روايات متضاربة عن الأحداث الدامية أمام «دار الحرس الجمهوري».. والجيش يتهم «مجموعات إرهابية»

مقتل 51 مصريا وإصابة المئات بعد تهديدات إسلاميين بتحرير الرئيس المعزول بالقوة

أحد مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي يستعرض عددا من فوارغ الطلقات المختلفة التي تدعي جماعة الإخوان أن قوات الجيش استخدمتها ضدهم أمام دار الحرس الجمهوري فجر أمس (رويترز)
TT

اتهامات متبادلة ومشاهد لفيديوهات متناقضة، حملها كل طرف ليبعد عن نفسه مسؤولية الاشتباكات التي تمت فجر أمس أمام دار قوات الحرس الجمهوري المصري (شرق القاهرة)، بين قوات الأمن وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي المعتصمين هناك، والتي قتل خلالها 51 شخصا وأصيب المئات، وذلك بعد يومين من تهديدات إسلاميين بتحرير «مرسي» بالقوة.

وقالت السلطات الأمنية إن «مجموعات إرهابية مسلحة» حاولت اقتحام دار الحرس الجمهوري والاعتداء على قوات الأمن من الجيش والشرطة، بينما ذكرت جماعة الإخوان المسلمين أنه وبينما كان المعتصمون يؤدون صلاة الفجر أطلقت قوات الأمن عليهم النيران بكثافة من أجل فض الاعتصام. فيما ذكر شهود العيان أن نيران الأسلحة أطلقت من الجانبين.

وانتقل فريق من النيابة العامة لمعاينة محيط الاشتباكات، وكشفت المعاينة المبدئية عن العثور على فوارغ طلقات نارية حية وطلق خرطوش وآثار بقايا مولوتوف بمحيط دار الحرس الجمهوري، وقد أمرت النيابة بإرسال جثث المتوفين للطب الشرعي لتشريحها وبيان سبب الوفاة، كما أمرت بسرعة إنهاء التقرير الطبي المبدئي لبيان سبب الوفاة وسرعة إجراء تحريات المباحث للكشف عن هوية 11 جثة لأشخاص مجهولي الهوية لقوا مصرعهم في الأحداث.

واتهمت القوات المسلحة والشرطة إرهابيين من داخل اعتصام الإسلاميين في منطقة رابعة العدوية القريبة بمحاولة اقتحام دار الحرس الجمهوري والاعتداء على القوات المسؤولة عن تأمينه. وقال العقيد أحمد محمد علي، المتحدث باسم القوات المسلحة، إن «المشهد أمام دار الحرس الجمهوري خرج عن السلمية منذ الساعة الرابعة فجر (أمس) عندما هاجمت مجموعة مسلحة المنطقة المحيطة بالدار باستخدام الأعيرة النارية والخرطوش، وقتلوا أحد ضباط القوات المسلحة وأصابوا 42 آخرين منهم ثمانية في حالة حرجة». وأضاف المتحدث العسكري، في مؤتمر صحافي، أنه في الوقت نفسه كانت هناك مجموعات أخرى تعتلي أسطح المنازل بشارع الطيران استهدفوا أفراد الأمن من الجيش والشرطة بمولوتوف وطوب وقطع من أدوات صحية ضخمة.

وقال علي إن «هناك زميلا يجري عملية جراحية جراء طلق ناري أصيب به من أعلى الرأس لأسفل»، تأكيدا على وجود استهداف من أعلى المباني. وأضاف أن «المقذوف أو الظرف (الفارغ للطلقات) الذي ظهر في الشاشات (يحمله إسلاميون) هو لطلق فشنك (غير حي).. ولا يمكن أن يسقط في الجانب الآخر إذا (كان قد) أطلق من قوات الأمن»، نظرا لبعد مكان تمركز القوات عن المتظاهرين.

وأذاع المتحدث باسم الجيش فيديو يتضمن أحاديث لصفوت حجازي القيادي الإسلامي وعدد من قيادات الإخوان وهم يهددون بعمليات واسعة لإطلاق سراح مرسي وإعادته للسلطة، وأكد المتحدث أنه حذر مسبقا من الاقتراب من العسكريين أثناء مهامهم لتأمين المناطق الحيوية والاستراتيجية، مشيرا إلى أن القانون الدولي يتيح التعامل للدفاع عن المنشآت الحيوية والاستراتيجية والعسكرية بصورة مختلفة.

