وجود سنودن في موسكو يمنح الكرملين إمكانيات لم يكن ليحلم بها منذ شهرين

اتهام الجنرال ألكسندر مدير وكالة الأمن القومي الأميركي بأنه أحدث «ثورة في التجسس»

TT

عادت موسكو إلى التلويح بقضية إدوارد سنودن عميل المخابرات المركزية والأمن القومي الأميركي العالق بمطار شيريميتيفو للعاصمة الروسية منذ يونيو (حزيران) الماضي للاستفادة منها لتسوية عدد من القضايا الخلافية مع الولايات المتحدة الأميركية ومنها «قائمة ماغنيتسكي» التي أقر الكونغرس الأميركي بموجبها حظر دخول وتجميد أموال عدد من كبار الشخصيات السياسية الروسية. وبهذا الصدد كتب ميخائيل روستوفسكي المعلق السياسي لصحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس»، إن «وجود سنودن في منطقة الترانزيت بمطار شيريميتيفو وبما يملكه من آليات ضغط على الإدارة الأميركية يعطي موسكو الرسمية إمكانيات محددة لن يكن الكرملين ليحلم بها منذ شهرين». وقال روستوفسكي، إن «هناك في روسيا من يعتقد أن الكرملين يستطيع الحصول على الكثير من الأرباح التي يمكن أن تعود عليه من وجود سنودن». وأعاد المعلق السياسي للصحيفة الروسية إلى الأذهان ما سبق واحتدم من جدل بين العاصمتين موسكو وواشنطن حول قائمة ماغنيتسكي التي حار الكرملين أمام سبل الرد عليها وحتى توصل إلى إقرار «قائمة ديما ياكوفليف» التي صدرت عن مجلس الدوما وتقضي بحظر تبني الأميركيين للأطفال الروس. ومضى روستوفسكي ليقول إن هناك في أوروبا من يقف مؤيدا للكثير من خطوات روسيا التي تقوم بها من أجل فضح الأساليب الاستخباراتية والتجسسية من جانب الأجهزة الأميركية على المؤسسات والشخصيات السياسية والعامة لمواطني بلدان الاتحاد الأوروبي. وكان سيرغي ناريشكين رئيس مجلس الدوما أعرب أمس عن أن موسكو على استعداد لمساعدة سنودن من أجل تفادي محاكمته وما قد يصدر عن هذه المحاكمة من أحكام قد يصل بعضها إلى الإعدام، وهو ما قال ناريشكين إن روسيا لا يمكن أن تسمح به. وكان ديمتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الكرملين قد أفصح عن موقف مشابه وإن كان أقل وضوحا، حيث قال باحتمالات أن تبذل روسيا ما يمكن أن يستفيد منه سنودن مشيرا إلى «أنه يمكنه من حيث المبدأ البقاء في روسيا». غير أن بيسكوف لم يغفل لدى الإعلان عن ذلك الكشف عن شروط موسكو وفي مقدمتها أن يتقدم سنودن بطلب منحه حق اللجوء، وثانيا الإعلان صراحة عن التزامه بعدم الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وعدم نشر أي وثائق يمكن أن تؤدي إلى ذلك. وحول هذا الموضوع نقلت وكالة أنباء «إيتار تاس» أمس عن زالينا كورنيلوفا المتحدثة باسم الوكالة الفيدرالية للهجرة، إن «الوكالة لم تتلق بعد أي طلبات من جانب سنودن حول طلب منحه حق الهجرة، والذي قالت إنه يمكن بحثه بموجب القواعد المتبعة في هذا الشأن، ومنها استطلاع رأي وزارات الخارجية والداخلية والأمن والمخابرات حول احتمالات منح المواطن الأجنبي لحق اللجوء المؤقت أو الدائم. وتعليقا حول هذه المسألة نقلت شبكة «نيوز رو» الإلكترونية الروسية ما تندرت به صحيفة «نيويورك تايمز» في هذا الشأن: «أن سنودن المناضل من أجل الشفافية يحاول الحصول على مساعدة بلد لا تختلف أساليب أجهزة أمنه ومخابراته عن الأساليب التي ينتقدها في عمل وكالة الأمن القومي الأميركي، فضلا عما تفرضه هذه الأجهزة الروسية من قيود ضد حرية الفكر والكلمة في الشبكة الدولية (الإنترنت)».

