زيباري: العراق بين نارين.. ايران وأميركا

وزير خارجية العراق يرجح في حوار مع «الشرق الأوسط» وجود تفاهم أميركي ـ روسي على بقاء الأسد حتى 2014

TT

كشف هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي أن أطرافا أوروبية تقترح التئام مؤتمر «جنيف 2» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر (أيلول) المقبل. بيد أنه نبه من أن خيارا كهذا سيفرغ المؤتمر من محتواه وسيحوله إلى لقاء من غير تأثير أو أهمية. وأفاد الوزير أن نظيره السوري وليد المعلم طلب من العراق لدى زيارته بغداد الشهر الماضي ودائع مالية ونفطا خاما بأسعار تفضيلية. لكن العراق رفض الاستجابة.

وقال هوشيار زيباري في لقاء مطول مع «الشرق الأوسط» بمناسبة زيارته لباريس، إن مهمته الأولى تتركز على توضيح موقف العراق من الأزمة السورية وتبيان أنه واقع بين نارين: إيران والولايات المتحدة الأميركية. لكنه يلتزم موقفا حياديا مختلفا عن النأي بالنفس. وأشار زيباري إلى أنه أبلغ الغربيين أن بلاده غير قادرة على وقف عملية نقل السلاح من طهران إلى دمشق إذا كانت موجودة ودعاهم إلى إيقافها إذا كانت تخالف قرارات مجلس الأمن الدولي الذي يمنع دخول وخروج السلاح من إيران.

وفيما استبعد زيباري التدخل الأجنبي العسكري في سوريا، رجح وجود تفاهم أميركي - روسي على بقاء الأسد في السلطة حتى نهاية ولايته العام المقبل. واستبعد زيباري حصول اختلاف في الرؤى أو المصالح بين النظام السوري وإيران لكنه دعا إلى انتظار تسلم حسن روحاني مسؤوليات منصبه وتشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة والوفد المفاوض في الملف النووي لاستجلاء آفاق السياسة الإيرانية الجديدة وانعكاساتها الإقليمية والسورية.

وعن الوضع العراقي الداخلي وتكاثر التفجيرات الأمنية وارتفاع أعداد القتلى والضحايا، اعتبر زيباري أن ثمة تقصيرا من الحكومة ومن أجهزتها. لكنه استبعد انزلاق العراق إلى حرب أهلية أو طائفية. وفي ما يلي نص الحديث:

* لقد التقيت في الأيام الأخيرة بمجموعة واسعة من وزراء الخارجية والمسؤولين الغربيين وفي الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي. هل بنظرك هناك رؤية واضحة غربية لما هو منتظر من تطورات الوضع ومستقبله في سوريا؟

- من خلال اتصالاتنا المكثفة في مجلس الأمن وأوروبا، وحتى مع دول إقليمية وعربية، لم يتبين لي، ومع الأسف الشديد، أن هناك أية رؤية واضحة لجهة كيفية معالجة الأزمة السورية أو وضع حد لنزيف الدم والدمار اليومي. والسبب الرئيس هو غياب الإرادة الدولية للعمل من أجل وقف هذه المأساة. وبالطبع، هذا مرتبط بحالة الأوضاع الدولية والاقتصادية في كثير من دول القرار.

* بمعنى؟

- أعني أنه في الولايات المتحدة الأميركية، هناك أزمة اقتصادية وهناك إدارة تحرص على الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يفضي إلى تدخل عسكري خارجي أو حتى إنساني لأسباب أو مبررات أميركية محض. أما الأوروبيون فإنهم عاجزون عن التحرك بمعزل عن الأميركيين. كذلك، فإن الدول الإقليمية المهتمة عن قرب بالمعارضة السورية وبالوضع السوري الميداني، فإنها غير قادرة وغير مؤهلة لأن تكون لها القيادة. هناك فريق موجود ولكن يعوزه «الكابتن» لقيادة عملية التغيير والانتقال أو التسوية السياسية. أضف إلى ذلك أن الأزمة السورية تتعقد أكثر فأكثر ويوما بعد يوم ولا أحد يملك أي سيطرة على الوضع الميداني، لا المعارضة ولا النظام. وهنا يكمن وجه الخطورة وهو ما حذرنا منه منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة السورية. الكل حاليا يتمسك بمشروع مؤتمر جنيف 2 باعتباره ثمرة توافق دولي روسي - أميركي. لكن من خلال اتصالاتنا الأخيرة يتبين لنا أن فرص عقد المؤتمر المذكور تراجعت كثيرا إذ لا يمكن أن يعقد هذا الشهر ولا حتى الشهر المقبل. وثمة من يقترح من بين البلدان الأوروبية عقده على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) المقبل. وفي نظرنا، فإن هذا يفقد المؤتمر الكثير من أهميته.

