رئيس الحكومة المصرية الجديد في حوار مع «الشرق الأوسط»: أولويتنا الأمن والاقتصاد.. ولن نقصي أحدا

حازم الببلاوي يعلن أن القاهرة عادت للعرب بعد رحيل مرسي.. ومساعدات الخليج تعني دخول مصر مرحلة أوضح من الاستقرار

الدكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء المصري («الشرق الأوسط»)
TT

قال رئيس الحكومة المصرية الجديد، الدكتور حازم الببلاوي، إن حكومته ستكون «حكومة متكاملة فيها جوانب اقتصادية وأمنية واجتماعية وثقافية»، إلا أنه شدد في حوار مع «الشرق الأوسط» على أن الحكومة لديها أولويات لإنجازها، على رأسها «الأمن أولا.. ثم الاقتصاد»، مشيرا إلى أن المساعدات التي تلقتها بلاده من دول خليجية، على رأسها السعودية والإمارات والكويت، خلال اليومين الماضيين، تعني أن العالم الخارجي، وخاصة الخليج، بدأ ينظر إلى مصر باعتبار أنها بدأت تدخل مرحلة أوضح من الاستقرار، وأن المناخ الاستثماري والسياسي «أصبح ملائما للتعاون».

وأوضح أن مصر عادت لطبيعتها الأولى التي «ترى في دول الخليج سندا سياسيا واقتصاديا وأمنيا»، مشيرا إلى أن النظام السابق - برئاسة الدكتور محمد مرسي - حين جاء، بدأ يقلل من الارتباط العربي القومي «لحساب ارتباط أوسع اسمه الرابطة الإسلامية»، وأنه حين اختفى النظام السابق، عادت البلاد العربية لطبيعتها، وستعود مصر لطبيعتها، و«أنا متفائل جدا لهذا الأمر».

وتحدث الببلاوي عن التداعيات السياسية التي يشهدها الشارع المصري، خاصة مع استمرار اعتصام أنصار الرئيس المعزول في منطقة رابعة العدوية شرق القاهرة، وتفجر العنف في سيناء، قائلا إن الحكومة الجديدة سوف تعمل على حل هذه الأمور من دون إقصاء، لأنها ستكون «حكومة للجميع ومن أجل الجميع»، و«ليست قادمة للانتقام أو تصفية الحسابات»، مشددا على أن مصر «لا بد أن تكون مفتوحة لكل الاتجاهات».

وفيما يلي نص الحوار..

* ما طبيعة الوزراء الذين سيتم اختيارهم.. كانت لدينا معلومات عن أنه ستكون هناك حكومتان داخل الحكومة، إحداهما حكومة أمنية والأخرى حكومة اقتصادية. هل هذا صحيح؟

هي حكومة واحدة..

* نعم.. المقصود، وفقا لما قيل، أنه ستكون هناك مجموعتان أساسيتان داخل الحكومة. واحدة اقتصادية وأخرى أمنية؟

ستكون حكومة متكاملة فيها جوانب اقتصادية وجوانب أمنية وأخرى ثقافية، بالإضافة إلى الجوانب الاجتماعية. حكومة مكونة من كافة الجوانب مثل أي حكومة تشمل جميع وزارات الدولة.

* لكن، وبحسب الواقع الحالي في مصر، توجد أولويات.. أليس كذلك؟

- نعم.. توجد أولويات بطبيعة الحال.

* مثل ماذا.. هل هو الاقتصاد والأمن؟

- الأمن أولا.. ثم الاقتصاد.

* كيف تنظرون إلى المساعدات العربية التي تدفقت على مصر أخيرا، خاصة من السعودية والإمارات والكويت؟ وهل يمكن أن تساعد في تغيير الأوضاع الاقتصادية في مصر إلى الأفضل؟

* بالتأكيد.. والأمر لا يتعلق بأن مصر تحتاج إلى مثل هذه المساعدات فقط. هذا يعني أن العالم الخارجي، وخاصة في الخليج، أصبح ينظر إلى المناخ الاستثماري والسياسي على أنه يتجه نحو حقيقة أنه سيكون ملائما للتعاون.. وأكثر ما يضر المستثمرين هو الشعور بعدم الوضوح والقلق. فهذه بادرة تؤشر على أن العالم الخارجي بدأ ينظر إلى مصر باعتبار أنها أخذت تدخل مرحلة أوضح من الاستقرار.

