قياديون من اليسار والنهضة يحذرون من تكرار السيناريو المصري في تونس

زعامات من المعارضة والموالاة في سباق ضد تيار «تمرد»

جدل داخل البرلمان التونسي حول مسودة الدستور التي نوقشت من قبل الأعضاء (أ.ف.ب)
TT

حذر نشطاء يساريون من حركة تمرد التونسية والمحامي عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من احتمال «انتشار عدوى التمرد» من مصر إلى تونس بسبب «تراكم أخطاء القيادات الإسلامية التي تسلمت الحكم بعد انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011.. في ظرف تفتقر فيه الحكومة لموارد مالية تكفي لتلبية الطلبات المتزايدة لاتحادات العمال ومنظمات العاطلين عن العمل والشباب والفئات الفقيرة».

وجاءت هذه التصريحات وسط تلويح محمد بنور القيادي في حركة «تمرد» التونسية ورفاقه بجمع مليوني توقيع لدعاة الإطاحة بالحكومة الائتلافية الحالية التي يتزعمها الإسلاميون وكذلك البرلمان الانتقالي المنتخب قبل نحو عامين والذي «لا يزال يتعثر في إنجاز المهمة الأولى التي انتخب من أجلها أي صياغة دستور ديمقراطي جديد للبلاد».

لكن هل يمكن أن تشهد تونس فعلا تحركات جماهيرية ضد القيادات الحالية بما يؤدي إلى إطاحة الجيش بالرئيس العروبي اليساري والحقوقي المنصف المرزوقي وحكومة علي العريض - القيادي في حزب النهضة الإسلامي - وبالمجلس التأسيسي بزعامة الدكتور مصطفى بن جعفر الأمين العام لحزب التكتل الديمقراطي (يسار وسط)؟

بيد أن اللافت للنظر أن حمة الهمامي زعيم «الجبهة الشعبية» اليسارية المعارضة وبعض شركائه في «التحالف من أجل تونس» بزعامة رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي يقودون المجموعات الشبابية المحتشمة التي تناضل من أجل أن «تنتشر عدوى التمرد المصرية في تونس».. وأن تطيح بالمجلس التأسيسي والحكومة الحالية بزعامة حزب النهضة.

وقال محمد البراهمي رئيس حركة الشعب القومية العربية والعضو في «الجبهة الشعبية» اليسارية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «انتصار حركة التمرد التونسية وارد إذا توحدت الأطراف الحزبية والسياسية المعارضة للترويكا الحاكمة بقيادة (النهضة)».

وعزا البراهمي ذلك إلى «توسع حالة الغضب والاستياء الشعبي ضد السلطات التونسية الحالية التي امتدت إلى بعض الحلفاء السابقين لحركة النهضة الإسلامية وشريكيها في الحكم (حزبا المؤتمر بزعامة رئيس الجمهورية والتكتل بزعامة رئيس المجلس التأسيسي) مثل حزب العمال الشيوعي والأحزاب القومية العربية».

في المقابل قلل زعماء عدد من أحزاب المعارضة مثل أحمد نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري والقيادي البارز في «التحالف من أجل تونس» الذي يقوده الباجي قائد السبسي، من «مصداقية حركة تمرد التونسية ونشطائها الذين لا يتعدون في بعض الجهات والقطاعات أصابع اليد الواحدة».. كما انتقد الشابي وحلفاؤه بقوة «انقلاب الجيش على أول رئيس منتخب في مصر» مهما كانت إخفاقات هذا الرئيس وأخطاؤه».

وانتقدت مية الجريبي الأمينة العامة لنفس الحزب «الانقلابيين التونسيين الذين يحنون إلى مرحلة ما قبل الثورة ويحاولون عبثا إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في أوائل عقد التسعينات من القرن الماضي عندما افتعلت السلطات مواجهات أمنية شاملة مع الإسلاميين.. وتوهم العلمانيون أنهم غير معنيين بتلك الحملات الأمنية القمعية.. لكن نفس أجهزة القمع التفتت إلى الحقوقيين والنشطاء العلمانيين بعد استكمال شوط ضرب المعارضة الإسلامية».

وفي الوقت الذي بدا فيه نشطاء حركة «تمرد تونس» وحلفاؤهم اليساريون حملة جمع توقيعات تنادي بـ«إسقاط النظام الديكتاتوري الإخواني الذي يحكم تونس»، تدخل عدد من كبار المسؤولين في أحزاب ائتلاف الحكومة الحالية مثل راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة والمنصف المرزوقي الزعيم التاريخي لحزب المؤتمر وانتقدوا بقوة «شباب تمرد تونس» ووصفوهم. بأبشع النعوت.. وعدوا التغيير الذي جرى في القاهرة بـ«الانقلاب العسكري البشع المرفوض في تونس ومصر وكل الشعوب المؤمنة بالديمقراطية وشرعية صناديق الاقتراع»..

وحذر المرزوقي دعاة «حركة تمرد التونسية» وقال إن «الغالبية الساحقة من التونسيين والتونسيات يرفضون جملة وتفصيلا الانقلابات.. فضلا عن كون جيشنا التونسي مسالم ومحايد ولم يتورط منذ ستين عاما في معارك السياسيين والأحزاب بل حافظ على مواقعه في ثكناته بخلاف الجيش في مصر والجزائر».

