رفيق السجن يروي تفاصيل حياة مانديلا وتمسكه بالأمل وراء قضبان روبين

أحمد كاثرادا أكد أن حقبة الستينات كانت الأسوأ داخل السجون وخارجها

أحمد كاثرادا يتحدث إلى الرئيس أوباما خلال زيارته إلى سجن جزيرة روبين الذي قضى فيه جزءا كبيرا من حياته برفقة مانديلا (نيويورك تايمز)
TT

بينما كان أحمد كاثرادا يقود الرئيس أوباما وعائلته مؤخرا عبر أروقة سجن جزيرة روبين الذي قضى فيه كاثرادا جزءا كبيرا من حياته، شرح لهم كيف منحه نظام الفصل العنصري، بسبب أصوله الهندية، سروالا طويلا وجوربا. أما زميله في السجن، نيلسون مانديلا، فلم يحصل إلا على سروال قصير دون جوارب، لأنه أسود.

عرض كاثرادا (83 عاما) أيضا، على عائلة أوباما قائمة بالكميات المختلفة من السكر والقهوة والحساء والأطعمة الأخرى التي يوزعها نظام السجون في جنوب أفريقيا على السجناء السود، وأصحاب الأعراق المختلطة، الذين كانوا يعرفون بالملونين من الهنود والبيض. وقال في مقابلة معه يوم الخميس في شقته الصغيرة في ظل جبل تابل: «كان كل ما هنالك عنصريا».

تحدث كاثرادا عن رد فعل أوباما على الجولة التي قام بها نهاية الأسبوع الماضي، وزيارته في عام 2006 عندما كان أوباما عضوا في مجلس الشيوخ، وأشار إلى أنه كان مليئا بالغضب كزائر عادي، لكنه يتذكر جيدا رد فعل ابنتيه ماليا، التي ستبلغ الـ15 وابنته الأخرى في الـ12.

وقال كاثرادا الذي قاد 18 جولة العام الماضي، و8 حتى الآن، خلال العام الحالي: «كانت ماليا أكثر رغبة في المعرفة. كانت تسأل كثيرا من الأسئلة، لكن ساشا لم تكن كذلك. أعتقد أنها كانت خائفة بعض الشيء، فقد التصقت بوالدتها».

على مدى 20 عاما قاد كاثرادا، الناشط في صفوف حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي عمل فيما بعد في صفوف إدارة مانديلا، الجولات التي قام بها رؤساء الدول والشخصيات العالمية إلى المكان الذي سجن فيه مانديلا في جزيرة روبين. وفي عام 1994، بعد أربع سنوات على إطلاق سراحه، طلب منه ماندير أن يقوم بدور الدليل، نظرا للعدد الكبير من الأفراد الذين أرادوا زيارة موقع السجن، كان من بينهم مارغريت ثاتشر (قال: «لقد وصفتنا بالإرهابيين»)، وفيدل كاسترو (بطلي) وجين فوندا، وأوباما الذي زار السجن مرتين.

وأشار إلى أن عدم وجود الأطفال كان «أعظم حرمان» خلال السنوات التي قضاها في السجن. وقال إنه ليس له أبناء. ولكنه عندما سئل عما إذا كانت السنوات التي قضاها في النضال ضد نظام الفصل العنصري هي التي حرمته من هذه الفرصة، أكد كاثرادا أنها لم تكن السبب.

وقال كاثرادا الذي يعيش مع شريكته، باربرا هوجان، سجينة سياسية بيضاء سابقة عملت وزيرة خلال رئاسة مانديلا: «لا أشعر بأي ندم». ويعمل الآن مديرا لمؤسسة تحمل اسمه، تحارب التمييز العنصري.

إن التضحية التي في كثير من الأحيان غير معترف بها، حتى من قبل الناشطين أنفسهم، حتى الآن، هي تجسيد لجيل الزعماء المناهضين للفصل العنصري. والمثال الحي الذي قدمه قادة الحركة عاد إلى الصدارة مرة أخرى خلال الأسابيع التي قضاها مانديلا في مستشفى بريتوريا.

ففي يوم الجمعة، نفى المتحدث باسم الرئاسة، ماك ماهاراج، الذي كان سجينا سابقا في جزيرة روبن صحة التقرير الذي أشار إلى أن مانديلا دخل في «حالة غيبوبة دائمة»، قائلا: «لا يزال الزعيم المناهض للفصل العنصري والرئيس السابق في حالة حرجة، لكنها مستقرة». وأشار تقرير إخباري صدر يوم الخميس عن وكالة الصحافة الفرنسية إلى دعوى قضائية قدمت إلى المحكمة في 26 يونيو (حزيران) بشأن النزاع بين أفراد الأسرة مانديلا على موقع دفن ثلاثة من الأطفال.

