رياك مشار يعد نفسه لمنافسة رئيسه سلفا كير

جنوب السودان يستعد للاحتفال بالذكرى الثانية لاستقلاله وسط تحديات وحروب داخلية وتوترات

رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير.. وفي الإطار رياك مشار نائب الرئيس (إ.ب.أ)
TT

تحتفل جوبا عاصمة جنوب السودان اليوم بالذكرى الثانية للاستقلال، وهي تواجه تحديات كبيرة من تمرد داخلي وعلاقات متأرجحة مع جارتها الشمالية، وتنافس بين قادة حرب العصابات السابقين على قيادة خرجت من أطول حرب أهلية شهدتها القارة الأفريقية، في وقت أعرب فيه سلفا كير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان، عن أسفه، إزاء استمرار أعمال العنف في ولاية جونقلي، في ظل استقلال بلاده، بينما دعا رياك مشار نائب رئيس الدولة زعيمه سلفا كير إلى إفساح المجال للآخرين، بعد أن حكم البلاد قرابة الثمانية أعوام، وقال إن أوان التغيير قد حان.

وأعرب رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير ميارديت في بيان رئاسي أذاعه التلفزيون الرسمي للبلاد، أمس، عن أسفه الشديد إزاء استمرار أعمال العنف في ولاية جونقلي، وما يترتب عليها من آثار مدمرة على السكان والبنيات التحتية، وقال إن أكثر من 50 ألف مواطن نزحوا من ديارهم إلى الدول المجاورة، لا سيما إثيوبيا، التي لها حدود مع بلاده، داعيا إلى وقف النزاع وبسط السلام والأمن في المنطقة، وأشاد بقيادات حركة جيش تحرير جنوب السودان، بقيادة الجنرال جونسون أولينج، لتلبيتهم نداء السلام، الذي وجهه من قبل، مناشدا المتمرد ديفيد ياو ياو، إلى اتخاذ القرار الشجاع بالتخلي عن العنف وتلبية العفو الرئاسي، وقال إن حكومته أرسلت رسائل كثيرة إلى ياو ياو لتجنب المواجهات العسكرية، وتحكيم صوت العقل والتوجه نحو السلام، وشدد على أن الحكومة ترعب في تحقيق اتفاق سلام مع ديفيد ياو ياو.

من جانبه، كشف وزير الإعلام برنابا مريال بنجامين لـ«الشرق الأوسط» أن حكومته ستدخل في محادثات مع زعيم المتمردين في ولاية جونقلي ديفيد ياو ياو عبر اتصالات بدأتها مجموعات دينية وقيادات قبيلة (المورلي) التي ينتمي إليها ياو ياو، مشيرا إلى وجود تقدم كبير في عملية التواصل مع ياو ياو، وقال: «إنها مسألة وقت، وسيتم الإعلان عن نتائج هذه اللقاءات إلى الإعلام»، وتوقعت مصادر أن يتم الإعلان عن اتفاق مع ياو ياو في احتفالات العيد الثاني للبلاد غدا، وأضاف أن العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات المسلحة لجنوب السودان ستتواصل في كل شبر من أراضي البلاد في الوقت ذاته الذي تجري فيه مساعي العملية السلمية عبر الحوار مع المتمردين، وقال: «لقد تعلمنا من أخطاء الماضي، ولا نريد أن نكررها».

وتوصل السودان وجنوب السودان إلى اتفاق تعاون مشترك بينهما في سبتمبر (أيلول) الماضي، لحل قضايا الحدود ومرور نفط الجنوب عبر السودان إلى التصدير، غير أن الرئيس السوداني عمر البشير كان قد أمر بإغلاق الأنبوب الناقل للنفط عبر أراضيه لاتهامه جنوب السودان بدعم متمردين ضد نظامه، وعادت التوترات بين البلدين مجددا، أول من أمس، بعد اتهام جوبا للخرطوم بشن غارات جوية وبرية داخل أراضيها.

