مسيحيو إسرائيل يرفضون التجنيد العسكري

اعتبروه محاولة لتشكيل وعي قومي واحد

TT

أصدرت القيادات العربية المسيحية في إسرائيل، المنضوية تحت إطار «لجنة العدل والسلام التابعة لمجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأراضي المقدسة»، ومجلس الطائفة الأرثوذكسية في مدينة الناصرة ومجلس المؤتمر العام الأرثوذكسي، بيانات متتالية، أمس، ترفض فيها «الدعوة المشبوهة للجيش الإسرائيلي بتجنيد المسيحيين العرب»، وتعلن أن «التجند للجيش الإسرائيلي يناقض ضمير المواطن الفلسطيني في إسرائيل، كما يناقض ذاته الإنسانية».

وجاء في هذه البيانات أن الكنيسة المسيحية تربي أبناءها وبناتها على الخير وعلى المواطنة الصالحة في المجتمع، ولكنها ترفض أن يوضع المواطن العربي عموما، والمسيحي خصوصا، مقاتلا ضد أخيه الفلسطيني أو السوري أو اللبناني أو أي عربي تحاربه إسرائيل.

وكانت هذه القيادات ترد بذلك على طرح الموضوع في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) وخروج قوى اليمين المتطرف بحملة ضد الأحزاب العربية الوطنية لـ«فلسطينيي 48» التي ترفض الخدمة العسكرية وتدعو لمقاطعة من يمارسها.

والمعروف أن إسرائيل تستثني الشباب العربي من الخدمة الإجبارية في الجيش لأنها ليست معنية بأن يصبح خُمس جيشها (20 في المائة) من العرب، فهي تخشى أن يصبحوا أعداء لها من داخل جيشها. ولكنها استخدمت سلاح التجنيد لتفسيخ العرب وتشتيت وحدتهم، ففرضت التجنيد على شبان العرب الدروز في خمسينات القرن الماضي. وفي حينه، أقنعت قادة الطائفة من رجال الدين بأن هذه الخدمة ستؤدي إلى رفع مستوى معيشتهم وتحسين أوضاعهم ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي. وحرصت في الوقت نفسه على تجنيد مسلمين ومسيحيين كأفراد. ولكن المواطنين العرب لم يجندوا في الجيش ورفض قادتهم السياسيون التجنيد طيلة الوقت، مؤكدين أنهم ليسوا مستعدين «لأداء خدمة عسكرية في جيش يحارب شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية».

وقبل نحو الشهرين، عقدت مائة شخصية من رجالات السلطة الإسرائيلية العرب اجتماعا تحت شعار «البحث في أوضاع المسيحيين في البلاد». وظهر في الاجتماع الأب جبرائيل نداف، من كنيسة الناصرة الأرثوذكسية، وأعلن تفهمه لدوافع الشاب المسيحي الذي يختار أداء الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي بشكل فردي. وقال إن «على العرب في إسرائيل جميعا، والمسيحيين خصوصا، أن يكونوا مخلصين للدولة». وقد أثار القرار موجة غضب في صفوف المسيحيين الفلسطينيين، وقرر مجلس الطائفة في الناصرة مقاطعة هذا الكاهن. فاستدعت الشرطة رئيس المجلس، د. عزمي حكيم، للتحقيق بتهمة التحريض على الاعتداء على الكاهن المذكور. ثم قررت الشرطة إجراء تحقيق تحت التحذير لعضوين عربيين في الكنيست، هما النائبة حنين زعبي والنائب باسل غطاس، من حزب التجمع الوطني الديمقراطي، بنفس تهمة «التحريض الدموي على الكاهن نداف».

وقال بيان لجنة السلام الكاثوليكية، إن «إسرائيل ليست بحاجة إلى المزيد من الجنود في عصر التكنولوجيا الحربية، إلا أن الجيش بالإضافة إلى مهماته القتالية ضد شعبنا وأمتنا العربية، يعتبر بمثابة بوتقة تصهر جميع المواطنين على اختلاف فئاتهم من حيث العرق أو القومية، وتكون فيهم وعيا قوميا واحدا إسرائيليا صهيونيا. فالخدمة في الجيش هي الوسيلة لتنمية (أسرلة) الأقلية العربية، بحيث يصبح العرب عامة، والعرب المسيحيون خاصة، يرون هويتهم في إسرائيل، وليس في المجتمع العربي الفلسطيني».

وهناك اعتبار ثان في تجنيد الأقليات، ومنهم المسيحيون، هو أيضا تطبيق المبدأ «فرق تسد» على الأقلية العربية. والنتيجة الأولى لتطبيق هذا المبدأ هو تقسيم المجموعة العربية إلى طوائف متعددة، الطائفة الإسلامية والطائفة الدرزية والطائفة البدوية والطائفة المسيحية. وفي هذا التصنيف أولا فسخ لوحدة المجتمع العربي وهو باب للفتنة. وفي هذا التصنيف أيضا مبدأ «تقزيم» للديانة، إذ تصبح الديانة طائفة، والديانة غير الطائفة، بل هي واقع أسمى وأشمل. الديانة المسيحية ذات طابع شمولي وتدعو إلى المحبة وهي منفتحة وتعانق الجميع وليست مبدأ مخاصمة مع الآخرين أيا كانوا ولا هي انغلاق على الذات، بينما مفهوم الطائفة هو نقيض ذلك، هو انغلاق على الذات ومطالبة بمصالح الطائفة فقط، ومن هنا تصبح بسهولة مبدأ مخاصمة للآخر المختلف.

وحذرت اللجنة من أن «تجنيد المسيحيين اليوم، هو استمرار لمحاولة عزل المسيحيين ووضعهم في موقف معارض لسائر مكونات المجتمع الفلسطيني، مع أن بعض المسلمين كما أسلفنا قد انضم أيضا إلى الجيش. ومن ثم الكلام على تجنيد المسيحيين العرب بدلا من الكلام على تجنيد العرب عامة (مسلمين ومسيحيين) هي محاولة للتفريق بين مسيحيين ومسلمين في إسرائيل».