الأزمة السورية تضع «الجيش اللبناني» في موقف صعب

ينتشر في نقاط التوتر المتنقلة.. وزيادة عديده وتسليحه أبرز احتياجاته

TT

يأتي إعلان الإدارة الأميركية عن نيتها زيادة مساعداتها العسكرية للجيش اللبناني في لحظة حاسمة بالنسبة للجيش الذي يخوض معارك داخلية بغية الحفاظ على الاستقرار في عدة مناطق لبنانية، فضلا عن مواجهته تحديات أمنية وسياسية، أبرزها منعه تمدد «نار» الأزمة السورية إلى لبنان، والرد على الاتهامات الموجهة ضده بالكيل بمكيالين تجاه المسلحين، ففي حين اتخذ إجراءات قاسية ضد المسلحين السنة، يتغاضى عن انتقال مسلحي حزب الله باتجاه سوريا وسلاحه الظاهر في لبنان.

ولم يكن الجيش اللبناني يوما موضع تشكيك من أطراف لبنانية، قبل اندلاع الأزمة السورية. ففي العقد الماضي، خاض الجيش اللبناني حربا ضروسا ضد إسلاميين متشددين في شمال لبنان، متسلحا بتأييد كبير من أكثر الأحزاب السياسية السنية نفوذا على الساحة اللبنانية. وفي عام 2000، دعم رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري الجيش في حربه ضد متشددين في سير الضنية في الشمال. وفي عام 2007، خاض حربا ضد جماعة «فتح الإسلام» المتشددة في مخيم نهر البارد في شمال لبنان في عام 2007، مدعوما بتأييد رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري.

لكن الأحداث الماضية قبل أسبوعين في عبرا، وضعت الجيش محل اتهام. وإثر مداهماته وفرضه إجراءات أمنية في صيدا، اتهم الجيش بتنفيذ حملة اعتقالات عشوائية بحق أبناء المدينة، و«شباب السنة»، فضلا عن مطالبته بتوضيح ملابسات مشاركة حزب الله الميدانية في العملية. ورفع مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان مطالبته بوقف الاعتقالات، بحضور رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة الذي سلم، والنائبة بهية الحريري، مذكرة إلى رئيس الجمهورية تتضمن إيضاحات حول مشاركة الحزب ووقف الاعتقالات، خصوصا بعد مقتل معتقل من صيدا، كان سلم نفسه للجيش حيا.

وبينما بدت مطالبة تيار المستقبل بالتوضيح هادئة، بدت لهجة الإسلاميين صدامية. وعبر عن هذا الموقف الداعية الشيخ سالم الرافعي، الذي قال: «إننا نشعر بأن الطائفة السنية مهمشة ويريدون إذلال شبابها»، متهما «الجيش بأنه تواطأ مع حزب الله لقتل الشباب» في عبرا. ورأى أن «ما جرى في عبرا تنفيذ لمخطط إيران». لكن وزير الدفاع اللبناني أوضح أن «القرارات تؤخذ شورى بين قيادة الجيش وحكومة تصريف الأعمال». وقال: «إن لبنان بحاجة إلى تفاهم سياسي لتدارك خطورة تفشي ظاهرتي الإرهاب والتطرف»، لافتا إلى أن «الأيام الآتية صعبة على لبنان». وأعرب غصن عن قلقه من «حملة التشكيك التي تطال الجيش اللبناني»، مؤكدا أن «الجيش جامع لا يحسب على طرف ولا يسمح بأي تدخل يمس أمن البلد».

التحدي الأبرز الذي يواجهه الجيش اللبناني في هذا الوقت، هو منع تمدد نار الأزمة السورية إلى الأراضي اللبنانية. ويقول رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الدكتور هشام جابر لـ«الشرق الأوسط» إن «الإخلال بالوضع الأمني في لبنان ونقل الأزمة السورية إليه، يعمل الجيش على منعه»، مشيرا إلى أن «المؤسسة مكلفة بحفظ الاستقرار، بعيدا عن التجاذب السياسي، فضلا عن أنها تمثل الوطن بأكمله».