* هل هذا الاقتراح جدي؟

- الفكرة طرحت. إذا حصل المؤتمر بهذا الشكل، فسيكون أحد الاجتماعات السريعة على هامش أعمال الجمعية العامة ومجرد إعلان مواقف معروفة.

* المشكلة بخصوص جنيف 2 أن هناك خلافا على الأجندة وآخر على مصير الرئيس الأسد فضلا عن أن المعارضة ترفض الذهاب إلى جنيف قبل «إعادة التوازن الميداني»؟

- صحيح هناك جدل حول من يمثل من، النظام والمعارضة وكذلك حول الأطراف الخارجية وحول الأجندة والصلاحيات.. نحن نصحنا النظام عندما زارنا وفد منه برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم الشهر الماضي وكذلك نصحنا المعارضة بعدم وضع شروط مسبقة لأنها لن ترضي في أي حال الطرف الآخر أيا كان. الحكومة السورية أعلنت عن مشاركتها في جنيف 2 من بغداد. وخلال لقاءاتنا مع الوفد السوري، سألناهم: ما الذي تقبلون تقديمه على طاولة المفاوضات؟ الجواب كان: جاهزون لكل شيء باستثناء طرح تنحي الأسد الذي نرفضه رفضا مطلقا. هذا خط أحمر. كذلك نرفض نزع صلاحياته كقائد عام للقوات المسلحة ومسؤول عن القوى الأمنية. لكننا كررنا السؤال: ما الذي تقترحونه؟ أجابوا: نحن مستعدون لتشكيل لجان مشتركة مع المعارضة من أجل كتابة الدستور والعملية الانتخابية والقانون الانتخابي والمشاركة.. أي نرضى بقيام لجان فنية. وكان ردنا أنه يتعين عليهم التخفيف من مواقفهم إذا أرادوا فعلا المشاركة «في المؤتمر» للتوصل إلى حل سياسي باعتبار أن هذه الفرصة قد تكون الأخيرة. وقتها كانت معركة القصير في بدايتها وكان الوفد واثقا من الانتصار فيها. ولكن ردنا عليهم كان: إن حسمتم المعركة في القصير وحمص وحماه ودير الزور وريف الشام وغيرها، ما الذي ستفعلونه بعد ذلك؟ أما للمعارضة فقد قلنا: لنفترض أنكم استعدتم التوازن واستعدتم بلدة أو بلدتين، وماذا بعد؟ ما هي الأهداف التي تكون المعارضة قد حققتها إذا بقي النظام قائما؟

أود أن أقول بكل أمانة إن الحرب الحالية في سوريا أصبحت حرب استنزاف. حرب إقليمية بكل معنى الكلمة وربما أوسع من ذلك. وهي تدار من خلال وكلاء. والمشكلة في الأزمة السورية أنه ليس هناك تناسق في عملية دعم الأطراف. هناك اختلال بمعنى أن روسيا موقفها صريح وواضح: دعم من كل الأنواع وتسليح بشتى أنواع الأسلحة. وإيران وحزب الله لهما مواقف مماثلة. بينما في الجهة الأخرى، الطرف المؤيد للمعارضة ليس لديه الاستعداد ليدخل المواجهة مباشرة. لذا الحرب تمر عبر وكلاء. أو من خلال عمليات سرية محدودة داخل سوريا أو توفير بعض المعلومات الاستخبارية وبعض الدعم المالي. بيد أنه ليست هناك إمكانية «اليوم» لتغيير النظام.

