البوسنة تتذكر مذبحة سريبرينيتسا وتدفن رفات 409 مسلمين من ضحاياها

جثث بعض القتلى لا تزال مجهولة المكان.. ولاهاي تعيد توجيه تهمة الإبادة إلى كرادجيتش

رجل يواسي قريبة له خلال عملية إعادة دفن رفات 409 من ضحايا مذبحة سريبرينيتسا في الذكرى الـ 18 للمجزرة قرب سريبرينيتسا أمس (أ.ب)
TT

أحيا مسلمو البوسنة أمس ذكرى مجزرة سريبرينيتسا بعد 18 عاما على وقوع عملية الإبادة هذه التي ارتكبتها قوات صرب البوسنة بحق ثمانية آلاف رجل وفتى، في حين يشهد هذا البلد الواقع في البلقان اليوم أكثر من أي وقت مضى، انقسامات إثنية تتسبب في أزمة سياسية تكاد تكون مزمنة.

وشارك آلاف الأشخاص في دفن رفات 409 مسلمين من ضحايا المجزرة، عثر عليها في مقابر جماعية وتم التعرف على هوياتها منذ الذكرى السابقة. ولم يعثر حتى الآن على جثث أو رفات بعض من قتلوا في المذبحة التي لا تزال تمثل جرحا مفتوحا.

وقال بكر عزت بيغوفيتش العضو المسلم في مجلس الرئاسة الجماعي بالبوسنة: «واجه ضحايا أبرياء لا حول لهم ولا قوة كراهية عمياء من جانب مجرمين أشبه بمجرمي معسكرات النازي في ألمانيا إبان حكم هتلر». وأضاف بيغوفيتش وهو ابن رئيس البوسنة خلال الحرب: «ظللنا نسأل أنفسنا طيلة هذه الثمانية عشر عاما ما الذنب الذي اقترفه هؤلاء في تلك الأيام الكاحلة ومع من؟».

وتضمنت فعالية إحياء الذكرى لهذه السنة دفن أصغر ضحية في الإبادة، وهي رضيعة لعائلة موهيتش. وصرح كنعان كرافديتش المسؤول عن فعالية إحياء الذكرى أمس إنه تقرر دفن الرضيعة إلى جانب قبر والدها حجر الدين الذي قتل في المجزرة. وقد توفيت الرضيعة في يوليو (تموز) 1995 بعد ميلادها بقليل في قاعدة الأمم المتحدة في بوتوكاري قرب سريبرينيتسا. واحتشد حينها آلاف المسلمين قرب قاعدة الأمم المتحدة وجنودها الهولنديين، آملين في حمايتهم من قوات صرب البوسنة التي كانت قد دخلت قبل قليل إلى سريبرينيتسا. ونبشت رفات الرضيعة في 2012 من مقبرة جماعية في موقع قاعدة الأمم المتحدة سابقا.

ومن بين الضحايا الذين تقرر دفنهم أمس أيضا امرأتان كان عمرهما عند وقوع المجزرة 19 و73 سنة. وفي الصباح وضعت نعوش من خشب لفت بالأخضر قرب القبور التي حفرت حديثا. وأوضح كرافديتش «بالضحايا الـ409 الجدد، نكون قد تعرفنا ودفنا في المجموع ستة آلاف و66 ضحية». وحضرت منيرة سوباسيتش التي فقدت ابنها وزوجها في المجزرة، هذه السنة لدفن رفات ابنها نرمين الذي كان عمره 17 سنة يوم وفاته. وهمست منيرة تقول: «كنت آمل العثور على كل عظامه، ساقيه وذراعيه وجمجمته، تصور كيف تشعر أم يقال لها إنها ستدفن فقط قطعتين من عظام ابنها».

ومساء الأربعاء، وصل نحو ستة آلاف شخص إلى بوتوكاري قرب سريبرينيتسا، حيث يقع مركز نصب ضحايا المجزرة، سيرا على الأقدام بعكس الاتجاه الذي سلكه مسلمو سريبرينيتسا في الغابات هربا من المجازر. واحتلت قوات صرب البوسنة في الحادي عشر من يوليو (تموز) 1995، قبل بضعة أشهر من نهاية حرب البوسنة (1992 - 1995) بلدة سريبرينيتسا المسلمة التي أعلنتها الأمم المتحدة في 1993 «منطقة حماية دولية». وقتل نحو ثمانية آلاف رجل وشاب مسلم في ظرف بضعة أيام وعثر على رفاتهم في أكثر من 300 مقبرة جماعية.

وصنف القضاء الدولي هذه المذبحة وهي الأشنع في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، عملية إبادة. لكنها ما زالت نقطة خلاف بين المسلمين والصرب الذين يرفض قادتهم السياسيون الاعتراف بأنها عملية إبادة ويقللون بانتظام من خطورة هذه الجريمة. وقد شلت الخلافات السياسية بين المسؤولين الصرب والمسلمين وكروات البوسنة والتي غالبا ما تنشب لأسباب عرقية، خلال السنوات الأخيرة الإصلاحات ومسيرة البلاد نحو الاتحاد الأوروبي.

وأعلن بكر عزت بيغوفيتش أنها «اللحظة الأخيرة كي يعترف العالم والمنطقة وفي البوسنة والهرسك، بأن ما جرى في سريبرينيتسا كانت إبادة». وقد دعا رئيس صربيا توميسلاف نيكوليتش القومي الذي أثار ضجة في 2012 بعد توليه الحكم عندما نفى أن تكون مجزرة سريبرينيتسا إبادة، في أبريل (نيسان) الماضي، إلى الصفح عن بلاده من هذه «الجريمة» لكنه تجنب استعمال عبارة «الإبادة».

وبعد أن تهربا من القضاء الدولي لسنوات عدة يخضع قائدا صرب البوسنة العسكري راتكو ملاديتش والسياسي رادوفان كرادجيتش حاليا إلى المحاكمة أمام محكمة الجزاء الدولية في يوغوسلافيا السابقة خصوصا بشأن سريبرينيتسا، واعتقل الاثنان في صربيا، كرادجيتش في 2008 وملاديتش في 2011. وقد وجهت محكمة الجزاء الدولية للنظر في جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة (مقرها لاهاي) مجددا أمس تهمة أساسية إلى كرادجيتش برأته منها من قبل وتتعلق بإبادة مسلمي وكروات البوسنة في 1992. وكانت تبرئة كرادجيتش من هذه التهمة أعلنت في منتصف محاكمته في إطار إجراءات خاصة للمحكمة ولا تتعلق سوى بواحدة من 11 تهمة موجهة إليه.