مبادرة الاتحاد الأوروبي حول الأراضي المحتلة تحرج إسرائيل

نتنياهو يتصل بقادة الاتحاد لتجميد القرار أو تعديل بعض تطبيقاته

TT

تضع مبادرة الاتحاد الأوروبي التي تستثني الأراضي المحتلة من اتفاقات التعاون مع إسرائيل، حكومة بنيامين نتنياهو في موقف حرج، وبات عليها أن تختار بين تكبد خسائر اقتصادية، أو الإقرار بأن المستوطنات ليست جزءا من أراضيها.

وينص القرار الأوروبي الذي اعتمد في يونيو (حزيران) الماضي ويصبح ساري المفعول غدا بعد نشره رسميا على أنه اعتبارا من عام 2014 فإن كل الاتفاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي يجب أن «تشير من دون التباس وعلنا إلى أنها لا تشمل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967»، أي لا تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وهضبة الجولان، وهي أراض فلسطينية وسورية احتلتها إسرائيل عام 1967.

وفي الوقت الذي بدأ فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سلسلة اتصالات هاتفية محمومة مع القادة الأوروبيين بغرض تجميد قرارهم، أكدت مصادر سياسية في تل أبيب، أمس، أن هذا القرار اتخذ في إطار التنسيق مع الإدارة الأميركية، وهدفه ممارسة الضغط على إسرائيل حتى تغير موقفها وتجمد الاستيطان لفتح الطريق أمام استئناف المفاوضات.

وقالت هذه المصادر لصحيفة «هآرتس»، أمس، إن الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري اطلعا على القرار الأوروبي قبل صدوره. وإن الغرض الأساسي منه هو دفع نتنياهو إلى تجميد كل القرارات بخصوص مشاريع الاستيطان. وكشفت عن أن وزير الدفاع موشيه يعالون امتنع أمس عن إقرار خطة بناء في إحدى المستوطنات، إثر الهلع الذي أصاب الحكومة الإسرائيلية من قرار الاتحاد الأوروبي.

وكان نتنياهو دعا أول من أمس وزيري العدل والتجارة إضافة إلى نائب وزير الخارجية لمناقشة هذه التعليمات الجديدة التي تبناها الاتحاد الأوروبي في يونيو، وقال: «لن نقبل بإملاءات من الخارج في شأن حدودنا». وبحسب وسائل الإعلام فإنه لو قامت إسرائيل بالتخلي عن الاتفاقات بسبب هذا البند الذي تعترض عليه فإن الأضرار التي ستلحق باقتصادها ستبلغ مئات الملايين من الدولارات، خاصة في مجال الأبحاث والتنمية. ورأت وزيرة العدل تسيبي ليفني المسؤولة عن مفاوضات السلام مع الفلسطينيين أن «الركود السياسي فيما يتعلق بالملف الفلسطيني خلق فراغا يحاول المجتمع الدولي أن يملأه».

ومع أن قادة اليمين الحاكم حاولوا التخفيف من وطأة القرار، وقالوا إن أوروبا ستتضرر منه أكثر من إسرائيل، والمستوطنين ردوا عليه باستعلاء وتبجح مطالبين الحكومة بالرد عليه بمقاطعة إسرائيلية لأوروبا، فإن الخبراء في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل اعتبروه خطيرا جدا.

وقال آفي دريمر، السفير الأسبق لدى الاتحاد الأوروبي، إنه «أسوأ القرارات وأشدها ضررا على إسرائيل منذ عشرات السنين». وأضاف أنه بموجب التعليمات المذكورة، فإن أي اتفاق يتم التوقيع عليه في المستقبل مع إسرائيل يجب أن يشمل بندا ينص على أن المستوطنات ليست جزءا من دولة إسرائيل، ولذلك فإنها ليست جزءا من الاتفاق. فإذا أرادت جامعة إسرائيلية الحصول على منحة بحث علمي من أي دولة أوروبية، فعليها أن تتعهد بأن لا يضم طاقم البحث أي عالم من سكان المستوطنات، ولا يتم البحث بمشاركة أي كلية أو جامعة في المستوطنات.

وقال مسؤول كبير في وزارة التعليم الإسرائيلية، أمس، إن تفعيل هذا القرار سيؤدي إلى ضربة فتاكة للبحوث العلمية في الجامعات الإسرائيلية فعلا؛ لأنها تعتمد على دعم أوروبي كبير.

