ساركوزي يعود إلى الواجهة بعد رفض المجلس الدستوري تسديد نفقات حملته

صراع بين اليمين واليسار على خلفية تنامي الفضائح المرتبطة بالرئيس الفرنسي السابق

ساركوزي
TT

يعيش الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أياما عصيبة، فروائح الفضائح تلاحقه من مكان إلى مكان وهزيمته بوجه الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند لم ينجح بعد في هضمها. وآخر ما انصب على رأسه من مصائب قرار المجلس الدستوري الذي رفض الموافقة على كشف حساب حملته الانتخابية العام الماضي بسبب تخطيها السقف المحدد بموجب القانون مما يعني حرمان حزبه «الاتحاد من أجل حركة شعبية» من نحو 11 مليون يورو.

بعد 13 شهرا من خروجه من قصر الإليزيه، يبدو ساركوزي محاصرا. وذهب مستشاره الخاص أيام الرئاسة هنري غينو إلى اعتبار أن ما يعانيه من ملاحقات «يفوق الطاقة البشرية عل التحمل». أما وزير الداخلية السابق وصديق ساركوزي الأقرب بريس هورتفو، فقد أعلن أن الأخير أصبح «هدفا لكل السلطات». ويعدد غيون «الفضائح» التي يرتبط اسم ساركوزي بها وهي كالتالي:

فضيحة تمويل حملته الرئاسية لعام 2007 من قبل العقيد القذافي والنظام الليبي، وفضيحة استغلال ليليان بيتانكور، ثرية فرنسا الأولى ماليا، وفضيحة استخدام العمولات المالية المتأتية عن صفقة بيع غواصات لباكستان، وعلاقته برجل الأعمال برنار تابي والتعويضات الكبيرة التي حصل عليها.

حتى الآن، بقي ساركوزي نوعا ما بعيدا عن الخوض العلني في الجدل الذي يثيره إرثه والفضائح المرتبطة باسمه معتمدا في الرد على أصدقائه السياسيين وعلى محاميه. بيد أن رفض المجلس الدستوري الموافقة على حسابات حملته الانتخابية وهي سابقة من نوعها لم يعرف طعمها المرير أي من الرؤساء السابقين أو أي من الذين نجحوا في الوصول إلى المرحلة الثانية من التنافس الانتخابي دفعت ساركوزي إلى التخلي عن «تحفظاته» والعودة إلى الحلبة السياسية مباشرة وليس بالواسطة.

وفي هذا السياق، أكد ساركوزي استقالته من المجلس الدستوري الذي هو عضو فيه كونه رئيسا سابقا للجمهورية. وبرر استقالته بالرغبة في «استعادة حرية الحركة» بعيدا عن القيود التي يفرضها عليه انتماؤه إلى المجلس. وصباح أمس، وجه رسالة على موقع «فيس بوك» يؤكد فيها عودته إلى ساحة المعركة «للدفاع عن حرية التعبير الديمقراطي في فرنسا» وعزمه «تحمل مسؤولياته»، طالبا من الفرنسيين مساعدته. وفي الوقت عينه، أطلق رئيس حزبه جان فرنسوا كوبيه استكتابا وطنيا لجمع 11 مليون يورو كان على الدولة دفعها للحزب الذي تكلف 23 مليون يورو لحملة ساركوزي الرئاسية. وبما أن التجمع المذكور يعاني من صعوبات مادية، فإن قرار المجلس الدستوري يشكل، من جهة، صفعة سياسية لم يسبق لمرشح كبير أن عانى مثلها سابقا، ومن جهة ثانية عقابا ماديا ثقيلا على اليمين الذي يمني النفس باستعادة السلطة مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة.

وحقيقة الأمر أن أسباب التخطي تعود إلى اعتبار المجلس الدستوري أن ثمة نشاطات ولقاءات وزيارات قام بها ساركوزي في السنة الأخيرة من عهده بصفته رئيسا للجمهورية ولكنها في الواقع جزء من الحملة الانتخابية. ولأنها احتسبت كذلك، فإن سقف المصاريف تخطى المسموح به وهو 23 مليون يورو للمرشح الذي يصل إلى الدورة الثانية. وقال النائب اليميني أريك سيوتي إن قرار المجلس سيعني «تقصير ولاية الرئيس عاما كاملا» لأنه لن يستطيع المباشرة بأي نشاط سياسي في عامه الأخير. غير أن القضية الأخيرة تخدم ساركوزي بشكل غير مباشر، إذ إنه يستطيع استغلالها ليقدم نفسه «ضحية» للحكم الاشتراكي ولاستجرار عطف المواطنين.

فمباشرة عقب خروجه من قصر الإليزيه، انفجرت بوجهه فضيحة استغلال الحالة الذهنية لثرية فرنسا الأولى ليليان بيتانكور لتعود بعدها قضية حصوله على عشرات ملايين الدولارات من العقيد القذافي قبل عام 2007 ثم لتتفاعل فضيحة العمولات الباكستانية ودور ساركوزي لدى رئيس الحكومة الأسبق إدوار بالادور. وفي الوقت عينه، انصبت الفضائح المالية على رأس مساعده الأقرب في قصر الإليزيه كلود غيان.. الأمر انعكس على صورة ساركوزي نفسها وعلى صورة «الجمهورية المثالية» التي أراد بناءها.

هكذا تبدو الأمور بالغة التعقيد بوجه ساركوزي الذي يتوقع المتابعون أن تدفعه للعودة السريعة إلى الميدان السياسي من أجل مقارعة الاشتراكيين واليسار وربما لخوض المتنافسة الرئاسية في الدورة القادمة في عام 2017. وحقيقة الأمر أن هذا الحلم لم يترك أبدا ساركوزي، إذ سبق له أن قال إنه «لا يستطيع التهرب من مسؤولية إنقاذ فرنسا» التي تواجه مشكلات اقتصادية ومالية من الطراز الأول.

مرة بعد أخرى، لا يتردد ساركوزي في انتقاد خليفته في الإليزيه وأحيانا يستهدفه في أمور شخصية. ونقل عنه أصدقاؤه مؤخرا أنه وصف هولاند بـ«الشخص القصير المنتفخ البطن الذي يصبغ شعره» وأنه تساءل أمام مقربين منه: «هل تعرفون أشخاصا آخرين يصبغون شعورهم».

الواضح أن عقدة الكرسي تتحكم بساركوزي وأن التطورات الأخيرة ستسرع من عودته إلى حلبة الصراع رغم أن مثل هذه العودة لن تفرح أصدقاءه داخل حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» وفي صدارتهم رئيس الحكومة السابق فرنسوا فيون ورئيس الحزب الحالي جان فرنسا كوبيه وكلاهما يحلمان بالإليزيه.