بديع يظهر وسط حشود الإسلاميين ويطالب الجيش بترك السياسة والعودة للثكنات

حالة ارتباك وتذمر تسود بين مؤيدي الرئيس المعزول وقيادات الإخوان تحاول احتواء الموقف بظهور مرشد الجماعة

طائرة هليكوبتر تابعة للقوات المسلحة المصرية تحوم فوق رؤوس المتظاهرين قرب القصر الجمهوري وسط القاهرة أمس (أ.ب)
TT

سادت حالة من الارتباك والشعور باليأس محيط مسجد رابعة العدوية، حيث يعتصم مؤيدو الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وكشفت مصادر مطلعة عن أن ظهور قيادات رئيسة في جماعة الإخوان المسلمين وعلى رأسهم المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع، مساء أمس في الميدان كان بمثابة محاولة لدرء حالة التذمر واليأس التي سادت صفوف شباب الإسلاميين الموجودين في محيط الميدان في «جمعة الرفض» بسبب غياب القيادات الإخوانية عن الاعتصام في النصف الأول من النهار.

وعزز من حالة الارتباك والغموض بالميدان تصريحات لرئيس مجلس الشورى السابق، القيادي بحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، الدكتور أحمد فهمي، والتي أكد فيها أن: «الجيش المصري خط أحمر ولا يمكن أن تصدر ضده أعمال عنف من أي جهة من الجهات». وتابع في تصريحات له أمس، أن القوات المسلحة هي درع الوطن، وأن أي مساس بالجيش المصري ستكون له آثار كارثية على الجميع، وأن التظاهر السلمي هو حق مكفول، ولكن يجب أن لا يقر مثل هذا التظاهر أي أعمال عنف أو مهاجمة لأي من مرافق تابعة للدولة.

وأحدثت هذه التصريحات جدلا واسعا بين شباب الإخوان في ميدان رابعة، حسب قول أحد المعتصمين في ميدان رابعة العدوية. وطالب الدكتور محمد بديع مرشد الإخوان في كلمته القوات المسلحة بترك السياسة والعودة للثكنات، قائلا: «نحن نعيد حقوق المصريين من محاولة دنيئة لسرقتها، والله أكبر، وسنأتي بالرئيس محمد مرسي على أكتافنا وسنفديه بأرواحنا، وأقول لجيشنا العظيم أنت الذي تحمينا من أعدائنا، فلا تطلق رصاصة على شعبك، فأنت أشرف من هذا، ونحن نفديك وأنت تفدينا، كما كنتم بجانب الثورة وجيشنا في القلب، ونحن في جماعة الإخوان المسلمين تعرضنا للمحاكم العسكرية لمدة 15 سنة».

وخاطب بديع الجيش: «تعودون إلى السياسة الآن، وقمتم بعزل الرئيس مرسي، ثورتنا سلمية وستظل سلمية، سلميتنا أقوى من الدبابات والرصاص.. فمصر لن تشهد حكما عسكريا بعد اليوم». وقال: «ستبقى الملايين في كل الميادين، لكي نحمي رئيسنا المنتخب محمد مرسي ونحمله على أعناقنا». كما وجه بديع كلمة للدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، قائلا: «أنت رمز ولا يمكن أن تحتكر الخطاب باسم الشعب».

ومن جهتها، قالت كوادر شبابية في جماعة الإخوان المسلمين داخل اعتصام رابعة لـ«الشرق الأوسط»، إن «المنصة الرئيسة في الميدان تحرض على العنف من خلال أشخاص يدعون أنهم مشايخ ودعاة وقيادات غير معروفة في الأحزاب الإسلامية، بعد أن اختفت تماما عن المشهد القيادات والكوادر الإسلامية المعروفة التي دعت لمواصلة الاعتصام منذ 8 أيام».

ووقعت اشتباكات بين المتظاهرين المؤيدين للرئيس المعزول وقوات تأمين دار «الحرس الجمهوري» في شارع صلاح سالم (شرق القاهرة) أمس، أسفرت عن مقتل متظاهر وإصابة 65 آخرين، في محيط دار الحرس، وقال العقيد أحمد محمد علي، المتحدث العسكري للقوات المسلحة، إن «قوات الجيش لم تطلق النار على مؤيدي الرئيس المعزول في القاهرة، بل استخدمت طلقات صوت وغازات مسيلة للدموع».

وفي حين انطلقت عقب صلاة الجمعة أمس عشرات المظاهرات في بعض المدن والقرى بمصر أطلق عليها «جمعة الرفض»، رفضا لما سموه الانقلاب العسكري وتأييدا للشرعية الدستورية، جابت مسيرات بعض أحياء القاهرة والجيزة وصولا إلى ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة (شرق وغرب القاهرة) تقدم أحدها الدكتور باسم عودة وزير التموين السابق.

وفي ميدان رابعة العدوية تجمع المتظاهرون الذين غلب عليهم أعداد قادمة من أقاليم مصرية مجاورة للقاهرة لإظهار أكبر تأييد للرئيس مرسي، وهتفوا قائلين: «ارحل يا سيسي.. مرسي هو رئيسي»، «اللهم حرر مرسي من الطغاة.. وثوار أحرار هنكمل المشوار»، «يا سيسي قول الحق.. مرسي رئيسك ولا لأ.. الشرعية خط أحمر»، «الشعب المصري قالها قوية.. مرسي رئيس الجمهورية»، «يمشي يمشي يمشي ليه.. هو مبارك ولا إيه».

