مروان المعشر لـ «الشرق الأوسط»: الجدول الزمني المعلن من قبل الرئاسة المؤقتة في مصر غير واقعي

نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة «كارنيغي» الأميركية يحذر من الشحن المذهبي في سوريا وتأثيره على المنطقة بأكملها

TT

قال مروان المعشر نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي الأميركية، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط، ووزير خارجية الأردن الأسبق، إن الجدول الزمني المعلن من قبل الرئاسة المؤقتة في مصر غير واقعي، معبرا عن خشيته أن يُكتب دستور جديد قبل إنجاز مصالحة وطنية تضمن مشاركة الجميع، فتعود مصر إلى نقطة الصفر.

وتوقع المعشر في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» أخيرا، خلال مشاركته في «منتدى أصيلة» بالمغرب، أن يحصل في مصر، بعد فترة قد تمتد إلى عشر سنوات أو 15 سنة، توافق وطني حول إدارة البلاد في المرحلة المستقبلية.وتحدث المعشر عن الوضع القائم في الدول العربية قبل الثورات العربية، وقال إنه وضع لم يكن قابلا للاستمرار، مشيرا إلى أنه عرف استقرارا زائفا، بمعنى أنه ليس استقرارا طبيعيا، وإنما كان مفروضا بالقوة.

وذكر المعشر أنه كان مبكرا الحديث عن «ربيع عربي»، كما أنه من المبكر الحديث عن خريف أو شتاء عربي، موضحا أن «أي عملية تحول في التاريخ إذا نظرنا إلى كل دول العالم، أخذت عقودا من الزمن».وحول ما إذا كانت ثورات «الربيع العربي» مؤامرة أميركية، قال المعشر إنه لا يعتقد أنه كانت هنالك مؤامرة أميركية، بل، على العكس، الأنظمة السابقة في الوطن العربي كانت سياساتها متقاربة إلى حد بعيد مع سياسة الولايات المتحدة، وإن هذه الأخيرة لم تكن بحاجة إلى تغيير هذه الأنظمة حتى تحقق مصالحها.

وعد المعشر الولايات المتحدة مرتبكة الآن، وقال إنها مع بدء الثورات العربية لم تستطع تجاهلها، وكانت تعتقد أن هذه الثورات سينتج عنها ربما ديمقراطيات في وقت قريب. وزاد قائلا: «هناك كثير من الحديث عن المؤامرة الأميركية ضد سوريا، ولكن باعتقادي أن الولايات المتحدة شعبيا كما رسميا مترددة الآن إلى حد كبير في أن تدخل في أي حرب، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، إن لم تكن تعرف نتائجها.. وكلفتها». وانتقد المعشر الثورات الشعبية العربية، وقال إنها «لم تؤطر فكريا حتى الآن». وبعبارة أخرى، يضيف المعشر: «الشعب نزل للتظاهر، وأظهر بشكل واضح ما لا يريد؛ لا يريد الاستبداد ولا يريد حكم الحزب الواحد، أي حزب القائد الأوحد.. وما إلى ذلك، لكنه لم يجر حتى الآن تأطير واضح لما يريده الشعب. صحيح أنه جرى رفع شعارات عريضة، من قبيل الكرامة والعدالة الاجتماعية، لكن هذه الشعارات تبقى من دون مضمون تفصيلي».

وعد المعشر الإصلاح في ظل الاستقرار هو الحل الأمثل للتعامل مع مطالب حقيقية ومشروعة للشارع العربي، طالما أن هذا الإصلاح يكون ليس فقط تدريجيا حتى لا ينتج عنه خضات وهزات في المجتمع، ولكن جديا أيضا.