وبينما قالت أخبار بأن إدوارد سنودن، خبير التكنولوجيا الأميركي الذي كشف شبكات تجسس وكالة الأمن القومي (إن إس إيه)، والمحجوز في مطار موسكو، يملك «كمية هائلة من الوثائق التي ستحلق ضررا بالغا بالولايات المتحدة إذا نشرت»، اتهمت منظمات أميركية لحقوق الإنسان الجنرال كيث ألكسندر، مدير «إن إس إيه»، وكالة الأمن القومي الأميركي، بأنه أحدث «ثورة في فن التجسس»، وهي جمع كل المعلومات، ثم تنقيتها، وليس فقط جمع المعلومات المطلوبة.

وقال مسؤول استخباراتي سابق، طلب عدم نشر اسمه: «فلسفة الجنرال ألكسندر هي: بدلا عن إحضار إبرة من داخل كوم من القش، نحضر كل كوم القش. نجمع كل قشة، ونصنفها، ونضع عليها تواريخ وأسماء. ومتى احتجنا إلى شيء فيها، نعود إليها».

وقال المسؤول السابق إن ألكسندر، الذي ظل مديرا للوكالة لثماني سنوات، استعمل هذه «الثورة» خلال احتلال القوات الأميركية للعراق. بدلا عن جمع اتصالات أفراد معارضين للاحتلال، أمر بجمع كل اتصالات العراقيين.

وقبل سنوات قليلة، اقترح، بدلا عن متابعة حسابات أشخاص في البنوك، تجمع الوكالة كل حسابات كل البنوك. وبدلا عن متابعة القادمين إلى الولايات المتحدة المشكوك فيهم، تجمع الوكالة كل قوائم القادمين إلى الولايات المتحدة. ورغم أن الاقتراح الأول لم ينفذ، بسبب الخوف من اختراق خصوصيات المواطنين الأميركيين، ينفذ الآن الاقتراح الثاني، حيث تقدم كل شركة طيران إلى وكالة الأمن القومي قوائم المسافرين على طائراتها إلى الولايات المتحدة، كل طائرة، كل يوم. وكان الصحافي الأميركي غلين غرينوالد، أول من كشف وثائق سنودن، قال: «عند سنودن ما يكفي من المعلومات ليلحق في دقيقة واحدة أضرارا أكبر من تلك التي سببها أي شخص آخر في تاريخ الولايات المتحدة». وأضاف الصحافي: «رغم ذلك، ليس هذا هو هدف سنودن. هدفه هو كشف مخاطر التجسس على شركات الإنترنت التي يستخدمها الناس حول العالم، دون معرفة الناس لذلك». وكانت الخارجية الأميركية قالت، إن سنودن مطلوب أمام العدالة الأميركية، وإنه يجب أن يعاد إلى وطنه لمواجهة مصيره. وأعربت الخارجية عن خيبة أملها لأن مسؤولين ومنظمات في روسيا سمحت لسنودن بأن يقابلوا، في الأسبوع الماضي، ممثلين لمنظمات حقوق الإنسان والشفافية الدولية. وقالت جين بسكاي، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية: «نظل نتصل مع المسؤولين الروس. وتظل سفارتنا في موسكو تتصل مباشرة هناك».

وكانت بسكاي انتقدت السماح لسنودن بمقابلة ممثلي منظمات حقوق الإنسان. وقالت: «أصبنا بخيبة أمل لأن مسؤولين ومنظمات روسية سمحت لهؤلاء الناشطين بدخول مطار موسكو لمقابلة سنودن الموجود في منطقة الترانزيت، والمطلوب أمام العدالة الأميركية».

وأضافت: «كيف تسمح روسيا بذلك وهي التي كانت أعلنت انها محايدة في هذا الموضوع؟».