شيوعيو العراق ينفردون بالاحتفال بذكرى 14 يوليو 1958

وسط استمرار الجدل حول «الثورة» و«الانقلاب»

TT

كعادتهم السنوية منذ سقوط النظام العراقي السابق عام 2003 وحتى اليوم نظم الشيوعيون العراقيون ومعهم أطراف من قوى التيار الديمقراطي أمس احتفالية خاصة لمناسبة ذكرى إعلان النظام الجمهوري في العراق في 14 يوليو (تموز) 1958.

وتجمع العشرات من أنصار الحزب الشيوعي العراقي صباح أمس الأحد في ساحة الفردوس وسط بغداد والتي شهدت سقوط تمثال صدام حسين حاملين صور الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وعلم أول جمهورية عراقية، وأعلام الحزب الشيوعي العراقي، ثم توجهوا نحو مقر الحزب الشيوعي في ساحة الأندلس. وفي وقت اختزل النظام العراقي السابق يوم 14 يوليو إلى مجرد عطلة رسمية بعد أن ألغى كونه عيدا وطنيا رسميا للعراق فإن العهد الجديد لم يعد الاعتبار إلى المناسبة بوصفها عيدا وطنيا وإنما سمح فقط بإقامة الاحتفالات الجماهيرية بهذه المناسبة التي احتكرها الشيوعيون العراقيون.

من جانبه عبر عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن استغرابه «من قيام الجهات الرسمية بالبحث عن عيد وطني عراقي آخر (...) والأكثر غرابة أن يلجأ المسؤولون إلى البحث عن عيد شبه وهمي وهو تاريخ انضمام العراق إلى عصبة الأمم في ثلاثينات القرن الماضي مما يعني استبعادا متعمدا لهذه الثورة الوطنية الكبرى». وأضاف فهمي أن «هناك من يريد طمس هوية هذه الثورة رغم أن أبرز ما فيها أنها حققت إنجازات للفقراء وفي مقدمتها بناء مدينة الثورة (الصدر حاليا وصدام سابقا) وغيرها من المنجزات التي تستحق من الفقراء أن يولوا هذه المناسبة حقها وهو ما لم يحصل لأسباب كثيرة».

وثمة جدل في العراق حول الحركة التي قامت بها مجموعة من «الضباط الأحرار» في 14 يوليو 1958. فالبعض يعتبر ما حدث «ثورة» وآخرون يرونه مجرد انقلاب عسكري أطاح بالعائلة المالكة التي حكمت العراق لعقود في ظل نظام برلماني ديمقراطي. وإقليم كردستان ليس بمنأى عن هذا الجدل رغم أن كثيرين من أبناء الجيل الحالي لا يعرفون عن المناسبة شيئا. وفي هذا السياق يقول محمد سليم (22 سنة) موظف شاب بوزارة البلديات «اليوم (أمس) هو يوم الأحد، وأضيفت عطلته على العطلة الأسبوعية، ومنذ الخميس لم أداوم بالدائرة، أبلغونا بأن الأحد عطلة ولم أكن أعرف مناسبتها إلى اليوم، حيث شاهدت بعض التقارير بالتلفزيون تتحدث عن ثورة 14 تموز». ويستغرب محمد عن جعل ذكرى هذه الثورة عطلة رسمية بكردستان، وهي مجرد انقلاب عسكري ضد الحكم، لكن السلطة بكردستان لا تجعل من انطلاقة الثورة الكردية بكردستان عطلة رسمية». الاستغراب بدا أيضا على المواطن رؤوف (ع) الذي أبلغ «الشرق الأوسط» أن ما حدث في 14 تموز كان انقلابا عسكريا صرفا، واستغرب ممن يصفون ذلك الحدث بثورة، فالثورة عادة تحدث ضد الظلم والطغيان، ولكن تلك الحركة أطاحت بحكم ديمقراطي برلماني شرعي، وجاءت بحكم الطغاة والديكتاتوريين، فمنذ أن قتل الملك الشاب فيصل الثاني لم يجد هذا البلد راحة بال ولا استقرارا بسبب حكم الديكتاتوريات المتعاقبة.

عمر حسين معلم متقاعد يرى أن تلك الحركة «كانت ثورة حقيقية بدليل أن الشعب العراقي أيدها وخاصة الطبقات الكادحة، وكان وضع العراق في ظل حكم عبد الكريم قاسم قائد الثورة جيدا جدا، فقد كان بحق نصير الفقراء، ولكن مع الثورة المضادة من قبل حزب البعث دخل العراق بمرحلة دموية لم يشهدها طوال تاريخه، وكل ما يجري اليوم هو نتاج ذلك الانقلاب الذي حدث يوم 8 فبراير (شباط) عام 1963».

ويقارن الكاتب السياسي جرجيس كليزادة بين أوضاع العراق خلال العهد المالكي والعهد الجمهوري ويخلص إلى نتيجة يصفها بالكارثية ويقول «شاهدت قبل أيام مجموعة من صور الطفولة العراقية في الأربعينات والخمسينات، وقارنتها بما عليه وضعهم حاليا، فخرجت بنتيجة أن الطفولة ما زالت مسحوقة بالعراق، وأن الطفل العراقي ما زال طريح الشوارع الخلفية، وهذا دليل على أنه رغم مرور أكثر من نصف قرن على ما توصف بالثورة الشعبية لم يتغير حال العراقيين، بل أصبح بفضل الحكومات المتعاقبة أكثر سوءا» وحول جدلية الثورة والانقلاب قال: «هذا جدل بيزنطي مثل مسألة الدجاجة والبيضة، وأعتقد أن الغالبية العظمى تذهب إلى وصف الحركة بالانقلاب، لأن مفهوم الثورة هو إحداث التغيير، ولم يجر أي تغيير بالعراق، لذلك لا تعدو الحركة سوى انقلاب على السلطة». ويضيف «ما جره ذلك الانقلاب على العراق، أنه تسبب بنزيف دموي متواصل منذ لحظة الإطاحة بالحكم الملكي الديمقراطي، وابتلاء البلد بالكثير من الحروب الداخلية والخارجية التي أودت بحياة الملايين من العراقيين، على عكس الفترة الملكية التي لم تشهد أي صراعات دموية وحروب واقتتال طائفي كما يحدث اليوم».