وأضاف مسؤول في وزارة المالية أن الخسارة التي ستلحق بإسرائيل جراء هذا القرار قد تصل إلى مليار يورو في كل سنة، علما بأن التعليمات للمفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، ستكون نافذة المفعول ابتداء من يوم غد وحتى سنة 2020.

ويلاحظ أن القادة الإسرائيليين يحاولون بث رسائل مطمئنة بأن القرار ليس خطيرا. لكن دبلوماسيا رفيع المستوى في الخارجية الإسرائيلية اعتبره «دراماتيكيا»، وأنه بمثابة «هزة أرضية».

وأضاف المصدر: «هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تعميم تعليمات رسمية واضحة كهذه من قبل مؤسسات الاتحاد الأوروبي»، مضيفا أنه «حتى اليوم كانت هناك تفاهمات واتفاق صامت بأن الاتحاد الأوروبي لا يعمل وراء الخط الأخضر، والآن حولوا هذا الأمر إلى حظر رسمي وملزم»، مشيرا إلى أن المعنى الفعلي للقرار الأوروبي هو سياسي، وهدفه تغيير قواعد اللعب بخصوص المفاوضات السلمية.

وقالت «هآرتس» إنه في أعقاب القرار الأوروبي يسود مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزارة الخارجية «توتر شديد وحتى حالة خوف»، وخاصة حيال تبعات القرار على العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي. وإن محاولات من جانب نتنياهو ونائبه في وزارة الخارجية، زئيف إلكين، لمنع صدور هذا القرار الأوروبي باءت بالفشل حتى الآن. لكن مصدرا إسرائيليا كشف أمس عن أن نتنياهو جدد محاولته، فتحدث أمس هاتفيا مع عدد من القادة الأوروبيين يطلب تدخلهم لتجميد القرار حاليا والدخول في محادثات مع إسرائيل حوله. وعلم أن من بين المسؤولين الأوروبيين الذين هاتفهم نتنياهو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ورئيس الحكومة الإيطالي ماريو مونتي، ومسؤولة ملف الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، وغيرهم. وأكدت هذه المصادر أن هذه المحادثات لم تقتصر على مقاطعة المستوطنات، بل تطرقت أيضا إلى المفاوضات السلمية وضرورة أن تبادر إسرائيل إلى خطوات تقنع الفلسطينيين بأن الطرف الآخر جاد في المفاوضات ومعني بإنهائها بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.

وقد لقي القرار الأوروبي ردود فعل متباينة في إسرائيل. ورد مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة بالاستعلاء ومحاولة تذكير الأوروبيين بما شهدته الحرب العالمية الثانية، وذلك للضغط عليهم من باب المحرقة النازية والمسألة اليهودية. وجاء في نص الرد الاستيطاني: «لأسفنا تعود أوروبا تحديدا في يوم خراب الهيكل إلى سياسة المقاطعة والعزل ضد دولة إسرائيل ودعم أوروبا غير المحدود للفلسطينيين حولها إلى طرف غير محايد، ويبدو أن أوروبا لم تتعلم درس التاريخ وعبرته». وقال وزير الإسكان الإسرائيلي أوري أرييل، وهو من قادة المستوطنين، إن قرار الاتحاد الأوروبي «تعسفي ومتحامل ضد الشعب اليهودي»، مضيفا أنه يجب على الحكومة ألا توقع تحت أي ظرف من الظروف أي اتفاق مستقبلي دون أن يكون قطاع غزة جزءا من سيادة دولة إسرائيل.

وعلى صعيد آخر صرح أعضاء حركة «السلام الآن» بأن قرار الاتحاد الأوروبي يرسل رسالة واضحة بأن العالم لا يعترف بالمستوطنات، فنظام الاستيطان يتناقض مع الديمقراطية العالمية، ويجب على الاحتلال الإسرائيلي أن ينتهي؛ فالحكومة تخوض معركة خاسرة ضد التفاهم العالمي، ولا يمكن لإسرائيل إجبار الهيئات الدولية على التعاون مع المشروع الاستيطاني.

وقال رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، إن قرار الأوروبيين يدل على أن من يمسك المقود في إسرائيل منسلخ عن الواقع الدولي. وأضاف أنه قرار متوقع. فلا يعقل أن يكون هناك جمود في مفاوضات السلام طيلة أربع سنوات من دون أن تدفع إسرائيل ثمنا. وأكد: «الأوروبيون لا يكرهون إسرائيل، بل إنهم يتخذون هذا القرار لمساعدة إسرائيل ولحمايتها من نفسها ومن قراراتها الغبية».