الاقتتال الداخلي بين الثوار السوريين يقوض جهود محاربة الأسد

تلكؤ الغرب في تقديم «الدعم العسكري» اضطر «الحر» للتعاون مع «تيارات إسلامية متطرفة»

TT

تزايدت حدة الاقتتال الداخلي بين فصائل الثوار المتناحرة في سوريا، في سلسلة من عمليات القتل والاختطاف وقطع الرؤوس، الأمر الذي يقوض جهود الصراع لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد؛ إذ طالب الجيش السوري الحرّ، المدعوم من الغرب، ما يسمى بـ«دولة العراق والشام الإسلامية»، المرتبطة بـ«القاعدة»، بتسليم المشتبه بهم في قتل عضو المجلس العسكري الأعلى كمال حمامي المعروف بـ«أبو البصير اللاذقاني» الذي اغتيل الخميس الماضي.

ويعد «الاقتتال الداخلي» عقبة جديدة تواجه المعارضة التي لم تتمكن على الإطلاق من توحيد عملياتها العسكرية أو المدنية. فيشهد ميدان المعركة في سوريا شن هجمات متبادلة بين الثوار ومؤيديهم في مناطق مثل محافظة الرقة، شمال شرقي سوريا، ومدينة حلب المقسمة. وقد غذى الصراع على المتطوعين والسلاح، وحق تحديد شكل دولة المستقبل، الاقتتال الداخلي بين فرقاء الثورة.

ويقول الملازم في الجيش الحر أحمد فرزات في مقابلة عبر «سكايب» من مدينة حمص، حيث يخوض مقاتلو الثوار معارك عنيفة ضد الاعتداءات الحكومية إن «الدولة الإسلامية تريد القضاء على الجيش السوري الحر. أو بعبارة أخرى، تهميشه كي تحل بديلا له».

وكان حمامي، الذي عمل جزارا قبل الثورة، قد قتل الخميس الماضي في مدينة اللاذقية الساحلية بعد لقائه مع مجموعة من «دولة العراق والشام». وفي ملابسات القصة يقول الناشط الميداني أنس، الذي شهد عملية التصفية وعلق عليها في فيديو نشره على الإنترنت، إن عناصر «الدولة الإسلامية» أبدوا غضبا شديدا لأن أبو البصير كان يخطط للقيام بعملية دون استشارتهم، وتم اعتراض طريق مقاتلي كتيبة «العز بن عبد السلام» التي يترأسها الحمامي الذين كانوا في طريقهم لتقديم وجبات الإفطار لزملائهم مقاتلي الدولة الإسلامية الغاضبين من إقامة نقطة تفتيش من دون إذنهم.

وقال إنس: «تصارع قائدا المجموعتين فأطلق قائد مجموعة الدولة الإسلامية، أبو أيمن العراقي، النار على حمامي. لكن المجموعتين لم تتقاتلا على السلاح والتكتيكات القتالية».

وفي الأسبوع الماضي، اتُّهم أفراد في الدولة الإسلامية بقطع رأسي مقاتلين في الجيش السوري الحر وتركوا رأسيهما المقطوعتين بجانب صندوق القمامة في ساحة في بدانا، وهي بلدة يسيطر عليها الثوار في محافظة إدلب قرب الحدود التركية. وجاء الهجوم بعد اشتباكات اندلعت خلال مظاهرة ضد الدولة الإسلامية، مما أسفر عن مصرع 13 شخصا. وزعم أبو الهيثم، وهو مقاتل من المنطقة، أن الخلاف بدأ عندما اغتصب مقاتل أجنبي ضمن جماعة «الدولة الإسلامية» صبيا من أبناء البلدة فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، بحسب أبو الهيثم الذي يضيف: «نزلنا في مظاهرات تطالب بالحرية، لا أن يحكمنا أمير».

كان تحالف الجماعات التي تقاتل نظام الأسد غير مستقر على الدوام، وقال بعض الثوار إنهم توقعوا منذ فترة طويلة محاربة الجماعات الأكثر تطرفا، بعد هزيمة السيد الأسد، نظرا لرغبتهم في احتكار السلطة وفرض حكم ديني. ومع تسارع القتال، تلقت الجماعات الأكثر تطرفا معظم مواردها من الخارج، وهو ما سمح لها بأن تبدو وكأنها القوات القتالية الأكثر نجاحا. وقد أكسبتهم النجاحات التي حققوها في أرض المعركة دعما مؤقتا من كثير من مقاتلي المعارضة والناشطين الذين كانوا متلهفين للحصول على حليف قوي.

