خصومة المستقبل ـ حزب الله في لبنان فرضتها ملفات داخلية وعقدتها أزمة سوريا

حملات سياسية واتهامات متبادلة حول «تغطية» السلفيين أو «قتالهم»

TT

تشهد العلاقة بين حزب الله الشيعي وتيار المستقبل السني في لبنان توترا فاقعا في الفترة الأخيرة عبرت عنه المواقف الخطابية العالية النبرة الصادرة عن قياديي الحزب ونوابه على خلفية الملف الحكومي.

هناك 3 ملفات تحكم العلاقة بين الجانبين: أولها، يرتبط بمخاوف تيار المستقبل من سلاح حزب الله، الذي استخدم في الداخل للمرة الأولى في السابع من مايو (أيار) 2008، واستخدم مرة ثانية لترويع رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط للسير بإسقاط حكومة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، فيما اصطلح على تسميته بـ«القمصان السود». وثاني الملفات، أزمة سوريا والانقسام الحاد بين تأييد النظام ودعم المعارضة. أما الملف الثالث، والأكثر تعقيدا فيتعلق بتشكيل الحكومة اللبنانية، مع رفض المستقبل تكرار تجربة حكومة «الوحدة الوطنية».

مآخذ تيار المستقبل على مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب القوات النظامية في سوريا ومواقفه الحادة من هذه المشاركة واتهامه الحزب بمحاولة جر أزمة سوريا إلى لبنان في الشهرين الأخيرين يقابلها حزب الله اليوم برد الصاع صاعين، وذلك على خلفية تمسك «المستقبل» برفضه مشاركة الحزب في حكومة يعتزم رئيس الحكومة المكلف تمام سلام تشكيلها.

انطلاقا من هنا، لا يبدو غريبا تأكيد نائب حزب الله نواف الموسوي قبل يومين أن «مشاركة الحزب في الحكومة ليست منة من أحد، بل هي حق مكتسب للقاعدة الشعبية التي يمثلها»، فيما ذهب نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب الشيخ نبيل قاووق للقول إن «حزب المستقبل ليس بحجم أن يضع أي فيتو على مشاركة حزب الله في الحكومة، بل هذا أكبر من حجمهم ودورهم».

هذه المواقف وأخرى مماثلة صادرة عن قياديي الحزب ردت عليها كتلة المستقبل بإعلانها بعد اجتماعها أمس أن «السبيل الوحيد للخروج من المأزق الراهن يتمثل بتسهيل مهمة سلام من أجل تشكيل حكومة مسالمين لا حكومة مقاتلين». وأوضحت أنها «لا تدعو إلى العزل أو الانعزال، ولا سيما أن الدروس المستفادة من الماضي تؤكد أنه لا يستطيع أحد أن يقصي أحدا رغم أن حزب الله والنظام السوري يحاولان ذلك مع تيار المستقبل منذ سنوات».

وفي سياق متصل، يقول القيادي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش لـ«الشرق الأوسط»، إن «تيار المستقبل اليوم وبعد تجربة فاشلة لاستيعاب حزب الله في حكومات الوحدة الوطنية، وصل إلى قناعة أنه لا يمكن التحالف معه والقبول بوجوده على هيئته الحالية في دولة واحدة».

ويعرب علوش عن اعتقاده بأنه «لا يمكن اليوم التعايش مع حزب الله بسلاحه وتطبيقه لأجندات خارجية، لأن من سيفعل ذلك، إما أن يكون تابعا أو خائنا، وقد أثبت تيار المستقبل أنه على النقيض من هذين التوصيفين». والواقع أن المواجهة السياسية بين الطرفين انطلقت عام 2006، بعد حرب (تموز)، مع انسحاب الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، لتتأرجح بعدها العلاقة على وقع ملفات داخلية وصلت إلى حد انكسارها في السابع من مايو (أيار) 2008. ثم جاء إسقاط حكومة رئيس الحريري مطلع عام 2011 ليزيد الطين بلة. بعدها، تم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة من لون واحد، فيما توجه المستقبل مع حلفائه في «14 آذار» إلى مقعد المعارضة. ويعود اللقاء الأخير الذي جمع الحريري بأمين عام حزب الله حسن نصر الله إلى شهر يونيو (حزيران) 2009. منذ ذاك الحين، لم تحصل لقاءات ثنائية أو حتى هامشية بين الجانبين وفريقي عملهما، ليقتصر التواصل غير المباشر بين الطرفين عبر رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري.

