تقرير مسرب يكشف فشل إسلام آباد في تعقب بن لادن

زعيم «القاعدة» اعتمر قبعة «كاوبوي» لتجنب رصده عبر الأقمار الصناعية الأميركية

السلطات الباكستانية تدمر مجمع بن لادن في أبوت آباد (أ.ف.ب)
TT

انتقد تقرير مسرب باكستان بسبب الإخفاقات الجماعية وانعدام الكفاءة والإهمال التي أجازت لزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن الإقامة في البلاد خفية طوال أكثر من تسع سنوات. كما كشف التقرير الذي صاغته لجنة قضائية باكستانية تفاصيل جديدة عن العملية الأميركية التي أدت إلى مقتل بن لادن ومعلومات مثيرة حول حياته فارا، مؤكدا أنه اعتمر قبعة «كاوبوي» لتجنب رصده عبر الأقمار الصناعية الأميركية. وطارد عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بن لادن إلى بلدة أبوت آباد شمال غربي باكستان حيث قتله فريق نخبة في البحرية الأميركية في 2 مايو (أيار) 2011 في مداهمة مسكنه قرب أكاديمية باكستان العسكرية.

من جهة أخرى، أكد مسؤولون أمنيون باكستانيون أنهم تعاونوا بشكل كامل مع اللجنة القضائية التي حققت في الأحداث المتعلقة بمقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، مشيرين إلى أنه قد تم الكشف عن التقرير الذي أعدته اللجنة، ولم يعد لديهم أي تعليق على نتائجه. وقال مسؤول أمني بارز لصحيفة «الشرق الأوسط»: «تعاونا بشكل كامل مع اللجنة القضائية، وأدلى كبار مسؤولينا بشهاداتهم أمام اللجنة». وحتى قبل أن تلقي اللجنة باللائمة على أجهزة الاستخبارات الباكستانية، كانت أجهزة الأمن تدرك أن ما حدث في مقتل بن لادن يعكس الفشل الذريع لأجهزة الاستخبارات. وقال مسؤول أمني بارز إن المدير العام لوكالة الاستخبارات الباكستانية آنذاك أحمد شجاع باشا، قدم استقالته من منصبه بعد الغارة التي قتل فيها بن لادن في أبوت آباد.

وفي تطور لاحق، حجبت السلطات الباكستانية جزئيا أمس موقع «الجزيرة» الإلكتروني للحيلولة دون الاطلاع على تقرير تقصٍّ مسرب بشأن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وقال مقدمو خدمة الإنترنت لوكالة الأنباء الألمانية إن هيئة الاتصالات اللاسلكية الباكستانية، وهي هيئة رقابية رسمية، أصدرت تعليمات لكل الشركات بتعليق الموقع الإلكتروني مؤقتا. وشكل هذا الحدث إحدى أكثر الفترات إحراجا في تاريخ باكستان وعرض البلاد لاتهامات بعدم الكفاءة والتآمر مع «القاعدة» لإخفاء أهم مطلوب في العالم. وشكلت الحكومة اللجنة القضائية بعيد العملية للتحقيق بعد طلب البرلمان إجراء تحقيق مستقل. وأجرى المحققون مقابلات مع مسؤولين مدنيين وعسكريين كبار وأرامل بن لادن الثلاث قبل ترحيلهن إلى السعودية. لكن خلاصات التحقيق بقيت سرية حتى نشرتها قناة «الجزيرة» القطرية أمس. وأفاد التقرير: «تثبت إفادات الشهود إلى حد كبير وجود إهمال وانعدام كفاءة تقريبا على جميع مستويات الحكم».

وأضافت اللجنة أنها لم تعثر على أي عنصر يثبت الاتهامات بالتآمر، لكنه لا يسعها كذلك استبعاد إمكانية تقديم مسؤولين رسميين حاليين أو سابقين نوعا من الدعم. كما شمل التقرير معلومات جديد حول حياة بن لادن اليومية بعد فراره عام 2001 من الاجتياح الدولي بقيادة أميركية لأفغانستان ووصوله إلى باكستان في ربيع أو صيف 2002. مكث بن لادن في المناطق الحدودية الأفغانية في ولايتي سوات وهاريبور الشماليتين الغربيتين وربما تنقل إلى أماكن أخرى قبل الاستقرار في أبوت آباد في أغسطس (آب) 2005.

وأفادت أرملة باكستانية ممن قدموا له شبكة دعم رئيسة أنهم أوقفوا، ومعهم بن لادن، في أحد المرات للإفراط في السرعة. وأضافت أن زوجها «رتب المسألة سريعا مع الشرطي وواصلوا القيادة» من دون التوضيح كيف. وفي أثناء المكوث في المنطقة الجبلية سرت أخبار عن لقاء بن لادن في فبراير (شباط) 2003 بخالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وأوقفت السلطات الشيخ محمد بعدها بشهر. ومع حلول 2005 أي عام انتقال بن لان إلى أبوت آباد أغلق جهاز الاستخبارات الباكستاني ملف تعقب زعيم «القاعدة».

وأفادت زوجات بن لادن أنه كان يعتمر قبعة كاوبوي أثناء تنقله في مجمع إقامته في أبوت آباد لتجنب رصده من السماء. شعر بالمرض وكان يداوي نفسه بعلاجات عربية و«عند شعوره بالتعب كان يتناول الشوكولاته مع تفاحة» بحسب التقرير. وكان يعيش حياة زاهدة ويشرف على التعليم الديني لأولاده وأحفاده ولعبهم.. «ما شمل زراعة قطع أرض مقابل مكافآت لأفضل نتيجة». كما شمل التقرير تفاصيل حول عملية الإنزال الأميركية بالمروحيات روتها عائلة بن لادن. وكان زعيم «القاعدة» دخل إلى غرفته مع صغرى زوجاته الثلاث أمل قبل أن يستيقظا على «ما بدا كأنه عاصفة» بعيد منتصف الليل، وأسرعا إلى الشرفة «لكن الليلة كانت حالكة».

وبعدما أدرك أن ما كان يخشاه من مداهمة الأميركيين له يحصل فعلا، منع زوجته من إضاءة مصباح ونادى ابنه خالد. وفي حين بدأت اثنتان من بناته في تلاوة آيات قرآنية، استعد بن لادن وابنه لوقفتهما الأخيرة، علما بأن التقرير يقول إنه كان من دون سلاح عند قتله. لاحقا عندما شاهدت أمل جنديا أميركيا يصوب فوهة بندقيته إلى زوجها من خارج غرفة النوم، سارعت إليه فيما هتف الجندي: «لا، لا» وأصابها في الركبة.

وبعد الغارة، غادر الأميركيون وأخذوا أغراضا تشمل معدات كومبيوتر وأغراضا شخصية تشمل الذهب ووصية بن لادن. وأضاف التقرير أن إحدى زوجاته «سبق أن قرأت الوصية، لكنها رفضت الكشف عن تفاصيلها. وقالت إنها ليست سياسية وتتعلق بشؤون شخصية وعائلية». وأفادت تقارير أخرى أنه طلب في وصيته ألا يسعى أبناؤه إلى زعامة «القاعدة».