من جهة أخرى، قال المعشر إنه ليس من السهل الحديث عن مخرج للأزمة السورية في هذه المرحلة، مشيرا إلى أن هناك شحنا مذهبيا في سوريا، بدأ يلقي بظلاله على المنطقة بأكملها، وهذا ربما هو الأخطر. وشدد على القول إن هذا الشحن المذهبي بدأ الآن يهدد كل مفهوم المواطنة في الدول العربية في المرحلة المقبلة. وفي ما يلي نص الحوار

* ما تقييمكم في مؤسسة كارنيغي للأوضاع فيما يسمى بـ«دول الربيع العربي»، خاصة في مصر وليبيا، حيث لا يبدو أن الأمور على ما يرام البتة؟

- أولا، بشكل عام، أود القول إن الوضع القائم في الدول العربية قبل الثورات العربية لم يكن وضعا قابلا للاستمرار. كان هنالك استقرار زائف، بمعنى أنه ليس استقرارا طبيعيا وإنما كان مفروضا بالقوة. وكان الأفق السياسي مغلقا لدى كثير من هذه الدول العربية.

الآن بعد الثورات العربية، الجميع يريد أن يحكم على الوضع الجديد بعد مضي أقل من ثلاث سنوات عليها. أعتقد أنه كان مبكرا الحديث عن ربيع عربي، كما أنه من المبكر الحديث عن خريف أو شتاء عربي، أي عملية تحول في التاريخ إذا نظرنا إلى كل دول العالم، أخذت عقودا من الزمن، وبالتالي يجب الحكم عليها من منظور تاريخي، بأنها عملية كان يجب أن تبدأ باعتبار أن الوضع الماضي لم يعد قابلا للاستمرار.. إنما إلى أين ستؤول هذه العملية؟ هذا يعتمد على عدة عوامل، منها طبيعة البلد نفسه، ومنها ربما بعد نظر أو قصر نظر القوى السياسية الفاعلة على الأرض من ناحية تطوير نظام تعددي، أو انعدام ذلك.

الآن نتكلم عن مصر وليبيا. والبلدان يختلفان تماما؛ إذ لا يمكن النظر إلى ليبيا كما يُنظر إلى مصر، مصر حضارة قديمة جدا، وشعبها متجانس إلى حد كبير، وهناك شعور بمصرية المواطن قبل حتى أن تكون هناك دولة مصرية حديثة.

ما شهدناه في مصر قبل تدخل الجيش، لا أعتقد أنه كان خارجا عن المألوف، هناك وضع جديد؛ القوة الإسلامية التي كانت قوى معارضة في السابق تسلمت الحكم من دون أن يكون لديها أي خبرة في ذلك، والقوى المدنية لا تريد أن تعترف بهذا الوضع الجديد الذي نشأ.. بعبارة أخرى، تتعامل القوى الإسلامية التي كانت في السلطة بمصر حتى وقت قريب وكأن الانتخابات تعني كل شيء، وتتيح لها تغيير طبيعة الشعب المصري، وتتعامل القوى المدنية وكأن الانتخابات لا تعني أي شيء، وأنه ليس هنالك مجال للديمقراطية إلا إذا كانت هذه الديمقراطية على تفصيل هذه القوى، دون غيرها. هذا ما نحن بصدده في مصر. وفي رأيي، فإننا سنبقى نشهد ذلك إلى فترة؛ شد وجذب بين جميع هذه القوى، إلى أن تدرك كل القوى المدنية والدينية منها استحالة إقصاء الآخر، وإلى أن تدرك أن البلاد لن تحكم إلا بطريقة تشاركية، ربما على غرار ما نشهده في تونس، على الرغم من الشد والجذب القائم فيها. إلا أن القوى الفاعلة في تونس لديها إلى حد ما إدراك أكثر من مصر بضرورة التشارك في السلطة، والتوافق على الدستور الجديد، وما إلى ذلك.

أنا أعتقد أن مصر بعد فترة قد تمتد إلى عشر أو 15 سنة سيحصل فيها توافق وطني حول إدارة البلاد في المرحلة المستقبلية.

