الانقسامات في الكونغرس تعرقل خطة إدارة أوباما لإرسال أسلحة إلى المعارضة السورية

البعض أراد تعهدا أكثر وضوحا.. وآخرون تخوفوا من وصولها لمتطرفين

TT

توقفت خطة إدارة الرئيس باراك أوباما لتسليح المعارضة السورية نتيجة تباينات في وجهات النظر بين أعضاء في الكونغرس حول كيفية مساعدة الثوار السوريين الساعين إلى الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد. ولم يكن وصول إدارة أوباما لقرار تزويد الثوار بالأسلحة سهلا بل كان شاقا وطويلا تخلله الكثير من المناقشات الداخلية، ولذا فإن انقسام أعضاء لجان الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ حول اقتراح إرسال أسلحة خفيفة وذخائر إلى قوات المعارضة السورية سيزيد من حالة الإحباط لدى من استطاعوا إقناع أوباما أخيرا بضرورة إعادة التوازن العسكري في سوريا، والشروع بنقل الإمدادات «في غضون أسابيع»، إذ لم تكن عملية التسليم قد بدأت بعد.

ووفقا لمسؤولين في الإدارة وأعضاء في اللجنتين، فشلت طلبات الإحاطة والمناشدات الشخصية لكابيتول هيل (مقر الكونغرس) هذا الأسبوع من مسؤولين كبار، منهم نائب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري ومدير وكالة المخابرات المركزية جون برينان، في حلحلة المعارضة القوية في اللجنتين. وقال مسؤول مطلع على المناقشات، اشترط عدم ذكر اسمه لتجنب مسألته من قبل المشرعين، إن «الكونغرس طالب على مدى شهور باتخاذ عمل أكثر قوة في سوريا. ولذا فمن المحير حقا أن يضع الكونغرس العراقيل، في الوقت الذي تطرح فيه الإدارة مقترح جديا على الطاولة»، مضيفا أن البعض أراد تعهدا أكثر وضوحا، ذاك أن مقترح الإدارة محدود ومتأخر جدا. وأبدى آخرون مخاوفهم من وقوع الأسلحة الأميركية في أيدي المتطرفين الإسلاميين الذين يقاتلون إلى جانب الثوار على الرغم من تأكيدات الإدارة الأميركية بعدم حدوث ذلك.

وقد رفض عدد كبير من المشرعين أي زيادة في التدخل أميركي في الحرب السورية ويخشون السقوط في مستنقع آخر في الشرق الأوسط. وقال النائب الديمقراطي آدم شيف، وهو عضو في لجنة الاستخبارات بالكونغرس إن «هناك عددا كبيرا منا أشادوا بحذر الرئيس حول عدم الانجرار إلى هذا الصراع ولا تزال لديهم مخاوف كبيرة». وأضاف: «أكثر ما يشغلني هو المخاوف من أننا إذا تحولنا إلى مزود للسلاح، فسوف ننزلق إلى حرب أخرى. فتقديم كميات صغيرة من السلاح ليس كافيا لتغيير المسار في ساحة المعركة، وسوف تكون هناك دعوات لتقديم أسلحة أكثر تطورا. أعتقد أن المخاطرة ستكون كبيرة للغاية إذا ما تدخلنا، لأن الخروج حينها سيكون صعبا للغاية».

وفق خطة الإدارة كان المتوقع أن تكون شحنات السلاح عملية سرية تديرها وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي أيه». وعلى الرغم من ضرورة إعلام الإدارة لجان الاستخبارات وقيادات الكونغرس، فإن موافقتهم وتصريحهم بالتمويل غير لازم قانونيا. لكن محاولة التوصل إلى اتفاق تقليد معمول به منذ فترة طويلة. وكان الكونغرس قد أظهر في السابق استعداده لاستخدام ميزانيته القوية لمنع أنشطة استخبارية محددة، كما فعل في وقت مبكر من الثمانينات إزاء القوانين التي تحظر تقديم أموال لمقاتلي كونترا الذين يسعون للإطاحة بحكومة نيكاراغوا.

من جانبه رفض المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أول من أمس التعليق على جوهر النزاع بشأن إرسال الأسلحة إلى مقاتلي الثوار السوريين، وقال كارني «قال الرئيس إننا سنتشاور مع الكونغرس، وهذا ما نقوم به».

خارج لجان الاستخبارات عبر قادة بارزون في الكونغرس عن غضبهم بشأن حدود برنامج «سي آي إيه» لأنهم لم يحاطوا علما بالقضية. وقال السيناتور الجمهوري وعضو لجنة العلاقات الخارجية بوب كروكر: «ما الذي يهدفون إليه من وراء ذلك؟ القيام بهذا الأمر بصورة سرية، حتى لا يضطروا على الإطلاق لمواجهة الشعب الأميركي وقيام عدد محدود من الأشخاص بالعملية كلها. أعتقد أن هذه سياسة مفزعة».