وعرض في المؤتمر شريط مصور - أذيع منذ يومين على إحدى القنوات - يقول فيه الداعية صفوت حجازي أمام أنصار الرئيس السابق في محيط ميدان رابعة العدوية «إن مرسي موجود إما في دار الحرس الجمهوري أو في وزارة الدفاع، وسنخرجه.. ستكون هناك خطوات تصعيدية لا يتصورها أحد.. ضخمة لا أستطيع ذكرها الآن».

وأكد المتحدث باسم الجيش أن المتظاهرين الإسلاميين استخدموا صورا لأحداث عنف في سوريا لتشويه الجيش المصري. وكانت الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، قد نشرت صورة لطفلين مقتولين من سوريا، ونسبت الصورة لأحداث الحرس الجمهوري. كما نفت وزارة الصحة ذلك وأكدت عدم وجود حالات وفاة ومصابين من الأطفال أو النساء ضمن الأحداث.

ومن جانبه، قال اللواء هاني عبد اللطيف، المتحدث باسم وزارة الداخلية، إن «المتظاهرين أمام دار الحرس الجمهوري بادروا بالاعتداء على قواتنا التي تقوم بحماية المقر منذ 30 يونيو (حزيران) بإطلاق الأعيرة النارية والخرطوش»، مشيرا إلى أنه في «الساعة الرابعة (فجر أمس) فوجئت القوات بالبعض من التجمعات بإلقاء الحجارة، ثم تطور الأمر إلى إطلاق نيران بكثافة تجاه قوات التأمين للحرس الجمهوري، فاستشهد ملازم ومجند بالشرطة وأصيب آخرون، في هذا الاعتداء الذي تمت السيطرة عليه».

وبث التلفزيون المصري لقاء مصورا لمصابي أحداث دار الحرس الجمهوري من صفوف القوات المسلحة والشرطة، ضم شهادات عن الأحداث. وقال أحد المصابين وهو عميد بالقوات المسلحة إن «عناصر مسلحة من المعتصمين أمام دار الحرس قد قامت بإطلاق النار على قوات الشرطة والجيش الموجودة»، مشيرا إلى أن «عددا من الموتوسيكلات قد وجدت قبيل الفجر، تجمع مستقلوها أمام مدخل متظاهري رابعة العدوية حاملين أسلحة واتجهوا إلى الحرس الجمهوري، وبدأوا في إطلاق نار بصورة مكثفة باتجاه قوات التأمين، وفي التوقيت نفسه بدأت أعداد كبيرة منهم في محاولة الاقتحام».

وذكرت نيابة شرق القاهرة في تحقيقاتها وجود مجموعة من الطلقات الآلية ومجموعة من صور البطاقات الشخصية وكارنيهات حزب الحرية والعدالة (التابع لـ«الإخوان»). وجاء في التحقيق أن «مقر الاعتصام الذي شهد أحداثا دامية يحتوي على فوارغ القنابل الغازية وأوراق مكتوبة باللغة الإنجليزية لتعليم كيفية تصنيع القنابل».

ومن جانبهم، وصف أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي ما حدث بأنه اعتداء غاشم من قوات الأمن على المعتصمين السلميين الذين يطالبون بعودة الشرعية. وقال بيان لجماعة الإخوان المسلمين أمس إنه «فجر الاثنين وقبل بداية شهر رمضان بيوم، وبينما كان المعتصمون السلميون يؤدون صلاة الفجر، إذا بطلقات الرصاص الغادرة وقنابل الغاز تطلق عليهم بكثافة من قوات الجيش والشرطة دون مراعاة لحرمة الصلاة وحرمة الحياة، إضافة للعدوان على حق المعتصمين في التظاهر السلمي. وعندما لجأ عدد كبير من النساء والشباب إلى مسجد قريب من المنطقة قامت القوات بحصار المسجد، وظلت تعتقل كل من يخرج منه».

وأضاف البيان أن «هذه الجريمة البشعة التي اقترفها قائد الجيش الذي انقلب على الشرعية ونكث بالعهد والقسم واستولى على الحكم بانقلاب عسكري مكتمل الأركان بغطاء من بعض المدنيين، إنما تؤكد مدى وحشيته ودمويته، وأنه مُصر على السير إلى نهاية طريق اغتصاب السلطة على جماجم المواطنين المدنيين العزل، وأنه لا يعبأ بحرمة الأرواح أو الدماء».

ومن جانبه، ذكر محمد حسان، المتحدث باسم الجماعة الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، أنه وحسب شهود العيان (من المعتصمين) «قامت قوات من الجيش والشرطة بفتح النار على المتظاهرين السلميين أثناء صلاة الفجر، واستهدفوهم بطلقات في الصدر والرأس دون أي ذنب في عملية غدر»، على حد وصفه.