أما بالنسبة لليبيا، فهناك وضع آخر؛ ليبيا بلد لا توجد فيه أي مقومات للدولة.. لم يكن هناك جهاز مدني أو جيش منظمات مجتمع مدني قوي وأحزاب سياسية، وبالتالي ليبيا تبدأ من الصفر، صحيح أن لديها عائدات نفطية، وهذا يساعد إلى حد كبير، فالمال مطلوب، ولكنه ليس كل شيء، وهنا تكمن أهمية تطوير الثقافة التعددية وتطوير المؤسسات. فالديمقراطية ليست فقط أفكارا ومبادئ، هي أيضا مؤسسات وتطوير مؤسسات مدنية وعسكرية ومنظمات مجتمع مدني وما إلى ذلك. لذا ستحتاج ليبيا إلى وقت أطول بكثير مما تحتاجه مصر.

* لكن كيف تتصورون خروج مصر من أزمتها الحالية بعد عزل الرئيس محمد مرسي من طرف الجيش؟

- يتحتم على الجانبين إدراك استحالة إقصاء الآخر. أعتقد أنه من الضروري الاتفاق أولا على مدونة حقوق تتضمن التداول السلمي للسلطة، وحق الجميع في العمل السياسي، وتمنع مصادرة هذا الحق من أي شخص كان، كما تضمن الحقوق الفردية لجميع المواطنين والمواطنات، وحقوق الجماعات الدينية والثقافية، وتمنع سن أي قوانين تتعارض مع ذلك، خاصة التدخل في الحياة الشخصية للناس، حتى تتوفر الطمأنينة لكل القوى بضمان حقوقها بغض النظر عمن يوجد في السلطة. بعد ذلك يمكن كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

إن الجدول الزمني المعلن من قبل الرئاسة المؤقتة غير واقعي، وأخشى أن يُكتب دستور جديد قبل إنجاز مصالحة وطنية تضمن مشاركة الجميع، فتعود مصر إلى نقطة الصفر.

* كنت سفيرا لبلدك لدى الولايات المتحدة ووزيرا للخارجية، وأنت مطلع على طريقة التفكير الأميركية إزاء الوضع في المنطقة، الآن من خلال عملك في مؤسسة كارنيغي، كيف تقيم الموقف الأميركي إزاء الوضع في المنطقة، هل هناك نقد ذاتي أميركي إزاء التعامل مع ثورات «الربيع العربي»، وهل هناك إصرار لدى واشنطن على أن يمضي الوضع بالجماعات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة كما هو، لا سيما بعد التطورات الأخيرة في مصر؟

- هناك شعور في المنطقة بأن ما يجري في الوطن العربي مؤامرة أميركية، وأن الولايات المتحدة تريد العمل مع الإسلاميين، وبالتالي هي التي شجعت كل ذلك، ونحن استمعنا قبل أيام إلى خطاب الدكتور محمود جبريل أول رئيس وزراء في ليبيا بعد الثورة، في منتدى أصيلة، الذي قال فيه إن الحديث عن مؤامرة فيه انتقاص للمواطن العربي ولرغبته في توسيع قاعدة صنع القرار، وفي المشاركة في تقرير مستقبل بلاده، وأنا أقف مع ذلك تماما، ذلك أنني لا أعتقد أنه كانت هنالك مؤامرة أميركية. على العكس، الأنظمة السابقة في الوطن العربي كانت سياساتها متقاربة إلى حد بعيد مع سياسة الولايات المتحدة، فلم تكن هذه الأخيرة بحاجة إلى تغيير هذه الأنظمة حتى تحقق مصالحها.

أنا أعتقد أن الولايات المتحدة مرتبكة الآن. فهي مع بدء الثورات العربية لم تستطع تجاهلها، وكانت تعتقد أن هذه الثورات سينتج عنها ربما ديمقراطيات في وقت قريب. لم يحدث ذلك حتى الآن ولكن في الوقت نفسه، فإن القوى الإسلامية التي نجحت في كثير من هذه البلدان العربية حققت ذلك بشكل عادل وحر، والانتخابات كانت نزيهة في جميع الدول التي أجريت فيها، وبالتالي لم يكن باستطاعة الولايات المتحدة أن تتجاهل ذلك، وعليها أن تتعامل مع هذا الوضع الجديد. لكن أن يقال إن تعاملها مع الوضع الجديد يعني أنها فرضته أو أنه كانت هنالك مؤامرة لفرض هذا الواقع، فهذا قول يخالف الحقيقة إلى حد كبير.

