ناشط روسي معارض للتلوث يدفع ثمنا غاليا

المهاجمون ضباط شرطة يرتدون ملابس مدنية

الناشط الروسي ستيبان تشيرنوغوبوف قبل فقدانه الوعي وإصابته بكسر في الجمجمة (واشنطن بوست)
TT

بعد أن قام ثلاثة رجال في هذه المدينة شديدة التلوث بضرب ستيبان تشيرنوغوبوف وفقدانه الوعي وإصابته بكسر في الجمجمة، فضلا عن تحطم ثلاث من أسنانه، اصطحبه المحققون الجنائيون، وهو ما زال ينزف، إلى قسم شرطة، حيث قاموا باستجوابه على مدار أربع ساعات، ثم هددوه بتوجيه اتهامات ضده.

تمت مهاجمة تشيرنوغوبوف، بينما كان يحاول توثيق انبعاث ملوثات من مصنع للكروم هنا، تحول مستنقع يغذي نهر تشوسوفايا إلى اللون الأحمر الداكن، بجوار مستنقع نفايات لونه أخضر زاه. تبين أن اثنين على الأقل ممن هاجموه ضباط شرطة يرتدون ملابس مدنية، حسبما ذكر تشيرنوغوبوف خلال استرجاعه حادثة مايو (أيار).

أدرك الطالب البالغ من العمر 26 عاما المخاطر. النشاط البيئي في روسيا يثير مشكلات خطيرة. انتقد مدافع عن حماية الغابات في جنوب روسيا، يدعى سورين غازاريان، حاكما، وتم حبسه، ومنذ ذلك الحين، فر هاربا من البلاد. وعانى رئيس تحرير نظم حملة ضد مشروع على الطريق السريع يجتاز غابة بالقرب من موسكو، يدعى ميخائيل بيكيتوف، بتلف في الدماغ جراء ضرب تعرض له في عام 2008 ومات هذا الربيع متأثرا بجروحه.

وفي منطقة فورونيز الجنوبية، تم إيداع ثلاثة نشطاء ينظمون حملات ضد افتتاح منجم رصاص ونيكل المستشفى في مايو (أيار) بعد أن هاجمهم حراس أمن بشركات خاصة.

في كل هذه الأمثلة، تكون جذور الخلاف واضحة تماما: تلوث بيئي واضح لخدمة مصالح ذوي النفوذ والأثرياء.

لا تلزم روسيا بتصريحات خاصة بالتأثير البيئي لمشروعات التطوير العقاري، ولا يستطيع النشطاء اللجوء إلى المحاكم بحثا عن الفرج، نظرا لأن النظام القانوني يخدم من هم في السلطة.

ومن ثم، فإن السبيل الوحيد بالنسبة للمدافعين عن البيئة هو تنظيم تظاهرات والقيام بصور أخرى من الأعمال الشخصية. وهذا يولد مخاطر.

قال تشيرنوغوبوف إنه قد حصل على معلومة من موظف حكومي تفيد بأن عملية تصريف تتم بمصنع كروم. وقد انضم أخيرا إلى مجلس متطوعين ينظمه محام بمدينة ييكاترينبرغ، يدعى فاسيلي ريباكوف، لمراقبة حكومة هذه المدينة الصناعية الصغيرة في جبال الأورال. ولا تصلح مثل هذه الأعمال للجبناء، مثلما تظهر جروح تشيرنوغوبوف.

وقال ريباكوف: «إنه شيء أشبه بمملكة صغيرة هناك. حينما تذهب إلى هناك، يبدو الأمر وكأنك تعود إلى تسعينات القرن العشرين – أفراد عصابات ومحتالين ومبتزين».

لقد تم تحذير تشيرنوغوبوف من قبل، بعد أن نشر موضوعا على مدونة عن التلوث في المصنع، تحمل اسم «الروسية كروم 1915» (Russian Chrome 1915). اتصل به معاون للعمدة يوري بيريفيرسيف، على حد قوله، وطلب منه حذف ما نشره. ولم يرد بيريفيرسيف على طلبات التعليق.