وشدد كروكر على أنه دعم تسليح الثوار، لكن على الرغم من تبنيه بالمشاركة مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية روبرت منديز مشروع قانون في مايو (أيار) يجيز للإدارة إرسال أسلحة، فإن أيا منهم لم يسمح له بالاطلاع على الخطة. وأشار كروكر إلى أن الإدارة ذاتها أعلنت الشهر الماضي أنها خططت لتقديم دعم عسكري مباشر، إن لم يكن غير محدد، للمعارضة السورية.

بدأ مسار الإدارة المتردد نحو تدخل أكثر فعالية في سوريا منذ ما يقرب من عامين، عندما أُحبطت الجهود المتكررة لتمرير قرار في مجلس الأمن بتدخل دولي يجيز حماية المدنيين السوريين عبر الفيتو الروسي، الحليف الدبلوماسي الأول للأسد ومصدر سلاحه. ومن دون تلك السلطة، بحسب الإدارة الأميركية، كان محظورا عليها بموجب القانون الدولي تقديم دعم مادي لإسقاط نظام قائم.

وتولت دول عربية، لم تشعر بأنها ملزمة بتلك القيود، مهمة التسليح الأولي للثوار. وذكرت الإدارة في البداية أنها لم تر حاجة للإضافة إلى طوفان الأسلحة المتدفق إلى سوريا وأنها ستحصر جهودها في تقديم المساعدات الإنسانية والإرشاد للمنظمات السياسية المعارضة. لكن خلال العام الماضي، طالب عدد متزايد من المشرعين من الحزبين، بمن فيهم ثين سين وجون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية آنذاك، بزيادة تدخل الولايات المتحدة والنظر في فرض منطقة «حظر جوي» لحماية المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار من القصف الجوي من قبل نظام الأسد. ولم يبت مطلقا في جدل الإدارة بشأن إرسال أسلحة إلى سوريا من عدمه.

في مطلع هذا العام، بدا أن استراتيجية عدم التدخل تؤتي ثمارها؛ إذ حقق المقاتلون الثوار تقدما هائلا ضد قوات الأسد، كما اتضح أن قيادات المعارضة السورية تتحرك صوب تنظيم حكومة بديلة. لكن بحلول هذا الربيع، ضاعت تلك المكاسب. فمع استعادة مقاتلي النظام، بدعم من حزب الله اللبناني الشيعي والميليشيات الإيرانية، الأراضي التي فقدوها قبل أشهر، انزلقت المعارضة السياسية إلى حالة من الاضطراب الهائل وهدد عدد متزايد من اللاجئين السوريين باجتياح دول الجوار.

كانت الدول العربية على استعداد لزيادة شحناتها من الأسلحة، بما في ذلك قذائف طلبتها قوات الثوار لصد طائرات ودبابات الأسد، ونجحت بريطانيا وفرنسا في تخطيط تعليق حظر من الاتحاد الأوروبي ضد إرسال أسلحة إلى سوريا. ولكن هذه الدول وغيرها تطلعت إلى قيادة الولايات المتحدة لتنسيق جهودها والحيلولة دون وقوع سوريا، والمنطقة بأسرها، في براثن حرب طائفية.

في الأشهر الأخيرة، تفاوض كيري مع روسيا بحثا عن حل سياسي وحاول تنظيم صفوف كل من المعارضة السورية وأنصارها. تحت قيادة جون برينان، وسعت «سي آي إيه» نطاق مراكز التدريب واللوجيستيات والاستخبارات لمساعدة الثوار السوريين في الأردن وتركيا. وأشار كل منهما، إلى جانب مسؤولي الأمن القومي بالبيت الأبيض، إلى أن الإدارة بحاجة لامتلاك ما وصفه مسؤول بـ«نصيب في اللعبة»، في صورة شحنات أسلحة، لتوفير قيادة فعلية.

وافق الرئيس أوباما في نهاية الأمر وصدق على الخطة. ولتجنب تعقيدات قانون دولي محتملة وجدل عام ممتد في الكونغرس، صدق على اقتراح إجراء سري لإرسال إمدادات أسلحة محدودة في يوم 13 يونيو (حزيران) الماضي. وأوضح مسؤولو الإدارة أنهم على استعداد للنظر في تصعيد التدخل، بما في ذلك شن غارات جوية ضد منشآت النظام واحتمال فرض منطقة حظر جوي، إذا ما تبين كون ذلك ضروريا. مثلما ينص القانون، أطلع كيري ونائب مدير «سي آي إيه» مايك موريل لجان الاستخبارات التابعة لمجلس النواب ومجلس الشيوخ يومي 19 و20 يونيو الماضي على آخر الأخبار. وفي يوم 21 يونيو، غادر كيري في رحلة خارجية ممتدة، تضم لقاءات مع شركاء أجانب لمناقشة السياسة الأميركية الجديدة.

* خدمة «واشنطن بوست»