* بعض المحللين كانوا يرون أن دول الخليج ربما كانت تشعر بالقلق من بعض التحركات من جانب النظام السابق، مثل محاولة التقارب مع إيران، في وقت توجد ثوابت للسياسة المصرية مثل أن «أمن الخليج خط أحمر». فكيف ترى مستقبل العلاقة بين مصر ودول الخليج، خاصة بعد المساعدات الخليجية التي جرى تخصيصها لمصر؟

- لا ننظر للأمر مع دول الخليج من خلال المساعدات التي جرى تخصيصها لمصر.. المساعدات التي جاءت، جاءت نتيجة شعور دول الخليج بأن مصر عادت لطبيعتها الأولى التي ترى في دول الخليج سندا سياسيا واقتصاديا وأمنيا. مصر طوال عمرها ترى أن عليها التزامات، وأيضا تتوقع أن لها حقوقا على الدول العربية.. وطوال عمرها، أو على الأقل في الخمسين سنة الماضية، تتعامل على أساس أن هناك علاقات ذات طبيعة خاصة تجمع المنطقة العربية.. وأنه، مع التجاوز عن الخلافات التي تقوم أحيانا هنا أو هناك، تظل هناك مصلحة قومية تفرض نفسها على الجميع. وهذا برز على أثر حرب سنة 1967 (بين مصر وإسرائيل)، وكانت أشد البلاد العربية صراعا فيما بينها في ذلك الوقت، هما مصر والسعودية.. إلا أنه، وفي مؤتمر الخرطوم، كانت الدولة التي تبنت فكرة تقديم الدعم لمصر هي السعودية. ما أريد أن أقوله هو أن الارتباط العضوي بين مصر ودول الخليج بالذات، أمر موجود منذ خمسين سنة، وحين جاء النظام السابق، برئاسة الدكتور محمد مرسي، بدأ هذا الارتباط العربي القومي يخف لحساب ارتباط أوسع اسمه «الجماعة الإسلامية» أو «الرابطة الإسلامية».. طبعا، هذا الأمر بدأ يتسبب في اختلال التوازن. المنطقة العربية منذ الخمسينات وبداية استقلال البلاد العربية، كانت ترى أنه مع كل ما يمكن أن يوجد من خلافات بين مختلف البلدان، إلا أن هناك قيمة عليا للجميع ترى أن استقرارها وأمنها وعلاقاتها البشرية والاقتصادية ينبغي أن تكون أعلى.. وحين اختفى النظام السابق عادت البلاد العربية لطبيعتها، وستعود مصر لطبيعتها. وأنا متفائل جدا لهذا الأمر.

* بالنسبة للأحداث السياسية في الشارع، هل لديكم برنامج لحلحلتها أو دمجها في الوضع الجديد؟ وأقصد بالأحداث السياسية اعتصام (مؤيدي الرئيس السابق) في منطقة رابعة العدوية شرق القاهرة، وأحداث العنف في سيناء؟

- هذا جزء مهم يأتي في إطار المساعي لإيجاد جو من الهدوء الأمني السياسي.. وإن شاء الله، بالنسبة لما أشرت إليه، سنجد له الحلول.. ونعتبرها واحدة من المشكلات أمام الحكومة الجديدة، ولا بد أن تحاول أن تعطي الانطباع بأن الأمور السياسية في طريقها إلى الحل ومن دون إقصاء، ومن خلال مد اليد لجميع الأطراف المستعدة لخدمة البلد.. نرجو أن تظهر الحكومة على أنها حكومة للجميع ومن أجل الجميع، وليست قادمة للانتقام.. ليس في نية الحكومة الانتقام ولا تصفية الحسابات. نرجو أن يتحقق هذا الأمر، والكل يخدم، دون أن يزعم طرف أنه يحتكر الحقيقة.

* لكن البعض يتخوف من إقصاء جماعة الإخوان ممثلة في حزبها «الحرية والعدالة»، والتيار السلفي ممثلا في حزب «النور» وحزب «الوطن»؟

- كما قلت لك.. الجزء الأساسي هو البعد عن الإقصاء والبعد عن تصفية الحسابات. البلد مفتوح للجميع، ما دام الجميع يؤمن بضرورة الأمن والاستقرار وعدم إقصاء الآخر أيضا.

* هل نستطيع أن نقول إنك تعني أن الأيدي ممدودة من الحكومة للجميع بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي؟

- مصر لجميع المصريين.. أنا لا أنظر لأحد بحسب أهدافه السياسية أو بحسب آيديولوجيته. كل المصريين أصحاب بلد، ومن حقهم أن يؤمنوا بما يرون أنه في مصلحة البلد، لكن دون استخدام العنف.. دون إقصاء.. دون تهديد. لكن بالنسبة للبلد، فلا بد أن يكون مفتوحا لكل الاتجاهات.