غير أن الناشط أصر، إلى أن وجد نفسه يوم 9 مايو في قسم شرطة في حالة دوار وينزف بغزارة ورهن الاستجواب.

يعتبر تشيرنوغوبوف نموذجا لعدد كبير من المعنيين بالبيئة الروس. وهو من أشد المؤمنين بقيم الثقافة الروسية التقليدية – بدرجة هائلة إلى حد أنه في روسيا المعاصرة متعددة الأعراق، يمكن أن تظهر معتقداته في صورة عدم تسامح تجاه الآخرين وتعصب ضدهم.

على سبيل المثال، في تظاهرات منجم فورونيز، انضم إلى المعنيين بالبيئة القوزاق، من بين أكثر أعراق الروس وطنية.

لذلك، حينما فتش المحققون شقة تشيرنوغوبوف وعثروا على زي للقوزاق وتاريخا أكاديميا للتاريخ الثالث وأفلام رسوم متحركة عن المهاجرين المسلمين، أخبروه بأنه يبدو وكأنه يمكن أن يتهم بالتطرف وتأجيج الكراهية الوطنية.

وقال تشيرنوغوبوف إنه ليس نازيا جديدا ولكنه يفتخر بجذوره. استقرت أسرته هنا في مطلع القرن الثامن عشر للعمل بأحد أول معامل صهر الحديد في روسيا. وكان أفراد طائفة مضطهدة تحمل اسم «المؤمنين القدامى» يهربون من العداوة الرسمية التي واجهوها في غرب روسيا.

أطلق المستوطنون على قريتهم اسم شايتانكا، وهي كلمة تتارية تعني شيطان أو شرير، لكنهم عاشوا حياة مسالمة منظمة. أعاد السوفيات تسمية المدينة لتصبح بيرفورالسك وواصلوا بناء المصانع الضخمة التي ظلت تلوث البيئة على مدى عقود، ليخلقوا جحيما في وادي جبلي ضحل.

في النهاية، قررت السلطات عدم مواصلة النظر في الاتهامات الموجهة ضد تشيرنوغوبوف.

لقد أقام تشيرنوغوبوف والرجل الذي تم وصفه بأنه مهاجمه الرئيس، أنتولي غريشين، دعاوى جنائية ضد بعضهما البعض. وأشار مكتب المدعي العام إلى عدم وجود سبب كاف لاستكمال نظر القضية، غير أنه ترك ملف القضية مفتوحا.

لقد تمت تبرئة الرجلين الآخرين في المعركة، اللذين عرفهما مكتب المدعي العام على أنهما ضابطا شرطة. ولم يعلق قسم شرطة سفيردلوفسك على القضية.

خرجت «الروسية كروم 2015» من دائرة الإفلاس قبل عدة أعوام وتسيطر عليها الآن شركة قابضة مسجلة في قبرص. لقد قل الإنتاج وتم تقليص العمالة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الموقع يحوي سبعة ملايين طن من نفايات الكروم غير المعالجة، بحسب ريباكوف، والتي تزعم الشركة أنها تدخل ضمن مسؤولية الحكومة. وتوضح الشركة على موقعها الإلكتروني أنها تلتزم بالقوانين البيئية الروسية.

وبعد يوم من ضرب تشيرنوغوبوف، وصل رشيد أليموف، الناشط في منظمة «غرين بيس» قادما من سان بطرسبورغ لإجراء فحص للتربة حول المصنع. وكتب على الموقع الإلكتروني الخاص بالمنظمة البيئية أنه وجد مستويات تلوث الكروم تزيد بمقدار 100 مرة عن الحد الأقصى المسموح به. وأشار إلى وجود أنبوب تصريف ضخم للمصنع نحو أعلى نهر تشوسوفايا وأنه قد يسهم في حدوث التلوث.

تم إيداع تشيرنوغوبوف بالمستشفى مرتين بعد تعرضه للهجوم. لكن في الشهر الماضي، كان في حالة صحية جيدة بالدرجة الكافية للخضوع للاختبارات، واتفق أخيرا مع طبيب أسنان على تركيب أسنان جديدة.

* خدمة «واشنطن بوست»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»