ويضم الجيش اللبناني نحو 40 ألف ضابطا وعنصرا، يتوزعون على ألوية وأفواج مقاتلة، ووحدات لوجيستية. وتترأس مراكزه القيادية، شخصيات عسكرية تأخذ بعين الاعتبار المحاصصة الطائفية، بحيث يترأس قيادة الجيش أعلى الضباط الموارنة رتبة، في حين يترأس قيادة الأركان أعلى الضباط الدروز رتبة. كما يقود مديرية المخابرات، ضابط من الطائفة المارونية. ويحل في موقع نائب قائد الأركان في الجيش، 4 ضباط يتولون مناصب نائب قائد الأركان للعمليات، والدعم اللوجيستي، والتجهيز، والكثير. ويتوزع هؤلاء على أربع طوائف، 2 منهم مسلمان، هما السنة والشيعة، و2 مسيحيان. أما قيادة المناطق العسكرية الخمسة في لبنان، وهي قيادة منطقة بيروت، وجبل لبنان، والشمال، والبقاع والجنوب، فيجري توزيعهم باحترام التوازن الطائفي.

ويأخذ الجيش بعين الاعتبار التوزيع الطائفي في ضم الضباط إليه، مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، في حين كسرت هذه القاعدة في ضم الأفراد والرتباء. وتبلغ النسبة التقديرية للمسلمين داخل المؤسسة العسكرية نحو 65 في المائة من عديده، يتوزعون بين السنة والشيعة والدروز، في حين تبلغ نسبة المسيحيين نحو 35 في المائة. ويقول جابر، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني، إن انكسار التوازن الذي يعتمد المناصفة بين العديد، يعود إلى إحجام المسيحيين عن الانضمام بأعداد كبيرة إلى المؤسسة العسكرية، مقابل رغبة كثيفة بالانضمام من قبل المسلمين «ما يجعل التطويع في الجيش يتم بالقطارة بهدف حفظ التوازن الطائفي داخل المؤسسة»، على الرغم من أن الجيش «يحتاج إلى عدد كبير من المتطوعين». وبحسب جابر، فإن النقص بالعديد، يعد مشكلة حقيقية في الجيش، إلى جانب التسليح، خصوصا بعد إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية قبل سنوات، والتي كانت ترفد المؤسسة بمجندين يتراوح عددهم بين 5 و8 آلاف مجند سنويا.

وتحولت مهام الجيش، خلال العامين الآخرين، إلى مهام أمنية داخل الشارع اللبناني، بحيث بات «ضابط أمن واستقرار في الداخل»، إذ تنفذ وحداته انتشارا كثيفا في نقاط التوتر المتنقلة في شوارع رئيسة في بيروت، فضلا عن جهوزيتها في المناطق الحدودية مع سوريا، إضافة إلى تمركزها في مدينة صيدا التي شهدت اشتباكات قبل أسبوعين مع مسلحين تابعين للشيخ أحمد الأسير، وتنفيذ الجيش انتشارا واسعا في طرابلس التي شهدت أكثر من 25 جولة عنف بين محوري باب التبانة وجبل محسن.

وتعد هذه المهام مرهقة إلى حد كبير بالنسبة للجيش، بتركيبته الحالية إذا ما استمرت فترة زمنية أطول. ويوضح رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الدكتور هشام جابر، أن «الدخول إلى الزواريب الضيقة لملاحقة المسلحين، ليست من مهام الجيش، بل من اختصاص قوى الأمن الداخلي»، مشيرا إلى أن الجيش اللبناني «يستطيع حل المشكلات الأمنية وليس من مهامه حل المشكلات السياسية التي تؤدي إلى التوترات الأمنية، كون حلها من اختصاص الحكومة».

ويقوم الجيش بمهام قوى الأمن التي يبلغ عديدها 27 ألف ضابط وعسكري، وهو رقم لا يعول عليه في لبنان لتعدد مهامها، من حراسة الشخصيات إلى الأدلة الجنائية، وصولا إلى ملاحقة المجرمين والمخلين بالأمن، على الرغم من أن الحراسة تستهلك، بحسب خبراء، عددا كبيرا من أفراد ورتب القوى الأمنية، نظرا للمخاطر المترتبة على الشخصيات السياسية.

