جدل في البرلمان الموريتاني حول قانون تعارض الوظائف السامية مع ممارسة السياسة

مجلس الشيوخ والحكومة أدخلا عليه تعديلات رفضتها الجمعية الوطنية

TT

يشهد البرلمان الموريتاني تجاذبا قويا ما بين غرفتيه العليا والسفلى، حول مشروع قانون يتعلق بتعارض بعض الوظائف السامية والحساسة مع ممارسة العمل السياسي، وهو مشروع القانون الذي أسفر عنه الحوار الوطني الذي جمع سنة 2011 الحكومة والموالاة، من جهة، وبعض أحزاب المعارضة الموريتانية، من جهة أخرى.

وسبق لمجلس الشيوخ أو الغرفة العليا في البرلمان الموريتاني أن صادق على مشروع القانون خلال الدورة البرلمانية السابقة في يناير (كانون الثاني) الماضي، وذلك بعد تعديله من طرف الحكومة، وهي التعديلات التي لقيت معارضة قوية من طرف أحزاب المعارضة التي شاركت في الحوار، والتي قالت إن تعديلات الحكومة غيرت جوهر القانون، مهددة بالتخلي عن جميع النقاط المتفق عليها في الحوار إذا لم يتم إلغاء التغييرات.

وفي الدورة البرلمانية الجارية ألغيت التعديلات السابقة، وأدخلت على مشروع القانون تعديلات وصفت بـ«الطفيفة»، مكنت من المصادقة عليه مطلع الأسبوع الجاري من طرف الجمعية الوطنية، الغرفة السفلى في البرلمان، التي أحالته إلى مجلس الشيوخ الذي يجب أن يصادق عليه حتى يصبح ساري المفعول، غير أن مجلس الشيوخ شكل لجنة مشتركة تضم سبعة من أعضائه رفقة سبعة من أعضاء الجمعية الوطنية، كلفوا بإعادة النظر في مشروع القانون، على أن يقترحوا نصا توافقيا يعرض على الغرفتين للمصادقة عليه.

يشار إلى أن مشروع القانون المذكور يحظر ممارسة السياسة بشكل علني لمدة خمس سنوات على عدد من الموظفين الحكوميين، خشية استغلال وسائل الدولة أو غياب الحياد أثناء أدائهم مهامهم، ومن بين هذه الوظائف: ضباط المؤسسة العسكرية والقضاة ومديرو المؤسسات العمومية، ورؤساء مجالس الإدارات، كما يحظر القانون خلط العضوية في البرلمان بأي مسؤولية رسمية أخرى.

وفي هذا السياق، قال وزير الداخلية واللامركزية الموريتاني، محمد ولد ابيليل إن «إعادة طرح مشروع القانون يدل على وفاء الحكومة بالتزاماتها بصياغة ما اتفق عليه طرفا الحوار الذي جمع الأغلبية الرئاسية مع بعض أحزاب المعارضة في شكل نصوص قانونية»، مشيرا إلى أن «مدونة الانتخابات شكلت إحدى أهم النقاط التي تمحور حولها الحوار؛ نظرا لأن تطويرها ظل لسنوات خلت مطلبا للطبقة السياسية الوطنية».

واعتبر وزير الداخلية الموريتاني أن «وضع إطار قانوني لتنظيم حالات التعارض البرلمانية، وحالات انعدام الأهلية للترشح، يعتبر خطوة مهمة في سبيل إرساء منظومة تشريعية ناضجة وشفافة وعادلة، تضع ضوابط قانونية للتنافس الانتخابي»، وفق تعبيره.

وكانت آراء أعضاء البرلمان الموريتاني قد تباينت حول القانون المذكور، حيث قال محمد ولد ببانه، النائب عن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، لـ«الشرق الأوسط» إن «الفلسفة التي تقف وراء هذا القانون هي أن الديمقراطية عانت كثيرا في هذه البلاد، جراء بعض الخلط بين المأموريات السامية في البلاد وبعض المأموريات الأخرى، التي تنظم المجال الاقتصادي والحيوي بالنسبة للمواطنين»، مضيفا أن «الأحزاب السياسية المشاركة في الحوار ارتأت أن هنالك وظائف ينبغي أن لا يمارس أصحابها السياسة مطلقا، وهذا القانون يحدد بشكل صريح أسماء هذه الوظائف».