* في إطار الحديث عن نظرية المؤامرة، هناك اعتقاد سائد الآن بأن الولايات المتحدة سلمت العراق لإيران، التي أصبحت تصول وتجول فيه. والآن هناك رهان على الإسلاميين دون إغفال حالة الارتباك في واشنطن، ولكن إلى أي مدى تعتقد أن الولايات المتحدة قادرة على تصحيح المسار السائد الآن بغض النظر عن تعلق الأمر بمؤامرة أم لا؟

- الرأي العام الأميركي بعد مضي أكثر من عشر سنوات على الحرب الأميركية في العراق، يشعر بأنه خُدع، ويشعر بأن كل المبررات التي سيقت لهذه الحرب من قبل الولايات المتحدة، سواء السياسية أو الاقتصادية، كانت خاطئة. فسياسيا، لم تنجح هذه الحرب في إقامة ديمقراطية على المستوى الوطني في العراق، وما نشهده في العراق الآن هو وجود أحزاب إثنية أو دينية أكثر من كونها أحزابا مدنية ديمقراطية على المستوى الوطني.

على المستوى الاقتصادي، كانت حجة الولايات المتحدة لدى إعلان الحرب على العراق أن هذه الحرب ستكون ذاتية التمويل، بمعنى أن العراق أو العائدات النفطية العراقية ستتكفل بتمويل هذه الحرب. واليوم بعد أكثر من عشر سنوات، أظهرت التقديرات أن الحرب كلفت الولايات المتحدة أكثر من أربعة آلاف مليار دولار، وبالتالي تولد لدى المواطن الأميركي شعور بأن الحرب كانت خطأ كبيرا وفادحا. فهناك نقد ذاتي على الأقل على المستوى الشعبي، ويفسر إلى حد كبير تردد الولايات المتحدة الآن في إقحام نفسها في أماكن أخرى من العالم العربي، وبالأخص في سوريا.

مرة أخرى، هناك كثير من الحديث عن المؤامرة الأميركية ضد سوريا، ولكن باعتقادي أن الولايات المتحدة شعبيا كما رسميا مترددة الآن إلى حد كبير في أن تدخل في أي حرب خاصة في منطقة الشرق الأوسط إن لم تكن تعرف نتائجها، وإن لم تكن تعرف كلفتها.

* من خلال حديثك عن الوضع في ليبيا ومصر، يبدو أنك مقتنع أن الأمور في البلدين ستظل على حالها على امتداد السنوات العشر أو الـ15 المقبلة. أنتم في معهد كارنيغي، هل لديكم سيناريوهات حول مستقبل المنطقة خلال الفترة المقبلة؟

- لا أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل بشكل دقيق جدا، وكل من يقول غير ذلك أعتقد أنه مخطئ. نحن ندرس ما يجري أولا في السياق التاريخي لما جرى في أماكن أخرى من العالم، الديمقراطية في الولايات المتحدة أخذت أكثر من 100 عام بعد حرب أهلية، وبالنسبة للديمقراطيات في أوروبا لنتذكر أن دولا مثل إسبانيا والبرتغال واليونان لم تصبح ديمقراطيات إلا في عقد السبعينات من القرن الماضي، ألمانيا كانت ديكتاتورية حتى عام 1945، وما إلى ذلك. وبالتالي، من السذاجة الاعتقاد بأن هذه العملية التحويلية سينتج عنها ديمقراطية في وقت قريب. وهناك عامل آخر يقف وراء ذلك هو أن الثورات الشعبية العربية لم تؤطر فكريا حتى الآن. وبعبارة أخرى، الشعب نزل للتظاهر، وأظهر بشكل واضح ما لا يريد؛ لا يريد الاستبداد ولا يريد حكم الحزب الواحد، أي حزب القائد الأوحد، وما إلى ذلك، لكنه لم يجر حتى الآن تأطير واضح لما يريده الشعب. صحيح أنه جرى رفع شعارات عريضة من قبيل الكرامة والعدالة الاجتماعية، لكن هذه الشعارات تبقى من دون مضمون تفصيلي. أوروبا الشرقية عندما ثارت ضد الاتحاد السوفياتي عام 1989، كان واضحا ما تريده، ليس فقط التخلص من الحكم السوفياتي، ولكن أيضا الاقتراب سياسيا واقتصاديا من المجموعة الغربية، هذا ليس ما يجري في العالم العربي الآن، لا اقتصاديا ولا سياسيا. ففي أوروبا الشرقية كان هناك تأطير فكري واضح، وأعتقد أنه ستمر سنين بل ربما عقود، قبل أن نتمكن من هذا التأطير الواضح.