وأود أن أشير إلى أننا اليوم في العراق، في أصعب المواقف ومهمتنا كانت خلال هذه الجولة الأوروبية أن نوضحها وأن نفهم الأوروبيين أنهم يفسرون مواقفنا من الأزمة السورية بشكل خاطئ.

* كيف ذلك؟

- نحن نقول إننا واقعون بين نارين: نار إيران وهي جارة قوية، حليفة وصديقة من جهة. ومن جهة أخرى، نار الولايات المتحدة الأميركية التي هي أيضا حليفتنا. ومشكلتنا هي كيفية المحافظة على موقفنا وحياديتنا من غير أن ننجر إلى هذا الطرف أو ذلك.

* أنتم أيضا من مدرسة النأي بالنفس؟

- كلا، لسنا من هذه المدرسة. نحن نريد أن يكون لدينا رأي مستقل وأن نكون محايدين ولكن من غير أن ننأى بأنفسنا لأن الوضع في سوريا يؤثر علينا. ثمة معلومات خاطئة عن الموقف العراقي الذي نسعى لتصحيحه. وأول الأمور أننا لا نقدم أي سلاح لسوريا. كما أننا لا نقدم أية أموال أو أية ودائع مالية للبنك المركزي السوري. كذلك نحن لا نقدم أي نفط خام بأسعار تفضيلية إلى سوريا. ولما جاءنا الوفد السوري إلى بغداد قدم هذين الطلبين. وكان ردنا أننا غير قادرين لأن هناك التزامات دولية يتعين علينا احترامها كما أننا كنا في تلك الفترة تحت أحكام الفصل السابع.

الخطأ الثاني الشائع عن العراق أننا نسهل ذهاب متطوعين إلى سوريا للقتال أو للدفاع عن المراكز الشيعية. وهذه المسألة لا أنكرها ولكن أقول إن هذا الأمر لا يجري بتشجيع أو بدعم أو بموافقة حكومية.

* هل تريد القول إنها مجرد مبادرات فردية؟

- بالضبط. بعض الميليشيات وبعض الجهات المرتبطة بحزب الله وتنظيمات شيعية أخرى متشددة يمكن أن تكون مشاركة عسكريا. ولكن نحن لا نؤيد ذلك ولا نوافق عليه وصدر أكثر من تصريح حول هذا الموضوع. جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي فاتح رئيس الوزراء المالكي بهذا الموضوع. ومن جهتنا، تم التأكيد على الموقف الذي شرحته لك.

* ولكن هناك شبهات أخرى منها أن العراق يسهل أو يغض النظر عن نقل أسلحة إيرانية إلى سوريا عبر أجوائه؟

- نحن تحركنا ومنذ شهر سبتمبر الماضي، بدأنا عمليات تفتيش اعتباطية للطائرات الإيرانية والسورية. والمواد التي اكتشفناها ليست «فتاكة» لأنها كناية عن معدات، أدوية، أغذية.. وبكل أمانة أقول إن هذه الطائرات ربما تحمل غير ما ذكرته. لكن نحن ليست لدينا وسائل ردع وأنظمة دفاع جوي ولا الطيران العسكري الذي يمنع حصول مثل هذه الأمور «أي نقل السلاح».

قلت للغربيين: إذا أردتم منع الجسر الجوي الإيراني فوق العراق إلى سوريا فافعلوا.

* لكن ليس المطلوب منكم منع الطيران الإيراني أو السوري من التحليق في الأجواء العراقية بل التأكد من عدم نقلها للأسلحة والعتاد العسكري؟

- نحن نقول للإيرانيين: لا نريد لكم أن تستخدموا علاقاتكم معنا لنقل أي سلاح للآخرين. بلغنا هذا الموقف لطهران وهو موقف معلن. وأكثر من ذلك، قلنا لحلف شمال الأطلسي قبل يومين وقبلها لأعضاء مجلس الأمن وللمجموعة الضيقة من أعضاء الشعب السوري ما يلي: نحن نرفض وندين نقل السلاح عبر أجوائنا وسنبلغ الجانب الإيراني بشكل رسمي ولكن ليست لدينا القدرة على إيقافه. وأضفنا: إذا كنتم تتصورون أن هذه الرحلات تتناقض مع قرارات مجلس الأمن التي ترفض حظر السلاح وتمنع خروج السلاح من إيران تحت قرارات الفصل السابع، أنا أدعوكم باسم الحكومة أن تساعدونا على وقف هذه الرحلات فوق الأجواء العراقية.

