قيادة الجيش اللبناني توقف عسكريين متورطين في تعذيب معتقل بصيدا

بهية الحريري: لن نتنازل عن حقنا في معرفة ما حصل

TT

لم تتوقف التداعيات السياسية لاشتباكات مدينة صيدا في جنوب لبنان، التي وقعت قبل أسبوعين، بين الجيش اللبناني ومسلحين تابعين للشيخ أحمد الأسير، مع ظهور تسريبات مصورة جديدة، تتهم الجيش اللبناني بسوء معاملة المعتقلين. وجاء ذلك بموازاة إصرار عضو كتلة المستقبل النائب بهية الحريري على معرفة تفاصيل أحداث صيدا وأسبابها.

وكانت اشتباكات اندلعت في محلة عبرا، في مدينة صيدا، جنوب لبنان في 21 يونيو (حزيران) الماضي بين الجيش اللبناني وأنصار أمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، بعد مقتل ثلاثة عسكريين في نقطة أمنية مجاورة للجامع، من دون أن تتضح ملابسات الحادثة. وأدت الاشتباكات التي انتهت بمقتل 18 عسكريا وجرح مائة آخرين، إضافة إلى مقتل 20 من مقاتلي الأسير على الأقل، إلى سيطرة الجيش بالكامل على ما يعرف بمربع الأسير الأمني في عبرا. ولم يعرف بعد مكان وجود الأسير وأعوانه وفي مقدمهم الفنان المعتزل فضل شاكر.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، مقطع فيديو يظهر أشخاصا يرتدون ثيابا عسكرية، يعذبون أحد المعتقلين، قالوا إن الجيش اللبناني اعتقله بعد اشتباكات صيدا، وهو ما أكدته قيادة الجيش. التي أشارت في بيان نُشر على موقع الجيش اللبناني الإلكتروني إلى أنه «إزاء المشاهد التي تناقلها بعض المواقع الإلكترونية حول تعرض عدد من العسكريين لأحد الموقوفين في حادث عبرا بالضرب والإهانة، باشرت قيادة الجيش إجراء تحقيق حول الموضوع».

وذكرت أنها «أوقفت العسكريين أصحاب العلاقة، وهي بصدد اتخاذ أقصى العقوبات المسلكية والتأديبية بحق المتورطين»، مؤكدة أنها «لن تغضّ الطرف عن أي مخالفة من هذا النوع، بصرف النظر عن ظروفها وأماكن حصولها».

ويظهر مقطع الفيديو، البالغة مدته أقل من دقيقة، عددا من الجنود وهم يركلون شخصا ملقى على الأرض وموثوق اليدين، ويدوس أحدهم على ظهره ورأسه، إضافة إلى تفوههم بكلمات نابية، وسؤاله عن مكان وجود الأسير.

ويُعدّ هذا الفيديو الثاني الذي يتم تسريبه عن تعرض معتقلين للتعذيب بعد أحداث عبرا في مدينة صيدا، إذ بث ناشطون، الأسبوع الماضي، مقطعا يظهر آثار تعذيب على جسم المعتقل نادر البيومي، الذي تسلمت عائلته جثته بعدما سلم نفسه حيا للجيش. ولاقت الحادثة إدانات سياسية وحقوقية واسعة، حيث طالبت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، بإجراء تحقيق مستقل في معلومات عن مقتله «تحت التعذيب». وكانت قيادة الجيش أكدت أن «أي تجاوز أمني أو أخلاقي من قبل جندي أو وحدة عسكرية سيكون عرضة للتحقيق العسكري الداخلي، ولاتخاذ أقصى الإجراءات التأديبية».

تزامنا مع ظهور هذا الفيديو، وفي معرض إعلانها أن أهالي صيدا عاشوا «الوقت الأصعب» أثناء المعارك، واختبروا «الوجه الأكثر قسوة»، أكدت النائبة عن مدينة صيدا بهية الحريري أننا «لن نتنازل عن حقنا في معرفة كل ما حصل، ولن نسمح بالقانون لأي متجاوز للقانون، لأي مؤسسة انتمى، أو لأي جهة انتمى».