* الملاحظ أن الأردن ماضٍ نحو تحقيق الإصلاح بالتدريج، بيد أنه يوجد في إطار محيط يعرف إكراهات الحرب مع سوريا، وتعطل مفاوضات السلام العربي - الإسرائيلي، والنعرات الطائفية التي بدأت تتضخم في المنطقة. فإلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه المعطيات وهذه الأوضاع على مسار الإصلاح في الأردن؟

- هناك ربما رأيان في هذا الموضوع؛ الرأي التقليدي الذي يقول إنه ليس من الممكن تحقيق الإصلاح في الأردن طالما أنه يعيش في خضم أزمات كثيرة ومتتالية في المنطقة. وهناك رأي آخر يقول إن هذه الأزمات لن تنتهي، وإذا ما أردنا أن ننتظر حل النزاع العربي - الإسرائيلي أو حلا سياسيا في سوريا ربما ننتظر مدة 50 عاما؛ فهل من الممكن أن ينتظر الشعب الأردني أو أي شعب 50 عاما قبل تحقيق الإصلاح؟! فالرأي الثاني يرى أن منعة البلد في أن يحافظ على وحدته الداخلية من خلال الإصلاح التدريجي والجدي الذي يتيح له الوقوف في وجه هذه الهزات المتتالية، التي تأتي من الخارج. وأنا أقول، على العكس من ذلك، إن قدرة البلد على مواجهة هذه الهزات ستكون ضعيفة إذا لم يكن داخليا هناك نوع من الاقتناع بأن هناك حقيقة إصلاحات تدريجية وجدية تمضي قدما.

* في سياق الحديث عن الوضع في المنطقة الآن هناك استعدادات لإقامة مؤتمر «جنيف 2» لحل الأزمة السورية، وأنتم صرحتم أخيرا بأنكم غير متفائلين باجتماع جنيف، ما المخرج إذن؟

- للأسف، ليس من السهل الحديث عن مخرج للأزمة السورية في هذه المرحلة.. الكل متفق على أن المخرج يجب أن يكون سياسيا، والكل يريد أن يقف هذا النزيف، وهذا الاقتتال الداخلي، الذي أطاح بأكثر من 100 ألف سوري حتى الآن، لكن طريقة الوصول إلى هذا الحل السياسي لا تزال غير واضحة، لديك من ناحية نظام لا يريد أن يبدأ عملية سياسية يعرف أن منتهاها سيكون رحيله، وهناك، من جهة أخرى، معارضة غير موحدة ولا تريد أيضا أن تبدأ عملية سياسية دون أن يكون هناك قرار واضح بأن النظام في نهاية المطاف سيرحل على الأقل، وبالتالي لا توجد حتى الآن مقومات لمثل هذا الحل، لأن الوضع العسكري على الأرض ما زال في طور المراوحة، وطالما أن الجانبين يشعران بأنهما إذا لم يكونا رابحين للحرب فهما ليسا بخاسرين. وطالما أن هذا الوضع موجود، فأنا أعتقد أننا بصدد مراوحة قد تمتد لسنوات للأسف.

