وزير السياحة اللبناني: السائح الخليجي غائب.. والعراقيون في صدارة الوافدين

انخفاض عدد السياح بنسبة 12.6% خلال ستة أشهر مقارنة مع العام الماضي

جانب من أسواق وسط بيروت الذي يعتبر جاذباً للسياح
TT

لم يتوقع رامي، عندما قرر نهاية العام الماضي قبول عرض عمل جديد براتب مغرٍ في مطعم جديد راق في وسط بيروت، أن وظيفته الجديدة كـ«شيف» حلويات لن تستمر طويلا. إذ بعد شهرين من إبلاغه وزملائه بأن حسما بنسبة 20 في المائة سيطال رواتبهم بسبب الوضع الاقتصادي السيئ، وعدم إقبال عدد كبير من الرواد المحليين والأجانب، قررت إدارة المطعم قبل أيام قليلة وقف العمل في المطعم لشهر على الأقل وأبلغت الموظفين بذلك، من دون أن تحدد لهم مصير رواتبهم بعد.

حال رامي وزملائه عينة عن أزمة اقتصادية بدأت ترتسم ملامحها في لبنان، بعد الضربات الموجعة التي تلقاها القطاع السياحي في العامين الأخيرين على الأقل. أزمة تطال بشكل خاص قطاع الخدمات من فنادق ومطاعم ومنتجعات.. وزاد الأمر سوءا تحذير دول مجلس التعاون الخليجي رعاياها من المجيء إلى لبنان الشهر الماضي، علما بأن العدد الأكبر من السياح الذين يأتون إلى لبنان من السياح العرب. وبحسب إحصاءات وزارة السياحة اللبنانية، فإن 33.5 في المائة من السياح الذين جاءوا إلى لبنان عام 2012 أتوا من الدول العربية، تليها أوروبا بنسبة 32.6 في المائة، وأميركا بنسبة 16.2 في المائة، ثم آسيا بنسبة 14.8 في المائة.

ولا ينكر وزير السياحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال فادي عبود في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن الوضع السياحي في لبنان «دقيق جدا»، لكنه يرفض توصيفه بـ«الكارثي»، إذ إن من شأن ذلك أن «يزيد الوضع سوءا» (على حد تعبيره).

ويشير عبود إلى حالات صرف لموظفين وعاملين في المؤسسات السياحية والخدماتية في الفترة الأخيرة. ويقول في هذا الإطار: «لا يمكن لرب عمل أن يصرف موظفيه في عز الموسم السياحي، إلا إذا كان عمله شبه متوقف»، معتبرا أن «ثمة مشكلة واضحة خارج بيروت، وتحديدا في فنادق الجبل (جبل لبنان) التي تعمل بنسبة تتراوح بين 10 و15 في المائة، ويصبح بالتالي مفهوما سبب استغنائها عن عدد من موظفيها».

ويبدي عبود خشيته من أن يكون «القادم أعظم»، لكنه يعول، في الوقت عينه، على «انتعاش» و«حركة مقبولة» قد يشهدها الموسم السياحي خلال إجازة عيد الفطر «في حال بقي الوضع الأمني في لبنان مستقرا في الأسابيع المقبلة».

ولا تجدي محاولات وزارة السياحة لجذب السياح إلى لبنان نفعا. فهي تدأب على الترويج، بالإمكانيات المتاحة، للموسم السياحي حول العالم، ولا تجد إلا خيار بث الإعلانات المشجعة على القدوم إلى لبنان. آخر هذه الإعلانات بعنوان «ليش في أحلى من لبنان؟»، يعرض لمميزات لبنان ويطل فيه الفنانان اللبنانيان يارا وعاصي الحلاني. ويغمز الشريط الدعائي من قناة الخلافات السياسية في لبنان والدعوات العربية لتجنب زيارته.

