتى يتمكن من اختيار مرشحيه بالشكل الصحيح، يعتمد الحزب على التعهيد الجماعي، أي أنه يطرح عشرات الأسئلة في الحدائق العامة، ويتحقق من أن المرشحين ليسوا متورطين في إجرام أو فساد، وينشر ملفاتهم الشخصية عبر الإنترنت لمعرفة ردود فعل الناس. ويقول النشطاء إن هذه الخطوة هي تجربة لتنظيف السياسة الهندية، التي يكثر بها السياسيون المجرمون، ولكنها أيضا بمثابة اختبار للنشطاء الهنود الذين يحاولون الانتقال من مرحلة المثالية السهلة في احتجاجات الشارع إلى البراغماتية الصعبة في الانتخابات.

وقال غولاب سينغ ياداف، وهو مالك محل حلوى ومرشح على قائمة الحزب ويبلغ من العمر 34 عاما: «لا يمكننا أن نظل محتجين دائما، وأن نستمر في الانتقال من إضراب عن الطعام إلى إضراب آخر. يتعين علينا أن نخنق وحش الفساد ونحن داخل النظام، لا أن نحاول سحبه من أذنه ونحن بالخارج».

ووفقا لقواعد الحزب، يجب على جميع المرشحين أن يتعهدوا بأنه إذا تم انتخابهم فإنهم لن يقبلوا مزايا إضافية مثل المساكن الحكومية أو الاستعانة بأفراد أمن من الشرطة أو الحصول على سيارات ذات إضاءة حمراء، وهو ما يعد بمثابة رمز للنفوذ السياسي هنا.

وخلال الأشهر الأخيرة، كافح النشطاء المتحولون إلى سياسيين من أجل احتلال عناوين الأخبار والحصول على الدعم بالشكل الذي كانوا يتمتعون به عام 2011، عندما حاول المتظاهرون إجبار الحكومة على تمرير نسختهم الخاصة من قانون التحقيق في قضايا الكسب غير المشروع. في ذلك الوقت، سخر الكثير من السياسيين في الحزب الحاكم من النشطاء وطلبوا منهم أن يتوقفوا عن إملاء القرارات وهم في الشارع وأن يخوضوا الانتخابات بدلا من ذلك.

خلال العام الماضي، عندما مل الهنود من الإضرابات التي لا نهاية لها، قام الكثير من النشطاء بإنشاء «حزب الرجل العادي»، وهي الخطوة التي أدت إلى حدوث حالة من الانقسام داخل صفوف المحتجين في نهاية المطاف.

وعلى مدى بضعة أشهر، أثار هذا الحزب غضبا شعبيا عارما مرة أخرى من خلال تنظيم سلسلة من الفعاليات الكبرى لكشف ملفات الفساد، غير أن شبكات التلفزيون قد أصحبت تتوخى الحذر من تغطية تلك الأحداث بسبب قلقها من مواجهة دعاوى تشهير من الساسة والشركات التي تتحدث عنها تلك الفعاليات. وخلال العام الحالي، عندما ركز أعضاء الحزب على ارتفاع أسعار الكهرباء وطالبوا الفقراء بالتوقف عن دفع فواتير المياه والكهرباء، لم تلتفت وسائل الإعلام المحلية لذلك كثيرا وظلت صامتة. والآن، يعتمد الحزب بصورة شبه كاملة على وسائل التواصل الاجتماعية ورسائل الفيديو المصورة عبر موقع «يوتيوب». وعن ذلك يقول باوان خيرا، وهو السكرتير السياسي لحاكمة ولاية نيودلهي شيلا ديكشيت منذ عام 1998: «كان هناك تسرع في قرار التحول إلى السياسة. لقد شعروا بالذعر عندما بدأت الاحتجاجات تفقد زخمها شيئا فشيئا. لقد انفجرت الفقاعة ولا يمكن إعادتها مرة أخرى».

ومنذ كشف الكثير من فضائح الفساد في الحكومة المحاصرة التي يتزعمها رئيس الوزراء مانموهان سينغ، والنشطاء يتحدثون عن فواتير المياه والكهرباء والمصارف المفتوحة وأكوام القمامة وأمن وسلامة النساء.

وقالت سانتوش ديساي، وهي كاتبة رأي في نيودلهي: «هذا تحول ضروري وصعب بالنسبة للنشطاء، الذين يحشدون الأصوات الواحد تلو الآخر بدلا من الهبوط بمظلات على الساحة السياسية من خلال احتجاجات بالشارع. ثمة حاجة لبديل سياسي جديد، ولكن هناك فرقا كبيرا بين (يجب دعم هذا وسوف أمنح صوتي لهذا)».

ويقول منتقدون إنه يتعين على النشطاء أن يتخلوا عن غضبهم الشديد وسلبيتهم إذا كانوا يريدون الحصول على أصوات في الانتخابات. وكان حزب الرجل العادي قد وزع ملصقا دعائيا الأسبوع الماضي يحذر فيه من أن حالات الاغتصاب ستزيد في المدينة إذا لم تتم الإطاحة بالحكومة، وهو ما زاد من الانتقادات الموجهة للحزب.

وقال أرفيند كيغريوال، وهو قائد الحزب وصاحب قرار التحول إلى المعترك السياسي: «لماذا يتعين علينا ألا نشعر بالغضب، وأن نتوقف عن أن نكون نشطاء؟ كان يتعين على أهل السياسة أن يصبحوا هم النشطاء، ولكنهم نسوا ذلك. نحن هنا لنعيد تعريف السياسة، ولا نلعب وفق القواعد التي وضعها الساسة الفاسدون».

وفي أحد الأيام الأخيرة، تجول محمد سليم، وهو سائق عربة صغيرة يأمل أن يتم اختياره كمرشح للحزب، حول الأحياء الفقيرة لوضع ملصقات للحملة الانتخابية للحزب على جدران المنازل. خرج جيرانه واحدا تلو الآخر من منازلهم وهم يرتدون قبعات بيضاء صغيرة مكتوب عليها «أنا رجل عادي»، وانضموا إليه.

وقال شيام غوبال غوبتا، وهو أحد جيران سليم ويعمل في بيع أحذية السيدات: «أنا أريد سياسيا يمكنني التواصل معه بعد فوزه في الانتخابات، وليس شخصا يختفي بعدما يحصل على أصواتنا». وأضاف غوبتا، 43 عاما: «لا يمكن تصور أن يتم السماح لشخص مثلي بالترشح للانتخابات على قائمة حزب سياسي. السياسة يسيطر عليها الأثرياء وأصحاب السلطة الغاشمة في بلادنا».

وحتى تكون سياسيا ناجحا، يجب أن تكون لديك مهارة كبيرة في فن الكلام. وتقول شازيا إلمي، وهي مذيعة تلفزيونية سابقة وناشطة سياسية: «كلمة سياسي أصبحت اليوم سبة ومرادفا لكل شيء خطأ. أشعر بالخجل عندما ينظر إلي الناس ويقولون لقد جاءت السياسية. أخبرهم أنني سياسية ضد النمط المعروف من السياسيين. في الواقع، يتعين علينا أن نعيد تعريف كلمة سياسي.

* خدمة «واشنطن بوست»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»