* ما الملفات التي تراها عاجلة، وترى أنه ينبغي للحكومة الجديدة أن تبدأ العمل عليها؟

- من الظلم أن أقول لك عنها الآن.. أي قبل أن يستكمل تشكيل وزراء الحكومة وقبل أن يكون هناك مجلس للوزراء أجلس معهم وأسمع منهم. المفروض أن مثل هذه القرارات، بشأن الأولويات وغيره، تكون من خلال مجلس الوزراء الذي سيكون فيه أكثر من رأي، ينتهي بعد المناقشة إلى رأي جماعي، لكن لو أنا أخبرتك، فسأخبرك عن آرائي بشأن ما ينبغي عمله.

* حسنا.. وما هي رؤيتك الخاصة للوضع الحالي في مصر. ماذا ستفعل؟

- لا بد أن نعيد الاطمئنان للجميع، وأن البلد مملوك للجميع، وليس لفصيل دون آخر. ولا يوجد محل للإقصاء أو تصفية الحسابات.. هذا أمر، ولكن ارتكاب الجرائم والإخلال بالأمن هذه قضية أخرى. قضية تعالج وفقا للقانون. لكن لا أحد يعاقب لأنه اعتنق فكرا معينا ما دام في إطار التفكير وفي إطار الآراء.. إذا كان الأمر هكذا، فإنه شيء مشروع ومطلوب.

* يتردد أنه صدرت قرارات اعتقال بحق سياسيين، رغم أن السلطات أكدت عدة مرات أنها ليست اعتقالات وإنما عمليات قبض على مطلوبين ومتهمين بأوامر من النيابة العامة، وفقا للقانون. ما تعليقك؟

- لا يوجد اعتقال بمعنى الاعتقال الذي يتم بقرار من السلطة التنفيذية.. أما إذا وضع الأمر بيد القضاء، حتى قبل أن يقدم المتهم للمحاكمة، فمن حق النيابة أن تضع المتهم تحت الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق، ولها أن تجدد الحبس الاحتياطي، إلى أن يكتمل التحقيق خوفا من ضياع الأدلة وغيره. هذا لا يعتبر اعتقالا. الاعتقال يتم بعيدا عن السلطة القضائية وبعيدا عن النيابة العامة، وهذا أمر غير موجود. لكن القاتل حين يتم القبض عليه يوضع بأمر النيابة تحت الحبس الاحتياطي على ذمة القضية، ولا يعتبر مدانا إلا بعد المحاكمة وبعد صدور حكم قضائي نهائي بشأنه.

* هل هذا يعني أن فكرة اللجوء للاعتقالات ليست موجودة، منذ قدوم الرئيس المؤقت عدلي منصور، وأنها لن تكون موجودة في عهد حكومتك؟

- أرجو ذلك طبعا..

* لديك ملف شائك هو الوضع في سيناء. وبصفتك مصريا صميما تتابع الأحداث بشكل ممتاز ودائم، كما هو معروف عنك، فكيف يمكن أن يوجد حل للوضع المتأزم في سيناء؟

- أنا لم أدخل الحكومة بعد، وبالتالي معلوماتي عن سيناء أستقيها حتى الآن مما أقرأه في الصحف، لكن أول شيء لا بد أن تكون هناك معلومات متوافرة.. أعتقد أن هذا الأمر تحت تصرف الجيش والشرطة.. لديهم قدر من المعلومات.. عليهم أن يقدموا هذا الأمر ويتصرفوا على قدر ما يتوافر لديهم من معلومات.

* مما يظهر في التقارير الدولية، يوجد أيضا قلق لدى العالم الخارجي يخص قناة السويس وتأثير التداعيات السياسية في مصر على الأمن فيها، باعتبارها ممرا ملاحيا دوليا مهما بدرجة كبيرة. هل تعتقد أن يتعرض هذا الممر لأي مشاكل بسبب الظروف الأمنية الحالية؟

- هذا أمر مستحيل.. بالنسبة لأهمية قناة السويس.. أقول إنها بقدر ما هي مهمة للعالم، هي على درجة أكبر من الأهمية بالنسبة لمصر، لأن مصداقية مصر مرتبطة بالقناة. ومصر مرتبطة بمعاهدة تعود لسنة 1899 تضمن حرية الملاحة، ولم تتخلف عن هذا الأمر في أي وقت. لم تتخلف أبدا عن احترام حرية الملاحة. وفي الفترات القليلة التي توقفت فيها الملاحة، كانت بسبب حروب لم تكن مصر قد بدأتها. ولم يحدث في أي وقت من الأوقات، سواء كنا في مشاكل أو في خلاف مع جار أو مع دولة كبرى، مثل إنجلترا، أو في حرب مع إسرائيل.. لم توقف الحكومة المصرية الملاحة في قناة السويس، وإنما تعطلت فقط عندما تعرضت مصر لعدوان من جهات أجنبية أصاب القناة، وبمجرد انتهاء العدوان، في كل حالة، كانت مصر أسرع الدول في إعادة فتح قناة السويس. فحرية الملاحة في قناة السويس ليست مطلبا دوليا فقط، بل لها أهمية مصرية صرفة. وتأمين القناة، من أي استهداف، من أولويات الحكومة.