لكن الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير يعيد التباين بين الطرفين إلى قضية المحكمة الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وما يتعلق بها من ملفات إشكالية كان أبرزها «شهود الزور» وتمويل المحكمة. ويقول قصير لـ«الشرق الأوسط» في هذا الإطار إن «رفض الحريري فتح ملف شهود الزور وإصرار حزب الله عليه قصم ظهر العلاقة الثنائية بينهما»، فضلا عن الخلاف بينهما حول سلاح المقاومة وإدارة شؤون البلد الداخلية.

ويشير قصير إلى أن «التوتر بين الجانبين تضاعف مع ترشيح حزب الله لميقاتي لرئاسة الحكومة بعد إسقاط حكومة الحريري ما أدى إلى انزعاج شديد تخطى تيار المستقبل إلى جهات إقليمية». ويضيف: «تلك كانت الأزمة الأكبر بينهما وازدادت تعقيدا مع رفض (المستقبل) المشاركة في حكومة وصفتها بحكومة ولاية الفقيه». خلال هذه المراحل، لم تشهد العلاقة الثنائية توترا في الخطاب السياسي بقدر ما شهدته بعد إعلان حزب الله مشاركته في القتال الدائر في سوريا وانعكاسه على التوترات الأمنية الداخلية، لا سيما في عرسال وصيدا وطرابلس.

ويعتبر قصير أن «الموضوع الأمني ساهم بتأجيج الخطاب المتشنج والعالي النبرة، مع اتهام تيار المستقبل لسرايا المقاومة (فصيل عسكري محسوب على حزب الله) بالمشاركة في توترات صيدا واتهام حزب الله بالمشاركة بشكل مباشر في القتال إلى جانب الجيش اللبناني بمواجهة الشيخ أحمد الأسير». وفي المقابل، يضيف قصير، «يتهم حزب الله تيار المستقبل بالتغطية على القيادات السلفية وتجاوزات الإسلاميين والمساهمة في تسعير حملة ضد حزب الله، تزامنت مع تفجير بئر العبد». أكثر من ذلك، يرى قصير أن «الصراع على السلطة بين الطرفين يزيد من حدة الخلاف، إذ يعتبر حزب الله أن رفض المستقبل توزير حزبيين أو قياديين في حكومة سلام هي محاولة لعزل حزب الله، تضاف إلى محاولة لإلغاء قدرة النقض للحزب وحلفائه عبر معارضة (الثلث الضامن)»، في إشارة إلى رفض المستقبل إعطاء سلام فريق «8 آذار» القدرة على تعطيل اتخاذ القرارات داخل مجلس الوزراء في ما يسمى بـ«الثلث المعطل» باعتبار أن القرارات السياسية في مجلس الوزراء تتخذ بأغلبية الثلثين، كما أن استقالة أكثر من ثلث الوزراء يسقط الحكومة، كما جرى مع حكومة الحريري. وفي حين يصف قصير الخلافات بين الطرفين بأنها «جذرية وعميقة» أكثر من أي وقت مضى، من دون أن يقطع الأمل بإمكانية التوصل إلى «تسوية»، ينفي علوش، القيادي في تيار المستقبل، أن يكون فريقه قد وجه عتبا إلى قيادة حزب الله على خلفية الحملة ضده. ويقول علوش: «عادة ما يكون العتب بين الأصدقاء، أما نحن فلا صداقة تجمعنا مع حزب الله»، متابعا: «طبيعة الحزب تفرض أن يكون حلفاؤه وأصدقاؤه تابعين له، ينفذون أجندته من دون أن ينتقدوا تصرفاته، وهذا ما لا يمكننا التعايش معه أو القبول به، طالما أن حزب الله كما هو، بعقيدته العابرة للحدود، وسلاحه ومحاولة فرض قضاياه بالأمر الواقع على اللبنانيين».