* الغربيون يعرفون أن العراق طلب من إيران الامتناع عن نقل السلاح عبر أجوائه وأنه يقوم ببعض عمليات التفتيش لكنهم يرون أن هناك «ميوعة» في تطبيق هذه الإجراءات الرقابية وليس منع الطيران التجاري الإيراني من التحليق في أجوائكم؟

- أصل الموضوع «مع الغربيين» أنهم يعتقدون أن هناك جسرا جويا عسكريا من طهران إلى دمشق. ويمر فوق العراق. العراق يرد: هذا لا يحصل بموافقتي. ولا أمتلك القدرة والإمكانيات لمنع حصوله. إذا هم أرادوا أن يوقفوا ذلك فليفعلوا.

* هل كرر الطلب في اجتماعكم مع الحلف الأطلسي في بروكسل؟

- الموضوع أثير ونحن أجبنا. وحقيقة أنه ليس لدينا ما نخفيه في العراق.

* الرئيس الأسد أطلق في الأيام الأخيرة بعض التصريحات التي يفهم منها أن نظامه اجتاز مرحلة الخطر والمرحلة الحرجة. وهذا يمكن أن يفهم على أنه رفض للحل السياسي وبالتالي يبدو موضوع جنيف غير جدي؟

- النظام السوري استعاد زمام المبادرة العسكرية. هذا بدأ قبل القصير. نقطة الانطلاق كانت في ريف دمشق وفي منطقة درعا. حاليا، حمص وحلب محاصرتان. النظام وجد أنه ليست هناك ردود فعل دولية «على ما يقوم به النظام» مثل التصعيد العسكري واستخدام كل أنواع السلاح وحتى السلاح الكيماوي أو ممارسات أخرى.

في الأردن مثلا، واشنطن نصبت صواريخ باتريوت واستقدمت طائرات إف 16.. لكن تبين للنظام السوري أن التدخل الأجنبي الذي كان يتخوف منه لن يحصل وأن هذه الإجراءات مجرد مظاهر. وفي تقديري أنه يوم تم الاتفاق بين الروس والأميركيين على جنيف 2، كان التفاهم على أن الأسد يمكن أن يبقى في منصبه حتى عام 2014 «أي حتى نهاية رئاسته».

* هذا التفاهم ضمني، أليس كذلك؟

- نعم، كان تفاهما ضمنيا. والبحث بين الطرفين تم على المرحلة التي تلي انتهاء ولاية الأسد.

* ما نعرفه أن الأميركيين لم يحصلوا من الجانب الروسي على وعد بأن الأسد لن يعاود الترشح في 2014؟

- الأمور تركت مفتوحة. إنه الغموض البناء. وتقديرنا، من جهة، أن الوضع في سوريا لن يجيء بالحل له إلا السوريون ومن جهة ثانية أن التدخل «الخارجي» الذي ركضت الناس وراءه لن يتحقق. أنا لا أقرأ في الغيب. ولكن اعتقادي أنه لن يحصل إلا إذا وقعت أشياء فظيعة «مجزرة كبرى، استخدام السلاح الكيماوي على نطاق واسع..». وحتى في هذه الحالة، فإن التدخل الذي ينتظره الكثيرون غير مؤكد.