* هناك جانب يتعلق، على ما يبدو، بمشكلة تؤرق المصريين، وهو «سد النهضة الإثيوبي» الذي يمكن أن يؤثر على حصة مصر من مياه نهر النيل، وعلى علاقتها بدول حوض النيل. كيف ترى الطريقة التي ينبغي لمصر أن تتعامل بها مع هذا الملف؟

- أول شيء، هذه قضية من القضايا التي يفرض فيها على دول الجوار التزامات متبادلة فيما بينها. وكل الأنهار التي تمر في أكثر من بلد تحكمها تقاليد دولية مستقرة.. أنا في اعتقادي أن هذا الأمر ينبغي أن يدرس في إطار من الاعتراف بحق إثيوبيا في أن تطور مواردها المائية وموارد الطاقة الكهربائية بما يحقق لها إمكانات النمو الاقتصادي على ألا يترتب على هذا الإضرار بدولة أخرى. هذا موجود في أي نظام قانوني، سواء كان نظاما قانونيا محليا أو دوليا. فلا بد أن يدار هذا الملف في إطار التفاهم المشترك، وفي إطار أن هناك مصالح لكل دولة، ولكن عليها قيود، وهي ألا تكون مصلحتها على حساب أضرار يتجاوز مصلحتها بالتأثير في دولة أخرى.

* في الغرب، ظهرت مقولة «انقلاب عسكري» في وصف ما حدث في مصر يوم 30 يونيو (حزيران) 2013 وما أعقبه من عزل للرئيس السابق. هل تعتبر نفسك رئيس وزراء لثورة 30 يونيو التي توصف بأنها امتداد لثورة 25 يناير 2011، أم رئيس وزراء «الانقلاب» كما يقال؟

- أنا لم أر وجود «انقلاب» إلا مما يرد في الصحف الأجنبية. الذي عرفته أن الدولة كان فيها نظام سياسي اتخذ منهجا أثار عددا كبيرا من المواطنين فنزلوا في الشوارع بالملايين، في سابقة لم يوجد لها مثال في التاريخ.. عشرات الملايين، ليس في القاهرة فقط، ولا في عواصم المحافظات المصرية فقط، ولكن كان خروج ملايين الناس على اتساع القطر المصري كله، وفي كل مكان.. وكان من الواضح أن هذه الجماعات الهائلة المتركزة في الميادين وفي الشوارع، تريد أن تغير النظام السياسي.. استمر هذا الأمر عدة أيام، وكاد الأمر يصبح خطرا على سلامة البلاد كلها، سواء الرافضين أو القابلين، فتدخل الجيش حماية لمؤسسات الدولة، ثم قام، مباشرة، بعمل نظام مؤقت مدني يرأس الدولة فيه رئيس المحكمة الدستورية العليا، وهو يدعو لتكوين وزارة انتقالية لكي تمهد لوضع دستور وإجراء انتخابات. فأين العمل العسكري.

الدور الوحيد للجيش في هذه العملية هو أنه استجاب لمطلب جماهيري شارك فيه الملايين ممن كانوا متجمعين في الطرق والميادين على درجة تهدد المؤسسات وتهدد الحياة نفسها. فارق كبير بين أن الجيش يأخذ المبادرة بالاستيلاء على السلطة وأنه يستجيب لمطالب 30 مليون مواطن يتظاهرون في الشوارع.

* الببلاوي في سطور:

- مواليد أكتوبر عام 1936.

- تخرج في كلية الحقوق، جامعة القاهرة عام 1957.

- اجتاز الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي والقانون العام.

- حصل عام 1964 على الدكتوراه في العلوم الاقتصادية (جامعة باريس).

- عمل مدرسا في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية عام 1965.

- عمل مستشارا لوزير مالية الكويت حتى مطلع ثمانينات القرن الماضي.

- في عام 1983 ترأس البنك المصري لتنمية الصادرات.

- في الثمانينات حصل على أوسمة بدرجة فارس من فرنسا ووسام الأرز من لبنان.

- جرى تعيينه وكيلا للأمين العام للأمم المتحدة (في قطاعات اقتصادية) عام 1995.

- في عام 2001 عمل مستشارا لصندوق النقد العربي في أبوظبي.

- اختير نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ووزيرا للمالية بعد ثورة 25 يناير 2011.