إلى ذلك، تواجه دولة جنوب السودان مع مشارف الذكرى الثانية لاستقلاها من دولة السودان تحديات كبيرة أمنية داخلية وخارجية مع جارتها في الشمال، إلى جانب تنافس بين قادة حرب العصابات السابقين، لا سيما بين رئيس الجمهورية سلفا كير ميارديت ونائبه المنافس الأقوى دكتور رياك مشار، الذي يطمح إلى الصعود لسدة الحكم في الانتخابات المقبلة، في عام 2015، بينما يتطلع كير إلى ولاية أخرى.

ووجه مشار تحذيرات مبطنة إلى زعيم جنوب السودان سلفا كير أوردتها صحيفة «غارديان»، في مقابلة أجرتها ونشرتها الأربعاء الماضي، وقال إنه يمكن أن يحل محل كير عبر الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2015، ويعتبر مشار من أقوى المنافسين في تولي الحكم، ولكن هناك تخوف من أن يقود التنافس بين الزعيمين إلى إشعال حرب جديدة ستكون مكلفة ومدمرة.

وكان كير، الذي واجه ثلاث محاولات انقلابية بعيد استقلال بلاده قد سحب صلاحيات كبيرة من نائبه مشار قبل أشهر، فسرها مراقبون بأنها بداية المواجهة بين الرجلين، وينتمي كير إلى قبيلة الدينكا، كبرى قبائل الجنوب، بينما ينتمي مشار إلى قبيلة النوير، ثاني القبائل في البلاد، وقد واجهت القبيلتان حروبا سابقة من قبل عندما انشق مشار في عام 1990 عن الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، التي كانت تخوض حربا ضروسا، ضد الخرطوم، استمرت لأكثر من 22 عاما، ووقع اتفاق سلام مع الحكومة السودانية في عام 1997 عرفت باتفاقية الخرطوم للسلام، وكانت الاتفاقية سببا في خوض حرب قبلية.

ونالت دولة جنوب السودان الاستقلال عبر الاستفتاء الذي أجري في عام 2011، وفقا لاتفاقية السلام الشامل الموقعة في عام 2005، التي نصت على إجراء الاستفتاء بعد نهاية الفترة الانتقالية التي امتدت لستة أعوام، وقد صوت الجنوبيون بأغلبية 98 في المائة لصالح الاستقلال.

وقال مشار في مقابلة مع صحيفة «غارديان» البريطانية إن رئيس بلاده سلفا كير لم يتمكن من تلبية توقعات الناس بعد انتهاء الحرب الأهلية (1983 - 2005) باتفاق السلام الشامل، مشيرا إلى أن كير استطاع أن يقود البلاد إلى الاستفتاء وتحقيق الاستقلال، وقال: «لكنه فشل في بناء مؤسسات قوية ومعالجة الفساد وإنشاء علاقة تعاون مع السودان»، داعيا منافسه إلى مغادرة كرسي الحكم، وأنه قد حان الوقت للذهاب بعد أن حكم لما يقارب عقدا من الزمان.

وقال مشار: «عندما يظل الرئيس في السلطة لفترة طويلة، يصبح من المحتم أن ينشأ جيل جديد»، وأضاف: «إنها عملية طبيعية لتجنب الاستبداد والديكتاتورية، فمن الأفضل التغيير»، وقال: «وقتنا محدود الآن لقد خدمت تحت قيادة سلفا كير وأعتقد أن الوقت قد حان للتغيير الآن»، مشيرا إلى أن كير عمل خلال الفترة الانتقالية في ظروف صعبة، وأدارها بنجاح في تنفيذ اتفاقية السلام، وإجراء الاستفتاء، وإعلان استقلال الدولة، وأنه تعاون معه في إنجاز هذه المهمة، وقال: «هذا إرث جيد للرئيس سلفا كير»، معربا عن أمله في أن يلقى الدعم من حزبه الحركة الشعبية الحاكمة الآن.

وقد ظلت قضية قيادة الحزب الحاكم وتحديد مرشحه للانتخابات الرئاسية التي ستجري في عام 2015 محل جدل مستمر، وفشل الحزب في التوصل إلى اتفاق حوله، وحدثت مواجهات بين قيادات المكتب السياسي للحزب الحاكم عندما تم فتح القضية، ويتخوف مراقبون من انقسام الحزب مجددا.