وخلال الفترة الانتقالية إلى الديمقراطية التي شهدت صعوبات في بعض الأحيان، استلهم كثير من أبناء جنوب أفريقيا الإيمان من إخلاص سجناء جزيرة روبن السابقين لقضيتهم، حتى ضد أطول الصعاب، إلى أن انتصروا في نهاية المطاف. قالوا لأنفسهم، إذا كانوا على الرغم من كل تلك السنوات لا يزالون يؤمنون بجنوب أفريقيا جديدة، فمن المؤكد أن الجنوب أفريقيين الذين لم يعانوا المعاناة ذاتها قادرون على فعل ذلك اليوم.

قبل الحكم على كاثرادا والمدانين معه بالأشغال الشاقة عام 1964، كانوا على ثقة من أن دولة الفصل العنصري ستقوم بإعدامهم، إلا أن الحكومة لم ترد أن تجعل منهم شهداء. وقال: «إن الأفارقة يعرفون من تاريخهم كيف يمكن استغلال الشهداء».

وخلال جولته، أشار كاثرادا إلى لافتة عن الأمل كتبت على كتلة خراسانية تحمل الأحرف الأولى لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وقد كتب إلى جوارها: «على ثقة من النصر (1967)».

وأضاف: «كانت حقبة الستينات الأسوأ، داخل وخارج السجون. لكن الأمل لم يفارقنا، فكنا نعلم أننا سننتصر».

تحملت العائلات جزءا من معاناة هؤلاء السجناء؛ فرغم توقف كاثرادا عن الدراسة بعد انضمامه إلى المظاهرة الأولى في سن الـ17، فإنه حصل على أربع درجات جامعية خلال وجوده في سجن روبن آيلاند. وقد تمكن من القيام بذلك، لأن عائلته كانت تملك المال الكافي لدفع نفقاته الدراسية.

كان كاثرادا في سن الـ34 عندما حكم على مانديلا وستة من رفاقه بالسجن مدى الحياة في سجن روبن، أشهر سجون الفصل العنصري سيئة السمعة، حيث قضوا 18 عاما، تلاها ما يقرب من عقد في سجن بوسمور، في ضاحية توكاي بكيب تاون.

تحمل مانديلا ورفاقه مع زوجاتهم وأطفالهم ألما مضاعفا؛ فيقول كاثرادا: «تحملت عائلاتهم معاناة بالغة أكثر من غيرهم. فقد تعرضوا للاعتقال والتعذيب والنفي، لكنهم لم يسمحوا لها بأن تأتي قبل مسؤولياتهم تجاه رفاقهم من السجناء».

وعندما أراد ابن أخي مانديلا، الذي كان يرأس إحدى قوات الشرطة السوداء في نظام الفصل العنصري، زيارته قام مانديلا بالتصويت على ذلك بين رفاقه.

قام ابن شقيقه بدفن والدة مانديلا وأحد أبنائه.. تحول موضع الرفات إلى خلاف قضائي هذا الأسبوع بين عائلة مانديلا. وصوّت السجناء ضد زيارته، وكتب مانديلا إلى ابن شقيقه يطلب منه عدم زيارته.

لكن كاثرادا قال إن سجناء جزيرة روبين، الذين كان من بينهم جاكوب زوما، الرئيس الحالي، كانوا أفضل حالا من رفاقهم خارج السجن. وقال: «لم يكن بمقدور شرطي أن يأتي إلى جزيرة روبين ليطلق الرصاص علينا؛ ففي انتفاضة سويتو عام 1976، بحسب ما قيل لنا، قتل 600 طفل. أما الآخرون، الذين كنا نعرفهم عن قرب، فقد تعرضوا للتعذيب حتى الموت. أما نحن فكنا في أمان».

وأشار أيضا إلى أن السجناء كانوا يصمدون بسبب قادتهم. فيقول: «كانوا معنا أثناء العمل في المحجر بالمعاول، وفي الإضرابات عن الطعام. كان ماديبا يحصل على الطعام والملابس نفسها التي كنا نحصل عليها»، مستخدما اسم العشيرة التي يعرف بها مانديلا على نطاق واسع. وأشار إلى أن ملابس وحصصا أفضل من الطعام كانت تقدم للنزلاء مختلطي العرق والهنود.

وقال كاثرادا: «رفض مانديلا، وقال: سأحصل على ما يحصل عليه الجميع».

* خدمة «نيويورك تايمز»