ولم تكتف قيادات أحزاب النهضة والمؤتمر والتكتل بالتنديد اللفظي بما تصفه «الانقلاب العسكري على الشرعية الانتخابية في مصر» بل دعت التونسيين إلى «المشاركة في مظاهرات شعبية مساندة لاعتصامات» ميدان رابعة العدوية «المتمسكة بشرعية الرئيس المنتخب».

وفي سياق ذلك تظاهر آلاف من أنصار حزبي النهضة والمؤتمر في العاصمة تونس وفي صفاقس ثاني المدن التونسية لإعلان معارضة «لسيناريوهات الانقلابات العسكرية في مصر وتونس ودول الربيع العربي» على حد تعبير حمادي الجبالي أول رئيس حكومة منتخب بعد الثورة.. والذي أقاله صقور حزب النهضة الإسلامي التونسي في فبراير (شباط) الماضي بعد حادثة اغتيال الناشط السياسي اليساري شكري بلعيد.

وبينما يتابع فيه رموز حركة «تمرد التونسية» تحركاتهم لمحاولة استقطاب الغاضبين من بين الشباب العاطل عن العمل. والذين تضاعف عددهم في مرحلة الثورة، بدأت الجهات الحكومية تقوم بتحركات ماراثونية لسحب البساط من تحت أقدام «الانقلابيين والأحزاب الاستئصالية التي تسعى لإرجاع تونس إلى مرحلة العنف والعنف المضاد الذي قد يبرر محاولات الانقلاب على الشرعية الانتخابية والدستورية».

في هذا السياق تعاقبت خطوات الإفراج الفجائي عن غالبية كبار المسؤولين السياسيين والإعلاميين عهد بن علي وبينهم وزراء ومستشارون سابقون من الحجم الكبير مثل الناطق الرسمي السابق باسم رئاسة الجمهورية عبد الوهاب عبد الله ووزير الداخلية الأسبق عبد الله القلال والرؤساء السابقون لمؤسسة التلفزيون الحكومي: مصطفى الخماري والمنصف قوجة والهادي بن نصر ومحمد الفهري شلبي وإبراهيم الفريضي.

وقد ربط بعض المراقبين بين هذه الخطوة السياسية والدعوات للتظاهر ضد حكومة النهضة وشركائها العلمانيين الذين يتهمهم كثير من زعماء الجماعات الشبابية بالفشل وبمحاولة جر البلاد نحو «أسلمة المجتمع وأخونة الإدارة والمواقع الحكومية».

لكن ولئن قلل البعض من جدية نشطاء حركة تمرد التونسية واتهموا جهات فرنسية وأوروبية بتهويل حجمها وبـ«النفخ فيها» كما يقول الإعلامي والمفكر صلاح الدين الجورشي، فإن منتقدي التمشي الانقلابي في مصر يدعون حركة النهضة وشركاءها في الحكم إلى أن تأخذ «مأخذ الجد حيرة الشباب التونسي وإحساسه بالمرارة وخيبة الأمل وانسداد الآفاق» كما أورد المحلل السياسي اليساري الهاشمي الطرودي..

والتحذير «الأكثر خطورة» صدر عن نائب رئيس حركة النهضة المحامي المثير للجدل عبد الفتاح مورو الذي أورد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه يحذر «من إعادة السيناريو المصري في تونس لأن الإسلاميين أخطأوا عندما تسلموا الحكم وورثوا مشاكل اقتصادية واجتماعية وأمنية وعسكرية معقدة يعجز أي حزب عن معالجتها في ظرف سنوات.. وهم الآن في ورطة لأن الشعب لم يعد يتعامل معهم كأصحاب مشروع ثقافي وحضاري وديني بل كحكام فاشلين اقتصاديا وسياسيا».

ونبه مورو رفاقه وحلفاءهم من مخاطر اعتماد «سياسة النعامة»، وتجاهل «صرخات شباب حركات التمرد التونسية» التي تقترن باستفحال المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للبلاد، وهو أمر يؤرق الشباب والنقابات والفئات الفقيرة والطبقة الوسطى.. في مرحلة تشكو فيها تونس من المضاعفات السلبية للجفاف وركود الموسم السياحي والأزمة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لتونس تجارة وسياحة واستثمارا..

في الأثناء، يعتقد كثير من الخبراء بينهم المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن «عدة عوامل تجعل اندلاع أعمال عنف ومظاهرات ضخمة تحقق أهداف حركة تمرد التونسية أمرا غير وارد الآن مهما كانت أخطاء الترويكا.. من ذلك أن الغالبية الساحقة من التونسيين والتونسيات يعتزلون السياسة صيفا وخلال شهر رمضان ومواسم الأعراس والإجازات السنوية».

ومن جهته، عد الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أن «تمرد التونسية ستفشل مثلما فشلت سابقاتها في انتخابات 23 أكتوبر ثم بعد مظاهرات 8 فبراير (شباط) التي أعقبت جريمة اغتيال الناشط اليساري شكري بلعيد».