* هل تعتقد أن عمان استطاعت أن تنأى بنفسها دون أن تطالها أضرار من الأزمة السورية؟

- الأزمة السورية لها انعكاسات كثيرة على الأردن، كما على غيره، بغض النظر عن سياسة النأي بالنفس. موضوع اللاجئين لم يعد موضوعا قابلا للاستمرار. في الأردن يوجد أكثر من 500 ألف لاجئ سوري، بالإضافة إلى مئات الآلاف من السوريين الذين كانوا يعملون في الأردن، وكانوا يرجعون إلى بلادهم، والآن لا يستطيعون العودة. الوضع في لبنان مماثل، إذ يوجد هناك أكثر من 500 ألف لاجئ، وربما أكثر من مليون سوري أيضا مقيمين. أزمة اللاجئين أزمة لم تعد قابلة للاستمرار، خاصة أن المجتمع الدولي حتى الآن لم يستطع توفير الأموال اللازمة لمساعدة هذين البلدين تحديدا.

هناك أيضا انعكاسات سياسية، وللأسف، هناك شحن مذهبي في سوريا بدأ يلقي بظلاله على المنطقة بأكملها، وهذا ربما هو الأخطر. فهذا الشحن المذهبي الذي نراه في العراق، ونراه في لبنان، ونراه في سوريا، بدأ الآن يهدد كل مفهوم المواطنة في الدول العربية في المرحلة المقبلة.

* الملاحظ أن «الربيع العربي» جعل القضية الفلسطينية ومباحثات السلام في تراجع، ولم يعودا من الأولويات. إلى أي مدى، في نظرك، يشكل ما وقع في دول الربيع العربي نكسة جديدة للقضية الفلسطينية؟

- أعتقد أن الأزمة الفلسطينية كانت في مأزق قبل «الربيع العربي». فالمفاوضات وصلت إلى أفق مسدود، ولدينا حكومة إسرائيلية باعتقادي غير راغبة في إيجاد حل مبني على أساس دولتين، أو دولة فلسطينية قابلة للحياة. وإذا تكلم الإسرائيليون عن مبدأ حل الدولتين فإن مفهومهم للدولة الفلسطينية غير المفهوم الفلسطيني والعربي تماما. المفهوم الفلسطيني والعربي يتعلق بدولة على أساس حدود 1967، بما في ذلك القدس الشرقية وغور الأردن، ودولة قابلة للحياة.. إلى آخر ذلك، أما المفهوم الإسرائيلي فيختلف تماما؛ هم يريدون دولة من دون القدس مع الاحتفاظ بغور الأردن، منزوعة السيادة، منزوعة السلاح، على أقل من حدود 1967، مما يعني أن المفهومين مختلفان تماما، وبالتالي كانت القضية الفلسطينية في مأزق حتى قبل الثورات العربية، ربما الثورات العربية - ولو لوقت معين - أزاحت الانتباه عن القضية الفلسطينية، ولكننا نرى الآن تحركا أميركيا حتى مع الثورات العربية، لمحاولة إعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. وشخصيا، لا أعول كثيرا على هذا التحرك لأنني لا أعتقد أن المقومات موجودة، وأعتقد أنه من دون تدخل خارجي خاصة من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لوضع ملامح للحل، كما نعرفها، وكما يمكن أن يقبل بها الجانب الفلسطيني، دون أن يتم ذلك، سنبقى نشهد تحركات أميركية - عربية - دولية، لكنها في النهاية لن تؤدي إلى حل إذا كانت مبنية على أساس استئناف مفاوضات والأمل في أن تؤدي هذه المفاوضات بشكل مباشر إلى حل للقضية الفلسطينية.

