فضيحة استخباراتية تطيح بعميد القادة الأوروبيين

رئيس وزراء لوكسمبورغ يستقيل بعد اعترافه بـ«أخطاء» لكنه عازم على الترشح مجددا في أكتوبر

يونكر أثناء توجهه لاجتماع مع الدوق الكبير هنري في لوكسمبورغ أمس (رويترز)
TT

اضطر جان كلود يونكر رئيس الوزراء في لوكسمبورغ منذ 18 عاما وعميد القادة الأوروبيين إلى تقديم استقالته أمس، بعد أن تخلى عنه حليفه الاشتراكي على خلفية فضيحة مرتبطة بجهاز الاستخبارات مما يغرق هذا البلد الصغير المؤسس للاتحاد الأوروبي في أزمة سياسية.

وأعلن يونكر عن عزمه الاستقالة خلال جلسة في مجلس النواب دامت سبع ساعات مساء الأربعاء، وكانت مخصصة لمناقشة تقرير مكون من 140 صفحه أعدته لجنة برلمانية حول فضيحة مرتبطة بجهاز الاستخبارات هزت البلاد قبل أشهر. وبعدما تخلى عنه شركاؤه في التحالف الديمقراطي الاشتراكي خلال الجلسة قال يونكر إنه لا يوجد أي حل آخر غير تقديم الاستقالة». وكان متوقعا أن يقدم استقالته رسميا إلى رئيس الدولة الدوق الكبير هنري قبيل في وقت لاحق أمس في أعقاب آخر جلسة للحكومة.

ويعد يونكر المسؤول السياسي عن عمل جهاز الاستخبارات، واعترف بالفعل بوقوع أخطاء، لكنه عاد وأكد هو والحزب الذي ينتمي إليه أنه لا توجد أي عوائق تمنعه من الترشح مجددا للانتخابات القادمة. وطالب التقرير من يونكر أن يعلن تحمله المسؤولية الكاملة لما حدث، كما طلب من النواب أن يسحبوا الثقة من الحكومة الحالية. ويواجه يونكر اتهامات بالفشل في وضع حد لجهاز الاستخبارات في بلاده عن القيام بعمليات تنصت غير قانونية والتورط في الفساد. وقال يونكر: «لسنا معصومين عن الأخطاء. ارتكبت بعض الأخطاء الصغيرة، وتجاوبت مع اعتراضات البرلمانيين التي تصاعدت، لكن اعتراضاتي لم تقبل، وبالتالي لا يوجد خيار آخر سوى تنظيم انتخابات مبكرة». وكانت قد شكلت لجنة تحقيق برلمانية نهاية العام الماضي، بعد كشف معلومات عن تجاوزات واختلاسات ارتكبها جهاز الاستخبارات الخاضع لسلطة رئيس الوزراء.

ويفترض أن تنظم انتخابات مبكرة في غضون ثلاثة أشهر، على الأرجح في 20 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أي قبل سبعة أشهر من موعدها العادي في مايو (أيار) 2014. وأكد يونكر أنه عازم على الترشح للانتخابات، لكنه لم يفصح بوضوح عما إذا كان سيتولى مجددا منصب رئيس الوزراء. وقال مساء الأربعاء أيضا: «لست معاقبا، ولذلك أريد أن أترشح مجددا للانتخابات». وقد دعا حزبه المسيحي الاجتماعي إلى عقد مؤتمر استثنائي، علما بأن هذا الحزب (يمين وسط) الحاكم بشكل متواصل منذ تأسيسه في 1944، باستثناء فترة قصيرة في المعارضة في أواسط سبعينات القرن الماضي، يهيمن إلى حد كبير على الحياة السياسية المحلية. وفي 2009 حصل الحزب مع 38% من الأصوات على 26 مقعدا نيابيا من أصل 60، أي ضعف المقاعد التي حصل عليها حلفاؤه الاشتراكيون وثلاثة أضعاف مقاعد الليبراليين. ويفترض منطقيا أن يبقى أول حزب في البلاد.

وفي حال عدم تسلم جان كلود يونكر منصب رئاسة الحكومة، فإن أحد المرشحين لخلافته قد يكون وزير المالية لوك فريدن. لكن تورطه في فضيحة جهاز الاستخبارات التي أسقطت يونكر يهدد بشكل كبير فرصه. والاسم الذي يتردد غالبا لتولي المنصب هو فيفيان ريدينغ المنافسة السياسية الرئيسة ليونكر داخل الحزب، والشخصية السياسية المحلية الأكثر شهرة بعده. وهي منفية منذ نحو خمس عشرة سنة في بروكسل في المفوضية الأوروبية حيث تكلف حاليا شؤون القضاء لولاية ثالثة متتالية كمفوضة أوروبية.

إلى ذلك، فإن الغموض يسود أيضا حول طبيعة الائتلاف المقبل. فهل سيعاود المسيحيون الاشتراكيون الانطلاق مع حليفهم الاشتراكي التقليدي أم أنهم سيحاولون رسم سيناريو آخر مع الليبراليين الذين سبق وحكموا معهم بين 1999 و2004. ومن السيناريوهات المطروحة كذلك تشكيل ائتلاف ثلاثي جديد بين الاشتراكيين والليبراليين والخضر لطرد المسيحيين الاشتراكيين.

وصباح أمس تلقى يونكر دعم الحزب الشعبي الأوروبي الذي يضم أحزاب الوسط اليمين الأوروبية. وقال جوزيف دول رئيس التكتل في البرلمان الأوروبي أن جان كلود يونكر المهندس المتحمس للبناء الأوروبي الذي يعمل بثبات من أجل القضية الأوروبية، هو أحد أركان الأسرة السياسية للحزب الشعبي الأوروبي وسيبقى كذلك». وخلص إلى القول: «إنني أؤكد له دعمي التام وأكرر له كل ثقتي للمستقبل. جان كلود يونكر سيبقى دوما علامة فارقة بالنسبة للأسرة السياسية للحزب الشعبي الأوروبي. إنني على ثقة بأننا سنستمر معا في دفع القضية الأوروبية قدما». وفي عام 1999 طرح على يونكر تولي رئاسة المجلس الأوروبي في أولى بداياته، قبل أن يطعن به الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي.

وفي مجمل الأحوال فإن على رئيس الوزراء المقبل أن يبذل جهودا أكبر من سلفه في الحياة السياسية للبلاد. وبين ما يؤخذ على يونكر هو أنه أهمل البلاد لمصلحة أوروبا، خصوصا في السنوات الأخيرة عندما قام بمساعٍ كبيرة من أجل إنقاذ اليورو على رأس اليوروغروب، منتدى وزراء مالية الاتحاد النقدي الذي ترأسه بين 2005 و2013. وتأتي استقالة يونكر بعد بضعة أشهر من إعلان لوكسمبورغ، أحد أهم المراكز المالية في أوروبا، رفع السرية المصرفية جزئيا بعد سنوات من الصمود.