* الشهر المقبل سيتسلم حسن روحاني الرئاسة في إيران. هل يتعين تغيرات ذات معنى في سياسة إيران الخارجية وخصوصا إزاء ملف الربيع العربي وسوريا؟

- رأيي بصراحة أن انتخاب حسن روحاني بهذه الأكثرية من الأصوات وفي الدورة الأولى رسالة صريحة وواضحة إيرانية إلى مجلس الأمن وإلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية مفادها أن إيران جادة في بحث قضية الحصار والعقوبات والملف النووي بجدية أكبر من المرحلة السابقة وإلا كانت هناك إمكانية لتعطيل النتائج أقله في المرحلة الأولى. فضلا عن ذلك، فإن هذا الزخم الشعبي الكبير والذي انبثق من قاعدة الإصلاحيين والثورة الخضراء والشباب والنساء دفع القيادة الإيرانية إلى أن تتصرف بحكمة وعقلانية. لكن المحك هو تشكيل الفريق الحكومي والفريق المفاوض «في الملف النووي» وتركيبة الحكومة الجديدة التي ستتشكل بعد شهر رمضان. هذه العناصر ستوفر مؤشرات قوية حول وجهة التغيير في إيران: هل هو في اتجاه الاعتدال وفك عزلة إيران ومعالجة مشاكلها أم في اتجاه مناقض.

* معروف أن الملف النووي في يد المرشد وكذلك السياسة الخارجية. فهل سيترك لروحاني هامش للتحرك؟

- كل شيء في يد المرشد. لكن المرشد يمكن أن يستجيب للمزاج العام ورأي الشعب.

* لكنه لم يستجب للرأي العام في الانتخابات الرئاسية الماضية؟

- المرة الماضية عمد إلى الحسم. ولو لم يحسم لكان تجاوب معه بطريقة أخرى. من وجهة نظر شخصية، أميل إلى توقع إيجابيات من تسلم روحاني السلطة.

* هل المصالح الإيرانية ومصالح النظام في سوريا ستبقى متطابقة أم ثمة لحظة معينة ستفترق فيها المصالح عن بعضها البعض؟

- لن يحصل أي افتراق بين مصالح البلدين. لنتذكر أن الأميركيين والفرنسيين حاولوا إبعاد سوريا عن المحور الإيراني. لكن هذا لم يحصل. سألونا رأينا وأجبناهم أن هذا لا يمكن أن يحصل وبالفعل فشلت محاولاتهم.

واضح أن إيران تدافع عن مصالحها الوجودية في شرق البحر المتوسط وعن حزب الله الذي هو خط المواجهة مع إسرائيل وعن «إمكانية» امتدادها في المنطقة. لذلك الخوف اليوم هو من الدعوات لزرع فتيل النزاع الطائفي السني - الشيعي التي نعتبرها أخطر ما يهدد باستفحال النزاع في سوريا.

* ما ترجيحات التطورات المتسارعة في مصر؟ وما السبيل إلى الخروج من الوضع الحالي؟

- المطلوب تسليم السلطة بأسرع وقت ممكن إلى سلطة مدنية منتخبة. الاتحاد الأفريقي جمد عضوية مصر. الدول الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة محرجة جدا إزاء ما هو حاصل في مصر. هناك نافذة زمنية لا بد أن تجرى خلالها وبسرعة عملية نقل السلطة إلى حكومة متأتية عن انتخابات وإلا فإن الإسلاميين لن يستسلموا هكذا وبالتالي فإن المخاطر كبيرة. يمكن أن نرى أحداثا مؤلمة جدا. انظر ما هو حاصل في سيناء وما جرى أمام ثكنة الحرس الجمهوري «في القاهرة» وفي أماكن أخرى. علينا أن نتذكر ما حصل في الجزائر «بعد وقف العملية الانتخابية في عام 1991» حيث تحولت كثير من المجموعات الإسلامية إلى العنف. وشعوري أن المصريين ومن خلال مؤسساتهم ومن خلال وعيهم يمكن أن ينجحوا في تجاوز هذه المحنة ولكن كلما أسرعوا في ذلك كانت المخاطر أقل.