* هناك اعتقاد جازم لدى البعض بأن الحرب المقبلة في المنطقة ستكون حرب المياه؛ هل تعتقد أن العرب وحكومات المنطقة واعون بخطورة ذلك؟

- أنا أعتقد، ولو من ناحية فلسفية، أن الحرب الحقيقية في المنطقة العربية هي حرب من أجل التعددية، وإذا لم تدرك الدول والأفراد في المنطقة العربية أنه حان الوقت لعملية تشاركية ليس فيها إقصائية للآخر، ومن دون أن تحترم كل وجهات النظر، ومن دون أن نعمل من أجل تعددية سياسية ودينية وثقافية في الوطن العربي، سيبقى مستقبل المنطقة مظلما. وأعتقد أننا أغفلنا هذا الموضوع، وتحدثنا عن مواضيع كثيرة، بما في ذلك موضوع المياه، بينما التهديد الحقيقي الذي يواجه المنطقة الآن هو تهديد لمفهوم المواطنة. من الضروري تغليب مفهوم المواطنة والولاء الوطني على أي انتماء آخر فرعي، إن لم نفعل ذلك في العراق أو في سوريا أو في لبنان، أو في أي منطقة من هذا العالم العربي، إن لم نفعل ذلك، وبقينا نفكر بطريقة إقصائية، وبأن الحق معنا دائما وليس مع غيرنا، وبأن الحقائق مطلقة وليست نسبية، فإن ذلك هو ما سيهدد مستقبلنا.

* الآن هناك تنافس حقيقي بين ثلاثي إسرائيل وإيران وتركيا على المنطقة، أين هم العرب من هذا التنافس؟

- هناك فراغ عربي كبير واضح، وهو فراغ كان موجودا قبل بدء الثورات العربية. هناك فراغ في القيادة، وفراغ في الرؤية، وفراغ في التخطيط السليم الذي يؤدي إلى مجتمع تعددي ومزدهر في الوقت نفسه. وبطبيعة الحال، في أي مرة يحصل فيها هذا الفراغ، من الطبيعي أن تحاول دول أخرى أن تملأ مثل هذا الفراغ، هذا ربما سيستمر إلى حين، لأنه ليس من الواضح أن هذا الفراغ سيُملأ عربيا في وقت قريب، ولكن في الوقت نفسه، أنا متفائل بأن الثورات العربية، وإن كانت ستمر بظروف عصيبة جدا نشهدها جميعا، وبعد مرور فترة من الوقت، فإن دولة مثل مصر، على سبيل المثال، لا بد أن تستعيد توازنها، ولا بد أن تستعيد ثقلها في الوطن العربي، لأن أي دول مهما كان لها تأثير خارجي لا يمكن أن تستبدل تطلعات شعوب المنطقة.

* المعشر في سطور

* مروان المعشر نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة «كارنيغي»، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط، وُلد في عمان في المملكة الأردنية الهاشمية . وينتمي المعشر إلى مدينة السلط الأردنية. حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية عام 1977، وعلى درجتي الماجستير 1978 والدكتوراه في هندسة الكومبيوتر 1981.

بدأ مسيرته المهنية كاتبا في صحيفة «جوردان تايمز»، ثم عمل في وزارة التخطيط، وشغل منصب مستشار صحافي في مكتب رئيس الوزراء، ومنصب مدير للمكتب الإعلامي الأردني في واشنطن.

في عام 1995، افتتح المعشر أول سفارة للأردن لدى إسرائيل، وفي عام 1996، تقلّد منصب وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة. ومن عام 1997 حتى عام 2002، عمل سفيرا في واشنطن، ثم عاد إلى الأردن ليشغل منصب وزير الخارجية، حيث اضطلع بدور مركزي في وضع مبادرة السلام العربية وخريطة الطريق الخاصة بالشرق الأوسط.

في عام 2004، أصبح المعشر نائبا لرئيس الوزراء مسؤولا عن الإصلاح والأداء الحكومي، وقاد الجهود الآيلة إلى وضع خطة للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مدتها 10 سنوات. ومن عام 2006 إلى عام 2007، كان عضوا في مجلس الأعيان الأردني.

في الآونة الأخيرة، شغل منصب نائب الرئيس الأول للشؤون الخارجية في البنك الدولي من عام 2007 حتى عام 2010، وهو مؤلف كتاب «نهج الاعتدال العربي»، وكتاب «الوسط العربي: وعد الاعتدال».