وقالت من طرابلس، حيث كان لها، أمس، سلسلة لقاءات ونشاطات: «جئت إلى هنا أحمل معي خوف كلّ أهالي صيدا والجوار، الذين من حقهم أن يذهبوا إلى القضاء ليدعوا، سنلجأ إلى القضاء كلما شعر المواطن أنه أهين تحت إشراف دولته»، داعية المحامين إلى «تشكيل تجمعات حقوقية». وأكدت أنها لن تسمح «للدولة بأن تتنازل عن مسؤولياتها تجاه الناس».

في موازاة ذلك، تجدد الجدل، أمس، حول دور «سرايا المقاومة» في أحداث صيدا، وموقع المسلحين التابعين للسرايا، التي أنشاها حزب الله عام 1998، من المعادلة الصيداوية، في وقت تتسع فيه دائرة المطالبة بإزالة كل المظاهر المسلحة «غير الشرعية» من المدينة.

وكان عدد من فاعليات صيدا وعلمائها وجهوا اتهامات إلى «سرايا المقاومة» بالمشاركة في القتال إلى جانب الجيش اللبناني في عملياته ضد الأسير.

وأظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أفرادا مدنيين، يحملون السلاح ويوجدون مع الجيش في عبرا. وزادت الشكوك في مشاركة سرايا المقاومة بعد تشييع حزب الله لأربعة من مقاتليه، تردد أنهم قتلوا خلال تلك الاشتباكات.

واعتبر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى عمر مسقاوي، أمس، بعد اجتماع في صيدا، أن «ما يسمى بسرايا المقاومة، ما هو إلا ميليشيات فوضاوية، وأهدافها إثارة الفتن في أكثر منطقة وهي خارجة عن القانون، مما يستوجب مساءلة الجهات الداعمة لها». ورأى أن «الخروج من واقع السياسة القائمة لا يكون إلا عن طريق نزع السلاح غير الشرعي من سائر الأيدي والتنظيمات التي أفرزتها الفوضى، وهذا يدعونا إلى التمسك بالدولة بكل حضورها لصالح الوطن بعيشه المشترك».

وارتفعت أسهم الإدانة لمسلحي «سرايا المقاومة» في صيدا، بعيد إشكال مع مسلحي الأسير في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في منطقة تعمير عين الحلوة في صيدا. وبعد أحداث عبرا الأخيرة، كثفت فعاليات صيدا غير المؤيدة لحزب الله، من مطالبتها بنزع سلاح عناصر السرايا، وهو ما عبرت عنه النائبة الحريري بالقول إن «سرايا المقاومة» والمسلحين في مدينة صيدا لا مكان لهم عندنا.

وقبل اشتباكات الأسير مع الجيش بيومين، وقعت اشتباكات محدودة بين عناصره مع مسلحين من «سرايا المقاومة» التي يعد عناصر التنظيم الشعبي الناصري أبرز المنتمين إليها في صيدا. وتنتشر هذه السرايا في جميع المناطق اللبنانية، وتضم مسلحين مؤيدين لحزب الله، معظمهم غير شيعة، لكنهم لا يلتزمون بتوجهاته الدينية. وأسست السرايا بهدف تبديد الاتهامات الموجهة إلى حزب الله أنه يحتكر العمل المقاوم، ويحصره بالمقاتلين الشيعة. وشارك هؤلاء في العمليات العسكرية في جنوب لبنان ضد إسرائيل قبل التحرير في عام 2000، وكان فلسطينيون وسنة ودروز ومسيحيون في عداد المقاتلين.

وبقي هذا التشكيل منفصلا عن جهاز الحزب «الجاهز لتقديم كل دعم بغية قيام السرايا بأعمال عسكرية وأمنية في المناطق اللبنانية المحتلة»، بحسب ما قاله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في وقت سابق. وعمل الحزب على تأهيل المنضوين إلى السرايا عسكريا، حيث خضعت عناصره لدورات تدريبية عسكرية شملت المناورات والاختصاصات العسكرية المختلفة التي أدت إلى تأهيل العناصر كي يصبحوا «مقاتلين».