وألقى الدكتور صلاح سلطان، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف، خطبة الجمعة للمعتصمين بمحيط رابعة العدوية، ندد فيها بالانقلاب على الرئيس المعزول. وقام المعتصمون بميدان رابعة العدوية عقب صلاة الجمعة بأداء صلاة الغائب على شهداء الشرعية بمحافظات مصر، كما نظم المتظاهرون استعراضا لألعاب «الكاراتيه» ورياضات «الكونغ فو» و«كمال الأجسام»، مستخدمين شعارات مؤيدة للرئيس المعزول.

وسط أغان وأهازيج إسلامية تؤيد مرسي وتتغنى باسم الشرعية، استغل عدد من الشيوخ غير المعروفين وجودهم في المظاهرة وراحوا يخطبون في المتظاهرين بحثهم على العنف. لكن كوادر شبابية داخل رابعة العدوية اشتكوا من ترك القيادات الكبيرة الداعية للاعتصام للميدان، وقال هاني سيد (أحد شباب جماعة الإخوان): «هناك شحن متزايد من عدد من المشايخ غير المعروفين للمعتصمين في رابعة العدوية وتوجيه الدعوة لهم بشكل مباشر إلى الموت لدعم شرعية الرئيس مرسي، وهناك تعمد منهم لتهييج الشباب وبث أخبار مغلوطة، بعدها يقومون بمغادرة الميدان مباشرة».

وكشف سيد (30 عاما) عن أن اليأس يضرب الشباب الموجودين في رابعة العدوية والبعض منهم يشعر بأنه مجرد «كبش فداء» لقيادات التيارات الإسلامية، لافتا إلى أنه «لم يظهر أحد من الكوادر أمس في مظاهرة (الرفض).. والجميع يدفعنا للصدام مع قوات الجيش».

ويتداخل مع هاني سيد أحد الكوادر الشبابية في الجماعة الإسلامية والذي فضل عدم ذكر اسمه، قائلا إن «منصة رابعة العدوية تكرر طوال الوقت أن هناك مسيرة قادمة للميدان يقودها الشيخ السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل المرشح المستبعد من الرئاسة، وأخرى يقودها القيادي بالجماعة الإسلامية عاصم عبد الماجد، وثالثة يقودها القيادي في الجماعة الإسلامية طارق الزمر، ولكن لا أحد يأتي»، مضيفا: «إننا عندما نسأل عن موعد وصولهم نفاجأ بصوت على المنصة يؤكد أنهم قادمون في موعد لاحق وموجودون في مكان آمن».

وتابع: «إن هناك رغبة لدى الشباب بالرحيل عن ميدان رابعة العدوية خوفا على أرواحهم وأسرهم.. خاصة بعد إقدام الكثير من الشباب للتضحية بنفسه أمس، أمام الحرس الجمهوري بعد أن ظهر الداعية صفوت حجازي لثوان على المنصة الرئيسة بميدان رابعة ودعا الشباب للموت بشكل مباشر أمام الحرس الجمهوري لإخراج الرئيس مرسي.. واختفى بعدها». ولفت الكادر الإخواني إلى «أن من ذهبوا من الشباب في مسيرة الحرس الجمهوري، أكدوا أن صفوت حجازي ترك المسيرة التي حث فيها الجميع على الموت»، موضحا أيضا وجود حالة من اللغط بين الشباب حول البقاء في الميدان خاصة بعد تصريحات رئيس مجلس الشورى السابق، بدعم الجيش. وتساءل الشاب الإخواني: «كيف يدعونا لمواجهة الجيش ورفض وزير الدفاع.. ورئيس الشورى وهو قيادي بارز في الإخوان يمدح الجيش؟».

وقالت المصادر المطلعة التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، إن «إقدام بعض الشباب عن مغادرة الاعتصام دعا إلى ظهور مفاجئ للدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة على المنصة الرئيسة، رغم أنه لم يقل جديدا عن الشعارات التي تسود الميدان، وكذا ظهور المرشد العام لجماعة الإخوان الذي أثنى على جيش مصر، وظهور محمد البلتاجي القيادي بحزب الحرية والعدالة أمام مقر الحرس الجمهوري، معتبرة أن ظهورهم جاء متأخرا لشد همم الشباب».

وفي بور سعيد، خرج المئات في مسيرتين، وقال محمد زيدان أحد المشاركين: «سندافع عن الشرعية بكل قوتنا ولن ننصرف من ميدان مصر حتى يعود الرئيس مرسي».

وفي الإسكندرية، وقعت اشتباكات عنيفة بين مؤيدي الرئيس المعزول، والذين تهجموا على ميدان سيدي جابر، وقاموا بضرب بعض المتظاهرين المحتشدين بالميدان، بإطلاق الخرطوش وقنابل الغاز المسيلة للدموع، مما أسفر عن سقوط عشرات المصابين.

وفي مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، أصيب 22 شخصا في اشتباكات بين مؤيدي الرئيس المعزول والأهالي، وقال شهود عيان، إن «الاشتباكات شهدت استخدام أسلحة نارية».

وفي أسيوط بصعيد مصر، تظاهر المئات يتقدمهم الشباب، حاملين أكفانهم على أيديهم، وآخرون يحملون ألواحا كتب عليها «شهيد تحت الطلب»، مرددين «مرسي رئيس الجمهورية.. رغم أنف البلطجية.. رغم أنف الدستورية.. رغم أنف الليبرالية.. رغم أنف العلمانية».