مقرب من المالكي: التحالف مع السنة لا يروق «لإخواننا» الإيرانيين

رئيس الوزراء العراقي قد يراجع حساباته بعدما فقد قاعدته الشيعية الموحدة

صورة من موقع رئاسة الوزراء العراقية لرئيس الوزراء نوري المالكي لدى استقباله مؤخرا وفدا من شيوخ عشائر الأنبار
TT

تواجه إيران ذات النفوذ الهائل في سوريا والمنطقة عموما معارضة من مصدر غير متوقع، ألا وهو النظام الديمقراطي المتعثر القائم على الاستقطاب في العراق.

لقد التزم رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، الذي كان ذات يوم لاجئا إلى إيران، رسميا الحياد في الأزمة السورية، فيما ألقت الدولة المجاورة الشرقية بثقلها الكامل وراء النظام السوري. وانطلاقا من الضرورة السياسية، بذل مؤخرا أيضا جهودا لإقامة تحالفات مع أطراف سنية معتدلة. لكن مستشارا مقربا من المالكي قال، مشترطا عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية الموضوع «هذا لا يروق لإخواننا الإيرانيين».

لقد نأت الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة بنفسها عن دعم طرف بعينه في الأزمة السورية، على الأقل علانية. وعلى الرغم من أن العديد من القادة يخشون من أن ينشأ نظام جديد في سوريا معاد للعراق، فإنهم معنيون بصورة أكبر بتخفيف حدة الاضطراب المحلي إلى أدنى درجة ممكنة. ومع أن الحكومة غضت الطرف عن تهريب إيران أسلحة إلى دمشق عبر المجال الجوي العراقي، فإنها استجابت لضغط دبلوماسي من جانب الولايات المتحدة بفحص بعض رحلات الطيران والامتناع عن تقديم المزيد من الدعم المباشر. وقال علي الموسوي، المتحدث باسم المالكي «الحل العسكري ليس حلا».

لقد تأثر العراق بشكل هائل بالنزاع السوري، من خلال قتال جماعات مسلحة عراقية على الجانبين. وقد تحالف تنظيم القاعدة في العراق بشكل رسمي مع جماعات ثورية متطرفة في سوريا، فيما نشرت ميليشيات شيعية عراقية مدعومة من إيران مقاتلين للدفاع عن نظام الأسد. وقد امتد الاضطراب إلى العراق على نحو يؤجج مخاوف من عودة إلى الحرب الأهلية الطائفية التي استنزفت العراق في عامي 2006 و2007. وصعدت الجماعات المسلحة السنية، التي حفزها القتال عبر الحدود، الهجمات واستغلت حالة السخط بين السكان السنة وتسللت في بعض الحالات إلى تظاهراتهم السلمية.

واستجابة لهذا الاهتياج، بدا المالكي في البداية وكأنه يأخذ النصيحة من اللواء قاسم سليماني، قائد قوات الحرس الثوري الإيراني الذي يدير عمليات إيران في العراق وسوريا. وتزود إيران المرشحين السياسيين الشيعة في العراق بملايين الدولارات، إضافة إلى ذلك، فقد مولت ودربت الميليشيات الشيعية وأمدتها بالأسلحة. ويقول ساسة عراقيون إنه من المعروف أن السفارة الإيرانية مركز قيادة للحرس الثوري، حيث ينقل السفير تقارير إلى سليماني.

وعبر الوسطاء، شجع سليماني المالكي على أن يلعب دور «المدافع الشيعي» بقمع المعارضة السنية واستغلال الانقسامات الطائفية في تأمين قاعدة موحدة للدعم الشيعي، بحسب مستشار المالكي. وفي أبريل (نيسان)، هاجمت قوات تأخذ الأوامر من المالكي مظاهرة للسنة في مدينة الحويجة الشمالية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 50 شخصا. أثارت تلك الحادثة ردود فعل متتالية ممثلة في هجمات انتقامية وتفجيرات واستقطاب طائفي.

وقال مستشار المالكي «لدى الحاج قاسم عدد هائل من الناس هنا، إضافة إلى كم هائل من وسائل التواصل»، مشيرا إلى سليماني. وأضاف «السياسات الطائفية تستغل أدوات للسلطة السياسية».