* الوضع العراقي الداخلي

* مؤخرا، حذر مسؤول في بعثة الأمم المتحدة إلى العراق (فرانشيسكو موتا) من اندلاع ما يشبه «حربا أهلية» في العراق وهو كرر ما توصل إليه مبعوث دولي آخر (مارتن كوبلر) نهاية يونيو (حزيران) عقب إنجاز مهمته في بغداد حيث نبه من أن «انعدام الحوار سيؤدي إلى كارثة» ومن أن الصراع بين السنة والشيعة «يشل كل شيء». ثم هناك أرقام القتلى (2500 قتيل) خلال ثلاثة أشهر. وكلها مؤشرات مقلقة. سؤالي: ما الذي يحدث اليوم في العراق ولماذا؟ هل أنتم ضحية الوضع السوري؟

- إذا أردنا أن نكون أمينين في تقويم الصورة في العراق علينا الاعتراف بوجود إخفاقات داخلية أمنية لجهة الأداء وهذا لا يمكن تبريره إطلاقا. إنها مسؤولية الحكومة وهي مسؤولة عن حفظ أمن وسلامة شعبها. هناك تقصير في الأداء الحكومي. ثمة إرهاب موجود. هناك تداعيات الأزمة السورية. لكن لدينا إمكانيات وقدرات أمنية وعسكرية.

* أين هي هذه القدرات وما الذي تقوم به؟

- السبب سوء الأداء الأمني.

* لكن هذا موجود منذ عشر سنوات؟

- لا، هناك فترات أسوأ من فترات أخرى. لكن هناك بؤرا إرهابية موجودة وهناك «القاعدة» وعناصر من النظام السابق وتدخلات في الوضع العراقي. ومع ذلك، أرى أن كل هذه الاعتبارات لا تبرر سقوط الأعداد المرتفعة من القتلى والضحايا إطلاقا.

مع ذلك، أنا أعتبر أن العراق لن ينحدر إلى حرب طائفية بالسهولة التي يتصورها بعض الناس وذلك للعديد من الأسباب أولها الوازع الداخلي. في 2006 و2007، دخلنا الحرب الأهلية والطائفية وولجنا أبواب جهنم ولكن بعد ذلك تراجعنا. هذه الصورة عالقة في ذهن كل العراقيين. ورغم وجود الشحن الطائفي في العراق، فإن التقاتل بين العراقيين ليس سهلا بسبب التداخل بين العائلات والعشائر. وعلى سبيل المثال، فإننا يمكن أن نعثر على عشيرة نصف أبنائها من السنة والنصف الآخر من الشيعة. ولا بد أن نشير إلى أن الحكومة العراقية بكل مكوناتها تقف ضد نزاعات من هذا النوع. الحكومة تنجح في تفكيك الأزمات. انظر ما حصل في الربيع الماضي من تحشيد للقوات بين الحكومة والبشمركه. والكثيرون انتظروا اندلاع القتال. لكن القتال لم يندلع لأن كل طرف يدفع حافة الهاوية وليس إلى الهاوية.

نحن لا ننكر أننا نعاني من أزمات سياسية، أمنية، اجتماعية، خدماتية.. بيد أن الجميع متفقون على إدارة الأزمة. وتحاشي تصعيدها ومعالجة ما يمكن معالجته بانتظار حلول الانتخابات العام المقبل.

* في العراق، موضوع رئاسة الجمهورية مطروح كما هو مطروح موضوع رئاسة إقليم كردستان. ما المخرج؟

- لدينا فراغ رئاسي حقيقة في بغداد بسبب مرض فخامة الرئيس طالباني، شفاه الله وهناك فراغ دستوري. ولكن بسبب مكانة الرئيس طالباني وشخصيته، لا أحد يتجرأ على بحث هذا الموضوع بسبب دواع أخلاقية.

* لكن هناك مصلحة العراق الوطنية؟

- منطقيا، كان من المفروض حصول تحرك لإيجاد بديل إذ إن الرئيس مريض منذ أكثر من ستة أشهر. لكن بسبب الهالة التي يتحلى بها وبسبب قوة شخصيته وتأثيرها، فلا أحد يطرح الموضوع.

* هل أفهم من كلامك أن موضوع خلافة الرئيس طالباني لن يطرح حتى نهاية ولايته في شهر فبراير (شباط) المقبل؟

- هذا هو الأفضل وهو التوجه لأن لا أحد سيترشح ما بقي حيا. وهو بنظرنا الحل الأمثل.