الائتلاف الحاكم في تونس يعرض وساطته بين المصريين

العبدولي: الوضع في مصر لن يعود إلى الوراء بسبب الأخطاء القاتلة التي ارتكبها مرسي

TT

عرض الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس أمس وساطته لتخفيف حدة التوتر في مصر بعد دخول البلاد في أزمة سياسية حادة. وخلف هذا الموقف ردود فعل متباينة داخل تونس وخارجها، وارتبط أساسا بإمكانية استنساخ عملية الإطاحة بنظام مرسي، وسحبها على الساحة السياسية وتهديد المعارضة التونسية باللجوء إلى نفس الخيار السياسي بالنزول إلى الشارع لإخراج الترويكا من الحكم. وتمسكت أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم بوجود اختلافات عميقة بين الثورتين وصعوبة تعرض تونس لنفس مصير الحكم في مصر.

واجتمع كل من عماد الدايمي الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، ومحمد بنور المتحدث الرسمي باسم التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وعامر العريض رئيس المكتب السياسي في حركة النهضة، ودعوا كل القوى الوطنية المصرية إلى «حقن الدماء واحترام الإرادة الشعبية بما يمكن من العودة إلى الشرعية الديمقراطية والبدء في حوار وطني شامل». وعبرت «الترويكا» الحاكمة عن «استعدادها لتقديم كل ما من شانه تخفيف التوتر في الشقيقة مصر والتوصل لتوافق وطني يصب في صالح مصر وشعبها»، على حد ما تضمنه بيان صادر عن الأحزاب الثلاثة.

وحول دعوة الوساطة بين المصريين قال التهامي العبدولي كاتب الدولة (وزير دولة) التونسي السابق للشؤون الأوروبية لـ«الشرق الأوسط»، إن الوضع في مصر لن يعود إلى الوراء لأسباب عديدة أهمها الأخطاء القاتلة التي ارتكبها الرئيس مرسي خلال سنة من حكمه البلاد. وخلافا لمعظم التحليلات السياسية التي لا ترى نقاط التقاء بين الوضع السياسي المتأزم في البلدين، قال العبدولي إن إمكانية استنساخ عملية الإطاحة بالسلطة في مصر تبقى واردة طالما أن أسباب التوتر السياسي والاجتماعي متقاربة في معظمها.

وبشأن احتجاج وزارة الخارجية المصرية على «التدخل التونسي في الشأن الداخلي هناك»، قال العبدولي إن حركة تمرد تونس وراءها أطراف سياسية من كل المستويات والفئات، وجمعت حاليا قرابة مليون توقيع من تونسيين يطالبون بحل المجلس التأسيسي (البرلمان) وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، مشيرا إلى أن ما لا تعلمه الترويكا التي عبرت عن استعدادها للوساطة بين المصريين أنها ستجد نفسها وحيدة في مواجهة الشارع التونسي على حد قوله. واعتبر أن دفاع رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي والائتلاف الثلاثي الحاكم عن الشرعية الانتخابية ووصف ما جرى في مصر بـ«الانقلاب العسكري» هو في حقيقة الأمر دفاع عن الحكم حتى يبقى بين أياديهم على حد تعبيره. وبشان دعوة المرزوقي لقمة أفريقية عاجلة، قال العبدولي إن الرئيس التونسي لم يفهم خصوصية الوضع في مصر ومطالب المصريين وتركيبتهم الاجتماعية الخاصة، واعتبر تلك الدعوة مسألة غير قابلة للتحقيق ولا يمكن الأخذ بها على حد قوله وأن «أي حاكم يرتكب مستقبلا نفس الأخطاء سيلاقي المصير نفسه».

وكان حزبا حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية الشريكان في الائتلاف الثلاثي الحاكم قد انتقدا عزل الرئيس مرسي من منصبه واعتبرا العملية «انقلابا عسكريا» وطالبا بالعودة إلى الشرعية الانتخابية.

ودعا المرزوقي الرئيس إلى عقد قمة أفريقية طارئة لمناقشة الوضع المتأزم في مصر وانتقد موقف الجامعة العربية وعدها غير محايدة فيما يجد من أحداث هناك. إلا أن الخارجية المصرية انتقدت التصريحات الرسمية في تونس ورفضت دعوة المرزوقي لعقد قمة أفريقية عاجلة، واستدعت السفير التونسي في القاهرة وعد الموقف التونسي تدخلا في الشؤون الداخلية لمصر، وقالت: «إنه لا يتناسب مع العلاقات الإيجابية بين الشعبين المصري والتونسي».

وردت وزارة الخارجية التونسية بالقول إن الموقف الرسمي التونسي من التطورات الأخيرة في مصر هو «موقف سيادي ومبدئي يستند إلى أسس ومرتكزات العملية الديمقراطية في إطار الشرعية والتوافق». وهو ما قد ينذر بمزيد من التطورات في علاقة البلدين.

ومن جهته، قال عامر العريض رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة لـ«الشرق الأوسط» إن الثورات العربية قامت من أجل إرساء أنظمة مدنية قادرة على الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وحدها للوصول إلى السلطة. وأضاف موضحا: «من غير المنطقي الذهاب مباشرة إلى الشارع دون المرور بقنوات الحوار والتواصل لرأب التصدعات الممكنة في مجتمعات عانت من القهر والاستبداد الكثير. وذكر العريض أن استبدال استبداد باستبداد من نوع آخر لا يمكن أن يكون في صالح شعوب بلدان الربيع العربي. واعتبر أن الدفاع عن الشرعية موقف مبدئي لا يهم الوضع في مصر لأن تنظيم الإخوان المسلمين هو الذي يقود البلاد، بل لأن مقتضيات الأنظمة الديمقراطية تتطلب المحافظة على من أفرزهم صندوق الاقتراع دون النظر إلى خلفيتهم السياسية، وتغييرهم لا يكون سوى بطرق المساءلة والمحاسبة وسحب الثقة عبر الهياكل الدستورية المنتخبة لا غير.