لكن منذ انتخابات مجالس المحافظات في أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) الماضيين يبدو أن المشهد السياسي قد تغير. فربما تدفع الحسابات السياسية القاسية المالكي، الذي يواجه انتخابات العام المقبل، لانتهاج أسلوب أقل طائفية وتعصبا. الأهم من ذلك أن المالكي يبدو وكأنه لم يعد يحظى بدعم قاعدة شيعية موحدة. فقد فقد حزبه شعبيته في انتخابات مجالس المحافظات، وتمكنت الأحزاب المنافسة من السيطرة على الحكومات المحلية في بغداد والبصرة. لكن في محافظة الأنبار السنية ذهب أكثر من ثلث الأصوات إلى أحزاب متحالفة جزئيا مع رئيس الوزراء، وهو ما يعني أنه على الرغم من الاحتجاجات يتوقع أن يتعاون المالكي مع سنة لتشكيل ائتلاف حكومي.

وقال سامي العسكري، عضو البرلمان العراقي والمقرب من المالكي «ستكون هناك تسوية سياسية مع شريحة من المجتمع السني».

وقد اتخذ القادة العراقيون بالفعل خطوتين لتلبية مطالب السنة. الأولى هي قانون جديد تم إقراره في يونيو (حزيران) ينقل صلاحيات كبيرة من الحكومة المركزية إلى المحافظات، في استجابة على ما يبدو لمطالب المتظاهرين الراغبين في الحصول على مزيد من الحكم الذاتي. والثانية موافقة المالكي على مشروع قانون من شأنه أن يسمح للعديد من الأعضاء السابقين في حزب البعث، الذين كانوا يشغلون وظائف عليا في العراق، بتولي مناصب حكومية. ويقول كيرك سويل، المحلل السياسي ورئيس تحرير دورية داخل السياسة العراقية «كانت تلك تسوية صعبة للغاية».

يعتمد تحالف المالكي الشيعي - السني المتوقع على عوامل كثيرة خارج نطاق السياسة. فهناك نشاط متزايد للجماعات المتشددة في العراق، والتي تشن هجماتها في الأغلب بهدف إحداث تصدعات سياسية على طول الخطوط الطائفية. والأهم من ذلك، استهداف تنظيم القاعدة لقوات الأمن والمدنيين في المناطق الشيعية.

من ناحية أخرى، أعيد حشد الميليشيات الشيعية، التي كانت نائمة إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، للقتال في سوريا، وهناك العديد من المؤشرات على تلقيهم التمويل والتوجيه من فيلق القدس الإيراني. وقال أقارب أفراد الميليشيات، الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، إن المقاتلين يسافرون عادة إلى سوريا عن طريق إيران، وإن جثث القتلى تعود من الطريق نفسه.

وإذا عادت الميليشيات الشيعية إلى استئناف عملياتها المحلية بشكل كامل، فسوف يعود العراق دوامة العنف العميقة بشكل سريع. فقد نفذت هذه الميليشيات خلال الحرب الأهلية التي وقعت بين عامي 2006 و2007 عمليات خطف وإعدام، وتهديدات بالقتل، لترحيل السنة من الأحياء المختلطة، واخترقت قوات الأمن الحكومية.

ويبدو أن المالكي يحاول إبعادهم عن المشهد، داخل العراق على الأقل. وكانت بعض الجماعات، بما في ذلك أتباع مقتدى الصدر رجل الدين وميليشيا عصائب أهل الحق، قد وضعوا أسلحتهم ظاهريا وأعادوا وصف أنفسهم بالجماعات السياسية، على الرغم من إرسالها أيضا مقاتلين إلى سوريا. وقد استخدم المالكي وسطاء لنقل التحذيرات لهذه الجماعات. وقال العسكري إن الرسالة كانت واضحة «أنتم جماعة سياسية، ولن تشاركوا في أي أعمال عنف». وأضاف العسكري «كان ردهم: نحن ملتزمون بذلك».

بيد أن الأسابيع الأخيرة شهدت اندلاع معارك في بغداد بين الميليشيات الشيعية على الأرض، وعراقيين يحذرون من شائعات بأن عناصر في ميليشيات يرتدون زي الشرطة يقيمون نقاط تفتيش وهمية لاختطاف الناس، وتقام جنازات لمقاتلين عادوا من سوريا في توابيت، فيما يعترف القادة العراقيون بمحدودية نفوذهم. ويقول العسكري «نحن نحض على عدم التدخل في العنف، لكنهم لا يطلبون الإذن منا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»