وتواجه المؤسسة العسكرية مشكلة التسليح، وقد أعلن وزير الدفاع اللبناني في حكومة تصريف الأعمال فايز غصن، أن بعض الأسلحة التي ضبطت مع مسلحين لبنانيين، تفوق بتطورها ما يمتلكه الجيش اللبناني، في إشارة إلى مسلحين قاتلوا في اشتباكات صيدا الأخيرة، فضلا عن تسليح حزب الله. وتوقف تسليح الجيش اللبناني، منذ عام 1985 حين عقد الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل صفقة تسليح للجيش مع الولايات المتحدة الأميركية، رفدت الجيش حينها بدبابات وناقلات جند مجنزرة ومدفعية، فضلا عن أسلحة فردية ورشاشات متوسطة. ويقول جابر إن الجيش اللبناني «جيش كلاسيكي، يحتاج إلى خطة تسليح شاملة، تتضمن أسلحة برية متطورة، وسلاح جو وسلاح بحرية». ويضيف: «منذ 30 عاما، لم يسلم الجيش اللبناني أكثر من قطع مدفعية خفيفة، وآليات عسكرية برية حصل عليها من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى سلاح فرنسي مضاد للدروع».

ويشير جابر إلى أن «سلاح الجو اللبناني ضعيف جدا، حيث يملك عددا لا يذكر بمن الطائرات المروحية التي تستخدم كناقلات جند وطائرات استطلاع، أما سلاح البحرية، فهو قديم جدا، ولم يجدد إلا بزوارق عسكرية بريطانية في التسعينات». ويشير إلى أن احتياجات التسليح للجيش، تناهز الـ5 مليارات دولار، كونه يحتاج إلى أسلحة برية متطورة، ومنظومات دفاع جوي لحماية سلاح البر.

ولا يعرف عن الجيش اللبناني، منذ توحيده في عام 1991، أي انقسام مناطقي أو طائفي. وتتشكل التشكيلات الميدانية للجيش بين المناطق اللبنانية بأكملها، في حين يحظر الجيش على عناصره وضباطه تناول أي حديث سياسي أو طائفي، ويمنعون من المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية. ويقول جابر إن «التوجيه المعنوي الجيش، هو وطني بعيد عن الطائفية والسياسة»، لافتا إلى أن عديده يخضعون لرقابة مستمرة، منعا لأي تجاوز أو انحياز»، مؤكدا أن «الأخطاء الفردية يحاسب عليها الجيش». وعلى الرغم من ذلك، خضع الجيش لاختبارين كبيرين خلال العامين الماضيين، حيث اتهم بالانحياز لصالح فريق لبناني ضد آخر، كما اتهم بأنه مخترق من قبل حزب الله. الاختبار الأول، ظهرت معالمه بعد حادثة مقتلين شيخين سنيين على حاجز للجيش في منطقة الكويخات في عكار، شمال لبنان، قبل عام ونيف، والاختبار الثاني، جاء إثر عملية عسكرية قام بها الجيش في عبرا شرق صيدا في جنوب لبنان، سيطر خلالها على مربع الشيخ أحمد الأسير الأمني.

ويرفض جابر، «كابن المؤسسة العسكرية»، الاتهامات بحق الجيش، قائلا إن «القائد الأعلى للجيش هو رئيس الجمهورية، ولا أعتقد أنه على علاقة ممتازة مع حزب الله في هذه المرحلة»، كما أن «قائد الجيش العماد جان قهوجي «ليس من مدرسة الحزب العسكرية ولا طائفته»، كذلك «قائد الأركان ليس من فريق حزب الله السياسي». ويرى أن الجيش «يحافظ على كفاءته القتالية وهيبته ومعنويات مقاتليه»، معربا عن اعتقاده أنه «ما دامت الأوضاع في سوريا كما هي، فإننا نتوقع أن تترجم أحداث عسكرية متنقلة في لبنان، وخصوصا أن هناك انقساما سياسيا حادا في لبنان على خلفية الأزمة السورية».