ولكن احتمال تحقيق النصر قد انحسر، حيث استعادت القوات الحكومية قوتها بمساعدة من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني. والآن، يجد بعض الثوار والناشطين أنفسهم مهددين من مقاتلين كانوا يعتبرونهم في السابق حلفاء. وقال الشيخ جاسم عوض، وهو زعيم قبلي في محافظة الرقة، إن «البحر أمامنا، والعدو وراءنا»، مضيفا أنه يشعر بأنه محاصر بين نظام الأسد والإسلاميين الراديكاليين. واستطرد عوض في حديثه قائلا: «الجيش السوري الحر لا يمكنه فتح جبهتين في آن واحد».

وتحدث الشيخ جاسم من تركيا التي هرب إليها بعد فترة وجيزة من احتجازه في قبو لمدة 25 يوما من قبل جماعة «الدولة الإسلامية» التي اعتقلته وثمانية آخرين من مركز إعلامي تابع للمعارضة في الرقة وصادرت معدات بقيمة 50 ألف دولار، على حد قوله.

وقال جميل سيلو، وهو أحد الثمانية المعتقلين الآخرين، إنه يعاني من عدة كسور في الضلوع جراء الضرب، وإنه قد اتهم بـ«محاولة إقامة دولة علمانية، بالتعاون مع المخابرات الأميركية».

وقال الشيخ جاسم، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس اتحاد العشائر السورية، إن الإسلاميين قد نهبوا الرقة وسرقوا أموالها كما سرقوا معدات السدود على نهر الفرات. وقال إنه بعد دمج جبهة النصرة التي تعد أول مجموعة راديكالية تقاتل مع الثوار مع تنظيم القاعدة في العراق، زادت قوة الجماعة «مثل اليرقة التي تتحول إلى فراشة»، مضيفا: «ماذا عساي أن أقول؟ أسوأ شيء الآن هو شماتة النظام».

وعندما تحولت الاحتجاجات السورية إلى ثورة قبل عامين، كان الجيش السوري الحر يضم مجموعة غير مترابطة من الوحدات المكونة من المدنيين والمنشقين عن الجيش. وحاولت المعارضة في المنفى توحيد هذه الوحدات، وكانت آخر تلك المحاولات تحت قيادة الجنرال العلماني سليم إدريس، غير أن المقاتلين الأجانب الذين يحصلون على تدفق مستمر للأسلحة والأموال من الجهات الإسلامية الراديكالية المانحة قد جذبوا كثيرا من السوريين إلى جبهة النصرة، التي تضعها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية لعلاقتها بفرع تنظيم القاعدة في العراق.

وأدى بروز جبهة النصرة واستعداد الجيش السوري الحر للعمل معها إلى تلكؤ الغرب في تقديم المساعدات العسكرية، وهو ما أعطى الأسد فرصة لتصوير المعارضة على أنها مدفوعة من جانب المتطرفين المدعومين من الخارج.

وعندما أعلن زعيم تنظيم القاعدة في العراق في أبريل (نيسان) الماضي عن عملية الدمج مع جبهة النصرة، رفض بعض مقاتلي جبهة النصرة تلك الخطوة، وباتت العلاقة بين التنظيمين غير واضحة، ولكن الشيء الواضح هو أن انتشار الجماعات المتطرفة من الأجانب والسوريين، التي فرضت فهما متشددا للشريعة الإسلامية وتنفيذ أحكام الإعدام، قد أغضب السوريين.

وتداول النشطاء خلال الأسبوع الحالي قصصا عن اعتقال ما لا يقل عن 4 زملاء من قبل جماعة «الدولة الإسلامية»؛ زيد محمد، الذي تحدى التكتيكات الإسلامية في حلب وتم اتهامه بأنه مرتد، ومحمد نور مطر، الذي اعتقل أثناء الاحتجاج مع امرأة في الرقة، وعبد الله خليل، رئيس مجلس المدني في الرقة، الذي كان يحاول إنشاء قوة للشرطة، ومصطفى الأحمدي، الذي اختفى بعد تعرضه للضرب في حلب. وعلاوة على ذلك، اتهم النشطاء تنظيم «الدولة الإسلامية» بمصادرة المساعدات من منظمات الإغاثة الدولية في مدينة تل أبيض بمحافظة الرقة، في شكل مولدات لتوفير مياه الشرب النظيفة و11 ألف سلة غذاء. وقد احتج الناس على تنظيم «الدولة الإسلامية» في الشمال، وثمة رسم غرافيتي على جدران المنازل في حلب يقول: «عودوا إلى أفغانستان، لقد دمرتم الثورة».

وفي مدينة منبج بمحافظة حلب، وبعد قيام التنظيم بمحو الرسوم الثورية من على الجدران، هتف شبان يقولون: «الدولة الإسلامية لا تختلف عن بشار الأسد».

* خدمة «نيويورك تايمز»