كما ذكر الناشط الإسلامي عبد الرحمن عز، الموجود في الاعتصام، أن «الجيش حلق اللحى لبعض الشهداء وألبسهم ملابس عسكرية وصورهم على أنهم شهداء للشرطة والجيش»، مشيرا إلى أن «أغلب إصابات المعتصمين السلميين برصاص حي في الظهر لأن المصلين كانوا متجهين إلى القبلة بما يعني أن ظهورهم كانت إلى دار الحرس الجمهوري، وهو ما يؤكد كيف جاءتهم الطلقات»، مضيفا «ما حدث هو قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد».

وفي روايات مختلفة لما حدث أمس، أصدر عدد من قاطني العمارات المجاورة لميدان «رابعة العدوية» وشارع الطيران، حيث يعتصم أنصار الرئيس المعزول، بيانا أدلوا فيه بشهاداتهم حول أحداث الحرس الجمهوري. وجاء في البيان «قبل صلاة الفجر بنحو نصف ساعة توافد أكثر من 13 موتوسيكلا تجمعت أمام مدخل متظاهري رابعة العدوية، وتحدث مستقلوها وتشاوروا مع أشخاص منهم، واتجهوا مسرعين عبر شارع الطيران حاملين أسلحة متوجهين إلى الحرس الجمهوري، وبدأ دوي الطلقات النارية».

وتابع البيان «بعد مرور 8 دقائق عادت الموتوسيكلات وقام الإخوان مسرعين بفتح الطريق أمامهم، وأدخلوهم بينهم، فاختلطوا بالمتظاهرين واختفوا بينهم، وبعد 5 دقائق بدأوا في إطلاق أعيرة نارية على العقارات المحيطة بالخرطوش الحي والرصاص للترويع ولاتهام الجيش بأنه هو الفاعل، وأنه من أطلق الرصاص على المصلين، لكن هذا لم يحدث إطلاقا من قبل الجيش».

وذكر الأهالي أن «متظاهري الإخوان احتشدوا في شكل جماعات ضخمة خرجوا من رابعة في اتجاه الحرس الجمهوري للالتحام بالجيش، وبعدها بدأنا نسمع أصوات قنابل غاز وإطلاق أعيرة نارية وهرج ومرج وسيارات إسعاف هنا وهناك، ورأينا مجموعة من الإخوان يختطفون 3 شباب داخل منطقة التظاهر برابعة، لا نعرف هل هؤلاء الشباب من أبناء المنطقة أم أفراد آخرون، وانهالوا عليهم بالشوم (العصي) والضرب العنيف في مناطق متفرقة من أجسادهم».

من جهتها، ذكرت ميرنا الهلباوي، حفيدة الدكتور كمال الهلباوي، القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين، على صفحتها الخاصة بموقع تويتر، شهادتها على أحداث الحرس الجمهوري، قائلة إن «الواقعة حدثت عند الساعة الثالثة والنصف فجرا من داخل أحد المساجد القريبة من الاعتصام، حيث ارتفعت أصوات الإخوان من داخل الجامع بالتكبير، وظهرت عمليات كر وفر، وانتشار مكثف لمدرعات الجيش والشرطة، ثم بدأت مدرعات الجيش في كسر سور يعزل بين القوات وأفراد الإخوان بالتزامن مع بدء الشرطة في إطلاق أعيرة نارية وقنابل غاز مسيلة للدموع، مما دعا معتصمي الإخوان للرد عليهم بالخرطوش».

وأضافت، وهي تقطن بأحد المباني المجاورة للاعتصام «الأوضاع بدت وكأنها حرب»، مشيرة إلى أن «كلا الجانبين كان يمتلك أسلحة رد بها على الجانب الآخر، وكان الإخوان محتمين بالجامع ويطلقون من داخله الخرطوش». وتابعت «لم أستطع الخروج للتصوير لشدة الاشتباكات بين الجانبين، وإطلاق قنابل مسيلة للدموع، وإطلاق طلقات خرطوش وأعيرة نارية، وكان يوجد انتشار مكثف لقوات الجيش في محيط المسجد».

وأكدت أن «الجيش أو الشرطة لم يعتديا عليهم أثناء الصلاة، بل جاءا بعدها، وأن بعض الإخوان فروا عند رؤية مدرعات الجيش». وقالت قوات الأمن فوجئت بالأسلحة التي كانت بحوزة الإخوان، مما اضطرها للتراجع بعض الشيء، مشيرة إلى أنه تم القبض على بعض الأفراد المنتمين لهم.