إيران تسعى لجذب السياح الأجانب.. لكن شك السلطات فيهم والقيود الاجتماعية يقفان عقبة

كيش نموذج سياحي متطور يجذب مليون زائر سنويا.. لكن أغلبهم إيرانيون

TT

وعد رئيس إيران المنتخب، رجل الدين المعتدل حسن روحاني، بدعم قطاع السياحة غير المستغل في بلده، لكن اعتقال السائحين الأوروبيين هذا الربيع ألقى بظلاله على تلك الجهود.

لقد كان روحاني واضحا بحزم فيما يتعلق بأهمية السياحة للقطاع الاقتصادي في إيران، ومنذ أن تم انتخابه، حدد هدفا ممثلا في زيادة عدد السائحين الأجانب الذين يزورون إيران كل عام إلى أكثر من الضعف، ليصل إلى 10 ملايين سائح. وتلك الزيادة، عن المستوى الحالي البالغ 4 ملايين سائح، من شأنها أن «توفر فرص عمل لأربعة ملايين شخص، وأن تحل مشكلة ثلاثة ملايين ونصف مليون عاطل في الدولة»، حسبما أفاد به روحاني.

وعلى كيش، وهي جزيرة في الخليج قبالة الأراضي الإيرانية، وتعتبر وجهة محلية مفضلة للإيرانيين، انتظر المطورون العقاريون على مدى أعوام تولي إدارة جادة لاستغلال الإمكانات السياحية للدولة.

تضم الجزيرة عشرات من مشاريع البناء الحديثة، بما فيها فنادق ومراكز تسوق، وتجذب بالأساس أكثر من مليون زائر سنويا. ومع ذلك، فإنه كما هو الحال بالنسبة للوجهات السياحية الإيرانية الأخرى، غالبية الزائرين من الإيرانيين.

«علينا أن نعد البنية التحتية وأن نخطط لزيادة عدد السائحين. سوف يتطلب الأمر منا عشر سنوات على الأقل كي نصبح وجهة دولية»، هذا ما قاله ماهان مودافن، مستشار التسويق لمكتب وزارة السياحة الإيرانية في كيش.

وفيما يتعلق بتبرير انخفاض عدد السائحين نسبيا بالدولة، يلقي روحاني باللوم على العقوبات، ولا سيما تلك التي صعبت، إن لم تجعل من المستحيل، على السائحين استخدام الائتمان الدولي وبطاقات الصراف الآلي. غير أن خبراء السياحة هنا يرون أن المشكلات أعمق من ذلك بكثير. إنهم يعتقدون أن حالة الشك العامة من قبل السلطات في الأجانب وعدم التساهل عقبتان رئيستان تحولان دون حصول إيران على جزء أكبر من عائد السياحة الدولية، على الرغم من عوامل الجذب البيئية والتاريخية الكثيرة في الدولة.

«لدينا كل الإمكانات التي نحتاجها لجذب السياح الأجانب، ولكن نظرا للقيود، الثقافية في الأغلب، مثل الحجاب، فإنهم لا يأتون إلى هنا. ولكي نجذبهم، نحتاج إلى توفير مناخ سياسي واجتماعي أفضل»، هذا ما قاله راميزان غولينجاد، وهو منسق بمهرجان كيش الصيفي السنوي.

وتأمل إيران في إحراز تقدم في مجال السياحة، ولكن أخبار اعتقال سائحين سلوفاك دخلوا إيران بشكل قانوني بتأشيرات سياحة تبرز مدى بعد إيران عن أن تكون وجهة سياحية دولية حقيقية. تم اعتقال السائحين السلوفاك، جنبا إلى جنب مع مضيفهم المحلي، وهو عضو ذائع الصيت بمجتمع الطيران المظلي في إيران، بعد تحليقهم فوق منشأة عسكرية قبل أيام من الانتخابات الرئاسية. «أتوا إلى إيران كسائحين، ولكنهم تصرفوا بشكل غير لائق وكانت بحوزتهم أجهزة غير تقليدية. انتهكوا قوانين جمهورية إيران الإسلامية وألقت السلطات المعنية القبض عليهم»، حسبما أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية، عباس عراقجي، لوكالة أنباء الطلبة في 30 يونيو (حزيران).

