كي مون يدعو إلى «هدنة رمضانية».. والجربا يربطها بـ«ضغط دولي على الأسد»

نقص المواد الطبية في حمص يؤدي إلى موت الجرحى

TT

لم تحل الدعوة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أمس، لعقد هدنة في مدينة حمص خلال شهر رمضان المبارك دون استمرار حدة المعارك في المدينة التي تحاول القوات النظامية اقتحامها منذ 12 يوما.

وفي حين لم يصدر عن نظام الرئيس بشار الأسد أي موقف بهذا الخصوص، رحب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد العاصي الجربا بدعوة بان كي مون، مؤكدا أن «وقف إطلاق النار في حمص لن يكون ممكنا، إلا إذا مارست الدول الصديقة لسوريا ضغوطا على النظام السوري».

وميدانيا، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن «نقص المواد الطبية في حمص يؤدي إلى موت كثير من الأشخاص الذين يُصابون بجروح جراء الحملة العسكرية التي تشنها القوات النظامية السورية». وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن «القصف المتواصل للقوات النظامية لليوم الـ11 على التوالي، جعل من الوضع الإنساني الدقيق في المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في حمص، أكثر سوءا»، موضحا أن «عددا غير محدد من المقاتلين المعارضين والمدنيين الذين أصيبوا بجروح في الأيام الماضية، يموتون بسبب عدم وجود مواد طبية لتوفير العلاج اللازم لهم».

وقال ناشطون إن «القطاع الطبي في المنطقة المحاصرة بحمص بات في حالة عجز ظاهر بعد استهلاك جزء كبير من المخصصات، نتيجة القصف الشديد وارتفاع نسبة الإصابات والجرحى بشكل يومي إلى أضعاف عدة عن المرحلة التي سبقت الحملة». ولفت عبد الرحمن إلى أن «الأنفاق التي كان يستخدمها المقاتلون المعارضون لإدخال التجهيزات الطبية القليلة تعرضت للقصف»، واصفا الوضع في حمص بأنه «انتهاك تام للقانون الإنساني الدولي».

ونتيجة لسوء الأوضاع الإنسانية في حمص، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة شهر رمضان «كل الأطراف في سوريا إلى احترام هذا الواجب الديني لشهر على الأقل». وتمنى، في رسالة تهنئة إلى المسلمين في العالم بمناسبة بدء شهر رمضان المبارك، «على الوحدات التابعة للجيش النظامي والتابعة للجيش السوري وقف الحرب، وكذلك كل شخص يحمل سلاحا، وأن يعتبروا شهر السلام هذا غفرانا جماعيا للشعب السوري».

وفي موازاة اعترافه بأن دعوته للهدنة «قد تبدو غير واقعية للبعض، لأن السلام الدائم لا يمكن أن يحصل إلا بتفاوض جدي بين المتحاربين»، آمل في «انعقاد مؤتمر جنيف حول سوريا بأقرب وقت ممكن بمشاركة وفود تمثل الحكومة والمعارضة». وطالب «بإطلاق سراح المعتقلين فورا من كل الطرفين في سوريا»، داعيا الرئيس السوري بشار الأسد إلى «التدخل شخصيا في هذا المجال».

وتأتي دعوة بان كي مون لهدنة في حمص بعد أيام على دعوة مماثلة وجهها رئيس الائتلاف الجديد الذي سارع، أمس، في ختام محادثات أجراها في أنقرة مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، إلى الترحيب بدعوة بان، مشيرا إلى أنه «سبق وطلبنا هدنة مماثلة في اليوم الأول من رمضان، بسبب الوضع الملحّ في حمص»، مؤكدا أن «استمرار وقف لإطلاق النار لن يكون ممكنا إلا إذا مارست الدول الصديقة لسوريا ضغوطا على النظام السوري».

وفي هذا الصدد، قال المنسق الإعلامي والسياسي للجيش الحر لؤي المقداد لـ«الشرق الأوسط» إن «هيئة الأركان في الجيش الحر غير معنية بأي هدنة مع النظام السوري الذي يقتل الشعب»، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن «المقاتلين في حمص قد يوافقون على وقف إطلاق نار إنساني هدفه إجلاء الجرحى». ولم يعول المقداد على أي تجاوب للهدنة من قبل النظام السوري، لافتا إلى أن الأخير «سيحتال ويخادع بخصوص هذه الهدنة ليقتل أكبر عدد من السوريين في حمص».

ويستبعد ناشطون معارضون موافقة نظام الأسد على عقد هدنة في مدينة حمص، «حيث يسعى إلى استمرار القتال بهدف تأمين منطقة علوية يحتمي بها لاحقا». ويدعم الناشطون نظريتهم تلك بالخطوة التي أقدمت عليها القوات النظامية مؤخرا بحرق دائرة السجل العقاري الخاصة بسندات الملكية العقارية وسجلات المساحة للعقارات الموجودة في محافظة حمص.

وقال محمد نور مبارك، نائب رئيس المجلس الأعلى للمساءلة والمحاسبة، المنشق عن نظام الأسد لـ«الشرق الأوسط» إن الغاية الأساسية للنظام من وراء إحراق السجلات المدنية والعقارية هي تغيير الطبيعة الديموغرافية للمدينة من خلال إحلال عوائل جديدة فيها».

وأوضح مبارك أنه «من خلال حرق مبنى السجل المدني فإن المستند الأساسي، ألا وهو السجل المدني، تمت إزالته»، محذرا من أن الخطورة تكمن كذلك في أن «تجري، في مقابل ذلك، إزالة المواقع الأرضية من أبنية ومساكن يمكن أن يكون لها مستندات في البلدية، مثل السجل العقاري أو سند التمليك أو الفواتير البلدية والهاتف والماء وغيرها، كما أن المخطط التنظيمي يكون باسم المالك في البلدية».

وتشن القوات النظامية منذ 29 يونيو (حزيران) الماضي حملة لاستعادة أحياء في وسط حمص يسيطر عليها مقاتلو المعارضة، أبرزها الخالدية وأحياء حمص القديمة، المحاصرة منذ أكثر من عام.

وكانت القوات النظامية قد دخلت قبل أيام إلى حي الخالدية معتمدة أسلوب «الأرض المحروقة» المرتكز على قصف مكثف وتدمير المباني، بحسب ما أفاد به ناشطون. وتبلغ مساحة الأحياء التي يتحصن فيها مقاتلو المعارضة في وسط حمص نحو كيلومترين مربعين.