وأشار ولد ببانه إلى أن «هنالك بعض المقتضيات التي يرى البرلمانيون أن فيها إجحافا بالبرلماني ومأموريته، حيث إن النائب البرلماني إذا كان محاميا، لا يحق له بموجب هذا القانون الجديد أن يرافع عن طرف فيه الدولة أو المال العام، سواء كان سالبا أو موجبا، لا مع طرف الدولة ولا أيضا مع الطرف الخاص الذي ينازعها، كما يمنع القانون الجديد النائب البرلماني من المشاركة في رأس مال أي مؤسسة عمومية تشارك الدولة في رأس مالها».

وفي هذا السياق، قال ولد ببانه إن «القانون الجديد يستهدف بشكل أساسي خلق مجال من الشفافية في ممارسة البرلمانيين لوظائفهم العامة؛ لأنه يستهدف الفصل بين المأمورية البرلمانية من ناحية، وبين بعض المسؤوليات التنفيذية والسياسية والاقتصادية في البلاد»، وفق تعبيره.

أما بداهية ولد السباعي، النائب عن حزب التحالف الشعبي التقدمي الذي شارك في الحوار مع النظام سنة 2011، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مشروع القانون مهم جدا؛ لأنه يضفي على الحياة السياسية في البلد إمكانية التنافس السليم الحر، من خلال تحريم النشاط السياسي على مجموعة من الموظفين والضباط السامين في الجيش الذين كانوا يساهمون إلى حد ما في إفساد المشهد السياسي في البلد».

وأشار ولد السباعي إلى أن مشروع القانون المذكور «يأتي ضمن سلسلة من القوانين الرامية إلى إصلاح النظام الانتخابي والنظام السياسي في البلد، وتهدف بشكل أساسي إلى نوع من توازن السلطات في النظام السياسي الموريتاني، وبالتالي فهو قانون مهم، وأعتقد شخصيا أنه سيقطع بالبلد شوطا مهما في اتجاه إصلاح النظام بصورة عامة».

وعن العراقيل التي واجهها القانون قبل المصادقة عليه من طرف الجمعية الوطنية، قال ولد السباعي إنه «في مرحلة معينة تعرض القانون لتغييرات من طرف الحكومة ومجلس الشيوخ، اعترضنا عليها في كتلة المعاهدة من أجل التناوب السلمي؛ لأننا نعتقد أنها مست جوهر القانون، وهذا ما أدى إلى تأخيره عن الدورة الماضية».

وفي غضون ذلك، انتقدت كادياتا مالك جالو، عضو البرلمان الموريتاني عن حزب اتحاد قوى التقدم المعارض، تأخير المصادقة على مشروع القانون. وقالت إن «هذا القانون من نتائج الحوار الذي نظم منذ عامين بين النظام وبعض أطراف المعارضة، وبالتالي فإننا لا نفهم لماذا جرى تأجيله ليكون هو آخر القوانين التي جرت المصادقة عليها، وكأن هنالك ما عرقل المصادقة عليه»، قبل أن تتساءل: «لماذا لم يكن هو الأول؟».

وأضافت مالك جالو أن المعارضة لاحظت أن «مشاكل تأسيس الديمقراطية على مستوى البلاد تتمثل في خرق القوانين، وهذا ما جعلنا نقول إنه بدل تقديم القوانين للمصادقة عليها من طرف البرلمان، يجب إظهار إرادة سياسية جادة نحو تطبيق هذه القوانين».

وأشارت إلى أن «الجميع يعرف أن رؤساء مجالس الإدارة يجري تعيينهم من أفراد الحزب الحاكم، والشيء نفسه بالنسبة لمديري وسائل الإعلام الرسمية، وأي منصب يملك صاحبه تأثيرا يعين فيه أحد أفراد الحزب الحاكم»، قبل أن تقول: «من يقوم بهذا لن يقنعنا أنه سيطبق القانون الجديد ويضمن عدم دخول أصحاب الوظائف المذكورة في السياسة».

وعبرت مالك جالو عن استغرابها من تقديم مشروع القانون تحت عنوان «تعارض الوظيفة البرلمانية»، مشيرة إلى أن «البرلماني ليس هو من يعطل الديمقراطية، وإنما يعطلها من يستخدم وسائل الدولة لأغراض الحزب الحاكم».