وبفضل الجبال الشاهقة والرياح المنعشة وانخفاض الأسعار، أصبحت إيران وجهة سياحية مفضلة لممارسي رياضة الطيران بالمظلات الأوروبيين، وكان الموقع الذي اعتقل فيه السلوفاك الأوفر حظا لاستضافة منافسة طيران بالمظلات دولية مقبلة، بحسب محمد رازقي، رئيس اتحاد الرياضات الجوية بإيران. يمكن أن تؤدي الاعتقالات إلى أن يعيد الزائرون المحتملون النظر في خطط السفر، مع أنه، بحسب الرازقي، «كانت المشكلة الوحيدة التي أفضت إلى اعتقالهم هي عدم امتلاكهم تصريح الطيران المناسب».

وعلى الرغم من تحملها النظر إليها بوصفها بلدا غير آمن، فقد شهدت الدولة زيادة نسبتها 25 في المائة في عدد السائحين الأجانب الوافدين في عام 2012 مقارنة بالعام السابق، بحسب مانوشهر جهينة، نائب وزير السياحة الإيراني. وأشار إلى أن الزائرين الأجانب البالغ عددهم أربعة ملايين حققوا عائد سياحة يربو على 8 مليارات دولار.

لكن بعض العاملين في المجال يقولون إن أي طفرة في السياحة ترتبط بدرجة أكبر بالعوامل التي تتجاوز نطاق سيطرة السلطات عن ارتباطها بالتطوير الفعلي والترويج.

يقول آرش نوراقايي رئيس اتحاد قادة الرحلات بطهران ومحلل بقطاع السياحة في إيران، إنه يرى أن الدولة ربما تستفيد بالأساس من انخفاض قيمة عملتها وحقيقة أن وجهات سياحية إقليمية أخرى، من بينها مصر وسوريا وتركيا، قد واجهت صراعات محتدمة.

يقول نوراقايي: «ينبغي أن نرى مردودا في صورة مزيد من الاستثمارات في قطاع السياحة، وهذا لم يحدث بعد». على جزيرة كيش، تستمر الاستثمارات، لكن ما زالت هناك ندرة في السائحين الأجانب. في ظل هذا الطقس الحار المشبع بالرطوبة الذي تزيد درجة الحرارة فيه عن 40 درجة في هذا الوقت من العام، لا يزال المهرجان الصيفي السنوي الـ16 في أوج نشاطه، حيث تقام الحفلات والعروض الراقصة اليومية عند الغروب بجوار أهم وجهة سياحية في الجزيرة، وهي السفينة اليونانية، وهي سفينة بضائع عالقة قبالة شاطئ الجزيرة في عام 1966.

مقابل مبلغ يربو بقليل على دولار للركوب، يبهر زورق بخاري سريع المسافرين بالدوران بشكل خطير بالقرب من حطام السفينة الغارقة. ويتاح أيضا ركوب الجمال والخيول. كذلك، يرقص رجال أكراد يرتدون سراويلهم الفضفاضة المميزة على أنغام الموسيقى التقليدية، وتسبح سلحفات ضخمة تحت سطح الماء، وتصعد لأعلى من حين لآخر لتتنسم الهواء، لتجد كما هائلا من المصابيح الكهربائية بانتظارها.

يستشعر متخصصو صناعة السياحة هنا الإمكانات، ولكنهم على وعي واضح بالقيود؛ يقول غولينجاد منسق المهرجان: «أفراد فريق عمل روحاني من التكنوقراط وينظرون إلى السياحة بوصفها قطاعا رئيسا يضم إمكانات هائلة. تحدوني آمال كبيرة في أن يستطيعوا تحقيق تقدم في قطاع السياحة في إيران. في حالة نمو هذه الصناعة، ستعود الفائدة على الجميع، خاصة فيما يتعلق بتوفير فرص العمل».

غير أن اللوائح الإسلامية الصارمة في إيران ما زالت تمثل معوقا رئيسا يحول دون جذب الزائرين الأجانب. حتى إن الغطس بجهاز الغوص تأثر بقيود دينية تلزم بالفصل على أساس النوع بين السائحين غير المتزوجين. تحيط بجزيرة كيش الشعاب المرجانية المزدحمة بالأسماك الاستوائية، وتقدر تكلفة الغطس لمرة واحدة على الجزيرة بنحو خمس تكلفتها في دبي، التي تبعد بمسافة 100 ميل على الجانب الآخر من الخليج. غير أن جاسم نرجسي، المدرب بمركز الغطس بكيش، أشار إلى أن الطلب ما زال قليلا.

يقول نرجسي: «لدينا القدرة على التعامل مع 3600 غطاس كل عام، ولكن في بعض الأسابيع، لا نجد سوى زبون واحد».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»