وتقول يارا في جزء منه بلكنة لبنانية: «بيقولو إبعدوا عن الخلافات»، ويجيبها الحلاني: «ليش في أحلى من الديمقراطية؟»، ثم يختمان الإعلان بعبارة: «بقولوا تجنبوا لبنان، ليش في أحلى من لبنان؟». ويشير وزير السياحة اللبناني في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «السائح الخليجي ليس موجودا في لبنان اليوم»، ويجدد عبود دعوة الأشقاء العرب إلى المجيء إلى لبنان لأن «مقاطعته لن تجدي»، مؤكدا «حاجة اللبنانيين إلى أصدقائهم في العالم العربي، خصوصا أن خيارات السائح العربي باتت قليلة».

في المقابل، يكشف عبود أن «السائح الأول في لبنان اليوم بعد المغتربين اللبنانيين، هو السائح العراقي، لذا نحن نعمل جاهدين باتجاه العراق بهدف تشجيع عدد إضافي على المجيء إلى لبنان». وبحسب بيانات صادرة عن وزارة السياحة، نهاية العام الماضي، فإن 28 في المائة من السياح العرب الوافدين إلى لبنان عام 2012 هم من العراقيين، يليهم الأردنيون بنسبة 20 في المائة، فالكويتيون بنسبة 16 في المائة.

وأظهرت إحصاءات صادرة أمس عن وزارة السياحة اللبنانية أن «عدد السياح إلى لبنان سجل خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي تراجعا بنسبة 69.12 في المائة عما كان عليه في الفترة ذاتها من العام الماضي، إذ بلغ عدد السياح 623 ألفا و864 سائحا، مقارنة بـ714 ألفا و549 زائرا في الفترة نفسها من العام الماضي».

وأشار تقرير «السياحة» إلى أن عدد السياح إلى لبنان خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي بلغ 136 ألفا و256 سائحا، بحيث تصدر الوافدون من الدول الأوروبية صدارة السائحين إلى لبنان بعدما بلغ عددهم 43 ألفا و590 زائرا. وحل الوافدون العرب في المرتبة الثانية بعدد بلغ 36 ألفا و506 أشخاص، فيما جاء السياح الأميركيون في المرتبة الثالثة بعدد بلغ 29 ألفا و66 سائحا ثم المقبلون من آسيا بعدد بلغ 13 ألفا و25 شخصا.

ويقول وزير السياحة تعليقا على هذه الأرقام إنه «لا يمكن اعتبار نسبة التراجع بعدد السياح في الأشهر الستة الأولى من هذا العام رقما كارثيا، لكنه يؤشر بالتأكيد إلى حالة الانخفاض بظل الأحداث السياسية المحيطة بنا».

وبحسب تقرير عرضته الـ«إسكوا» أخيرا في مقرها في بيروت، يفند تأثير أزمة سوريا على اقتصاد لبنان، فقد شهد القطاع السياحي انخفاضا مضاعفا خلال عامي 2011 (بنسبة 24 في المائة) و2012 (بنسبة 18 في المائة)، فاقمته التطورات الإقليمية وحالة عدم الاستقرار الداخلي المستمرة، وذلك استنادا إلى بيانات صادرة عن وزارة السياحة، وفق الـ«إسكوا». ويرتبط هذا الانخفاض بشكل أساسي بانخفاض عدد الوافدين من الدول العربية، الذين يمثلون الحصة الأكبر من الإنفاق السياحي في لبنان، وذلك نتيجة تحذيرات دولهم من مغبة المجيء إلى لبنان، على إيقاع أزمة سوريا المستمرة منذ شهر مارس (آذار) 2011.

وتتوقع الـ«إسكوا» انطلاقا من بيانات وزارة السياحة انخفاضا إضافيا بعدد السياح بنهاية العام الحالي تقدره بـ25 في المائة، مشيرة إلى أنه في حال كان القطاع السياحي يشكل ما نسبته بين 10 و12 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي في لبنان، فمن شأن انخفاض مماثل أن يؤدي إلى تراجع بنسبة 2.5 في المائة في الناتج الإجمالي المحلي.